“الحزب” وفوبيا الديموقراطية!

جورج حايك
جورج حايك

يمكن القول إن لعبة “حزب الله” أصبحت مكشوفة، وتتظهّر بوضوح في مواجهة الاستحقاقات الدستورية، فهو يخاف الديموقراطية ولم يعد مقتنعاً بالاحتكام اليها، وبالتالي يفضّل الشغور أو التمديد للاستحقاقات تفادياً لـ”وجع الراس”، بدليل أنه بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، عطّل رئاسة الجمهورية متجاوزاً التنافس الديموقراطي في مجلس النواب، وبالأمس كانت له اليد الطولى وحليفه الرئيس نبيه بري في التمديد الثالث للمجالس البلدية والاختيارية بذرائع واهية.

واللافت أن لبنان اليوم بأمسّ الحاجة الى بلديات نشيطة بعدما تعرّضت مئات البلديات للشلل نتيجة الأزمة والخلافات فيها، إلا أن “الحزب” وحركة “أمل”، و”التيار الوطني الحر”، الخارجين عن القانون والدستور، ومن يدور في فلكهم، ارتكبوا جريمة بحق الوطن وشعبه بإقرار التمديد الثالث للمجالس البلدية والاختيارية، فيما كان من الضرورة انتخاب مجالس جديدة وتفعيلها للعمل على تعزيز نوع من اللامركزية في إدارة شؤون المناطق والحد من الوجود السوري غير الشرعي وتنظيم الوجود الشرعي.

استند هؤلاء في التمديد الثالث إلى الأوضاع الأمنية في الجنوب اللبناني، علماً أن هذه الأوضاع افتعلها “الحزب” عندما قرر بدء الحرب في 8 تشرين الأول الفائت نصرة لغزة، وعلى الرغم من ذلك، اعتبر أنه لا يجوز استثناء أي منطقة في الانتخابات، لذلك عارض مبدأ اجرائها، إلا أنه في “فلاش باك” سريع، يتبيّن أن الرئيس بري في العام 1997، ترأس جلسة إقرار قانون استثنى الجنوب من انتخابات العام 1998، يوم كانت إسرائيل محتلة للشريط الحدودي، مع العلم أن هذه الأخيرة أجرت انتخاباتها المحلية في بداية هذا العام وهي في حالة حرب، وأجّلتها في بلداتها الشمالية. بل أكثر من ذلك، أقرّت وزارة التربية اللبنانية الامتحانات في لبنان كله واستثنت المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، وهذا الاستثناء ليس جديداً.

بالنسبة إلى مصادر في المعارضة، ترى أن “الحزب” يخوض حرباً حقيقية في الجنوب، وبالتالي لا يريد أن يعرّض بيئته إلى الانقسام في انتخابات بلدية قد تشهد صراعات داخل العائلات والعشائر، وهو يسعى بالعكس إلى تظهير مشهد “الوحدة” في بيئته. وتلفت إلى أن “الحزب” يواجه أزمة مثلثة الطبقات في ما يخص الانتخابات البلدية، الطبقة الأولى تتمثّل في مخاوف الصراع التنافسي بينه وبين حركة “أمل”، والطبقة الثانية قد تضعه هو وحركة “أمل” في مواجهة العائلات والعشائر، أما الطبقة الثالثة فقد تكون في مواجهة “حركة 17 تشرين” واليساريين والشيوعيين، مشيرة إلى أن هذا هو السبب الحقيقي لهروبه من الاستحقاق، فهو غير جاهز لخوضه، أما لجوؤه إلى ذرائع “لا للاستثناء” والتخوين فهي ساقطة ولا معنى لها. فـ”الحزب” قويّ بسلاحه فقط، إلا أنه ضعيف حيال بيئته، بدليل أنه عندما تقع اشكالات داخلها لا يتدخّل بل يستعين بأجهزة الدولة لأنه يعجز عن حسم أي موضوع.

لا شك في أن “الحزب” أصيب بفوبيا الديموقراطية منذ الانتخابات النيابية عام 2022، حين فقد الأكثرية، على الرغم من أنه استخدم في حملته الانتخابية خطاب التحريض المذهبي والتهويل السياسي، متهماً خصومه بأنهم أدوات لما يسمّيه “المشروع الأميركي”، وبأن تمويل معركتهم يأتي من السفارات التي تريد ضرب المقاومة والحد من قدراتها. ودعا مناصريه إلى الاقبال على صناديق الاقتراع انطلاقاً من أنه “أمر جهادي وفرصة عبادية”. لكن النتيجة لم تكن لمصلحته وأصيب بخيبة كبيرة، وبات عاجزاً عن حسم أي استحقاق دستوري نتيجة وجود عدد كبير من النواب المعارضين لمشروعه وأدائه، واضطر إلى استخدام سلاح “التعطيل” في انتخابات رئاسة الجمهورية بهدف فرض مرشّحه سليمان فرنجية، وهذا ما أظهره خائفاً من اللعبة الديموقراطية داخل المجلس، مشترطاً مع حليفه بري “الحوار” الذي لا يستقيم مع التنافس الديموقراطي، ولا حتى الديموقراطية التوافقية تنصّ على شكل “الحوار” الذي يصرّ عليه الفريق الممانع ويهدف إلى جعله كعرف يسبق كل الاستحقاقات!

هكذا، يستخدم “الحزب” فائض القوة التي يمتلكها لتغيير قواعد الديموقراطية في لبنان بحسب ما يتناسب ومصلحته، فإن توافرت الغالبية العددية، يختار رؤساء جمهورية وبرلمان وحكومة من دون الاصرار على توافق، وإن لم تتوافر الغالبية العددية، يقفل الرئاسة والبرلمان والحكومة، ويصرّ على اختيار مرشحه، أو “مرشح تسوية” على الأقل، لحرمان الغالبية العددية من اختيار من قد لا يعجبه من مرشحين.

وهكذا، تتأرجح ديموقراطية لبنان بين “حكم الغالبية” و”الديموقراطية التوافقية” بحسب ما يتناسب مع مصالح “الحزب” وحلفائه. أما الحكومات التي انتخبت ديموقراطياً، فيفرض “الحزب” تعطيلها بقوة سلاحه، ويبرر ذلك بذريعة غياب “التوافق”.

مع ذلك، فإن “الحزب” يراقب ويستنتج بحسرة أن العالم قد تغيّر ولم يعد بالامكان فرض مرشحه في قصر بعبدا على منوال ما حققه عام 2016 حين لم يخلُ الطريق له إلا بعد انتخاب ميشال عون رئيساً. وهذا إنجاز يفتخر به المعارضون.

وتوضح مصادر المعارضة أن “الحزب يوماً بعد يوم يأخذ لبنان إلى المجهول وربما أصبح دولة فاشلة، وهذا ما يؤكّد أن محور الممانعة لا يؤمن بالديموقراطية، على مثال الأنظمة الاستبدادية، وهو يقبل بها بشروطه ليحسّن صورته أمام الغرب ويقنعه بأن لديه تمثيلاً شعبياً، وهذا ما يفعله بشار الأسد في انتخابات صوريّة مهزلة يفوز فيها بنسبة 99 في المئة. والحزب ليس بعيداً عن هذه الأنظمة التي تقوم على المشورة، فهو يريد الديموقراطية في خدمته أو يرفضها ويعطّلها”.

من يقرأ مسار الأحداث في لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، لا بد من أن يستخلص هذا الأمر، فمن المستحيل أن يقبل “الحزب” بمساءلة ومحاسبة، وهذا بسبب طبيعة تركيبته ومشروعه، وبالتالي هو يريد رئيساً وحكومة ومجلساً نيابياً وحتى عدداً كبيراً من المجالس البلدية التي تخدم هذا المشروع الظلامي الذي لا يشبه الحضارة اللبنانية بشيء.

شارك المقال