يبدي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إيجابية وتفاؤلاً بسير البلاد في المسار الإصلاحي المطلوب داخلياً وخارجياً، إلا أن الحِمل كبير من دون شك والاندفاع المفرط محفوف بالعمل الشاق من جهة، والكثير من العقبات من جهة أخرى، والنتائج المرجوة لا تزال في دائرة الحذر… والمتربصون كثر. ولكن الجو العام لدى الفرقاء السياسيين يوحي بالمضي في الإنجاز والتعاون بهدف الإصلاح لتأمين الدعم الدولي، وما خطوة تقديم موعد الانتخابات لإجرائها في آواخر آذار المقبل إلا تحديد لمسؤولية الحكومة بثلاث أولويات:
– أولاً، تسريع البدء في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتثبيت خريطة الإصلاحات المطلوبة ومسار المساعدات الدولية على أساس تنفيذها.
– ثانياً، الإصلاح في القطاع الكهربائي وتحسين التغذية. صحيح أن عمر الحكومة، الذي لن يتجاوز ستة أشهر، غير كاف لإصلاح القطاع، إنما يكفي تأمين الفيول اللازم لزيادة الإنتاج ووضع القطاع على السكة الصحيحة عبر تلزيم معمل او معملين.
– ثالثا، التحضير للانتخابات وإجراؤها في موعدها عبر القانون النافذ أو المعدل من مجلس النواب.
يكفي أن تحقق هذه الحكومة هذه المهمات الثلاث، قبل أن تصبح في حكم تصريف الاعمال، علاوة على التعاون مع مجلس النواب لإقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة، وعلى رأس القائمة: الكابيتول كونترول وموازنة عام ٢٠٢١/٢٠٢٢.
أكثر من سبعين قانوناً صادراً عن مجلس النواب، من بينها أكثر من عشرين قانوناً إصلاحياً، لم تُطبق بعد، بانتظار إصدار المراسيم التنظيمية من الحكومة والوزارات المعنية، ومجلس النواب جاهز لاستكمال تشريع القوانين الاصلاحية المتبقية لتسيير مشاريع “مؤتمر سيدر” والمبادرة الفرنسية، وهو يوحي بالجدية في تمرير قانون الكابيتول كونترول وغيره، وينتظر انعقاد جلسة استثنائية من خلال فتح عقد استثنائي، او بانتظار العقد العادي.
وقد نقل الرئيس ميقاتي للرئيس نبيه بري في اجتماعهما الأخير وفق معلومات “لبنان الكبير”، أن رئيس الجمهورية ميشال عون بالشراكة مع رئيس الحكومة، يتجهان الى فتح دورة استثنائية، ليواكب مجلس النواب الحكومة في الاسابيع الثلاثة المتبقية لبدء العقد العادي، وذلك من أجل متابعة إقرار القوانين الاصلاحية وتسهيل عملية تفاوض الحكومة مع صندوق النقد.
إذا، الرئيس ميقاتي متحمس لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب، والرئيس عون يوافق على فتحها ووعد ميقاتي بها، ومجلس النواب ينتظر، و”المياه تكذب الغطاس” في الايام القليلة المقبلة، فهل يوقع عون على العقد الاستثنائي ويعيد تفعيل حصانات النواب التي فقدوها بانتظار بدء العقد العادي؟
يتعامل فريق رئيس الجمهورية بشعبوية مع ملف تفجير مرفأ بيروت على أبواب الانتخابات النيابية، ويخشى أصوات المسيحيين على أنقاض الدستور والقوانين، فغرد رئيس الجمهورية عبر تويتر قائلا: التحقيق ليس القضاء، وإذا اخطأ المحقق العدلي فهناك ثلاث درجات للتصحيح: البداية، الاستئناف، التمييز. لذلك، يجب أن يستمر التحقيق كي يُدان المذنب ويُبرّأ البريء.
موقف رئيس الجمهورية غامض وحمال أوجه، وهو يعتبر أن القاضي بيطار يجب أن يستكمل تحقيقه، مستثنياً نفسه من المسؤولية لكونه رئيس البلاد وقائد القوات المسلحة، وكان يعلم بوجود النيترات. لم يأتِ عون على ذكر الصلاحية والدستور، في حين أن موقفي رئيسي الحكومة ومجلس النواب واضحان من ناحية الاختصاص للمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، حيث دعا ميقاتي من منبر عين التينة القاضي بيطار الى التزام الدستور والقانون، وهذا ما يعني أن يحيل محاكمة الوزراء الاربعة والرئيس دياب على مجلس النواب.
وتقول مصادر مطلعة على موقفي بري وميقاتي، فليلتزم الجميع بالدستور والقانون، والا فليمشوا بطرح رئيس تيار “المستقبل” رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بتعليق بعض مواد الدستور ورفع الحصانات عن الجميع بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً الى أصغر موظف للتحقيق بقضية المرفأ أمام المجلس العدلي… فالعدالة المنقوصة لا تعد عدالة، وويل لقاضي الارض من قاضي السماء.