كوارث التنازل… ألم نتعلَّم يا دولة الرئيس؟!

عبدالله ملاعب

في حديثه التلفزيوني الأول بعد نيل حكومته الثقة النيابية، نَسَبَ نجيب ميقاتي نجاحه في تشكيل الحكومة إلى عنصر “التوقيت” الذي اعتبره مختلفاً عن توقيت سعد الحريري. حاول ميقاتي تبرير اتفاقه مع الرئيس ميشال عون من دون إظهار التنازلات التي قدمها لبعبدا والتي أتت منه لا من نادي رؤساء الحكومات.

قال ميقاتي: “إن رئيس الجمهورية شريك في الحكم والحكومة والدستور”، وأعلن بصريح العبارة انه أسقط مطلب الاختصاصيين الذي كان قد وضعه الحريري مبرراً ذلك بكون وزراء حكومته غير حزبيين لكن بمرجعيات حزبية، فمن غير الممكن، بحسب ميقاتي، إسقاط أسماء بـ”الباراشوت”.

فعلاً استبشر اللبنانيون خيراً بولادة حكومة ميقاتي التي تضم بعض الوجوه ذات الثقل التخصصي والسِيَر الذاتية الممتازة. فعلى الرغم من الأسماء الفاقعة التي اختارتها بعبدا من مستشارين سابقين لرئيس الجمهورية ولجبران باسيل ولبعض وزراء العهد، الا أن الامل بقيام تجربة حكومية سليمة وبتراجع نسب الجشع العوني بالسيطرة والسلبطة كان قائمًا، لكنَّه سرعان ما تبدَّد في الايام القليلة الماضية بعد انعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء اثر نيل الحكومة الثقة.

فالتيار الوطني الحر بزعيميه لم يكتفِ بأخذ حقائب الخارجية والشؤون الاجتماعية والعدل والدفاع الوطني والسياحة إضافة الى وصايته على الصناعة والمهجرين، الا أنه حَرص على توزيع المستشارين الشخصيين لعون وباسيل بين المكاتب الوزارية ليكونوا “عدة الشغل” الحقيقية ولا سيَّما في وزارة الخارجية والمغتربين الحسَّاسة، بخاصة بعد أن أصبحت الانتخابات النيابية أمرًا واقعًا وصارت إقامتها من المُسلَّمات. فقد حاول جبران باسيل مرارًا تطيير الانتخابات النيابية باستخدام حجج عديدة، لكنَّه اليوم اصطدم بالواقع لذلك يحاول جاهدًا أن يُمَتِّن نفوذه في وزارة الخارجية قدر المستطاع ولا سيَّما انه يخاف أصوات المغتربين.

عليه، ضَمَّ باسيل لفريق عمل وزير الخارجية، مستشارته باسكال دحروج حنا زوجة القيادي في التيار فادي حنا ومسؤولة اللجنة الاستشارية للشؤون الخارجية في التيار والتي ظهرت باجتماع عقده الوزير عبدالله أبو حبيب مع وزير الداخلية المولوي في وزارة الداخلية والذي كان قد خُصِّص للتباحث بملف الانتخابات النيابية.

حَصَّن باسيل وزير الخارجية بفريق حزبي سيُشرف وينظم انتخابات المغتربين الذين بمعظمهم غادروا وجُلَّ غضبهم على “الهيلا هوو”، أكثر من استفزَّ المواطنين وكل من شارك في ثورة 17 تشرين. لكنَّ خوفه لا يزال في الداخلية التي يحاول اختراقها بشتى الطرق أبرزها إنشاء لجان تنسيق مشتركة بين الخارجية والداخلية. وسينجح باسيل في خرقها إن بقي ميقاتي يمارس خيار التنازل تحت قاعدة تسهيل العمل.

وفي سياق مُتَّصل، تنازل ميقاتي عن رفضه المبدئي لضم الاسمين اللذين اقترحهما الرئيس عون للانضمام الى الوفد الوزاري المخصص للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. فخامته لم يختر حصته من الوفد بناء على معايير أكاديمية مهنية بل كان خياره محض سياسي ونجح فيه على الرغم من امتعاض ميقاتي وتمنيه تغييرهما وهما المستشار الاقتصادي للرئيس عون شربل قرداحي والمسؤول المالي في التيار الوطني الحر رفيق حداد.

وفي المقلب التشريعي، نجح التيار الوطني الحر في الطعن بقانون الشراء العام الذي لو سلك طريقه نحو التطبيق لكان قد أوقف الكثير من الهدر في المال العام كما يجري في العديد من الوزرات ولا سيما في وزارة الطاقة على سبيل المثال التي بقيت مع الفريق عينه لكن هذه المرة لم يُوَزَّر فيها مستشار باسيل بل مستشار مستشارته.

صحيح أنَّ دعم حكومة ميقاتي أمر ضروري ولا سيَّما أنَّ دولة الرئيس نجح بتحصينها خارجيًا عبر جولاته التي استهلها من باريس ومن ثم لندن. لكن على دولته أن يبادر هو أولاً الى دعم حكومته عبر الوقف الفوري لمسار التنازلات التي أصبحت كثيرة ومتعددة الأوجه. وبصرف النظر عن الانتخابات النيابية، استحقاقات عديدة تنتظر حكومة ميقاتي كالتعيينات القضائية وغيرها من الملفات التي يستطيع التيار الوطني الحر وحلفاؤه أسرها كُليًا إن بقي مسار الرضوخ حاضرًا.

شارك المقال