يبدو أن العاصفة التي أطلقها الانسحاب الأميركي من أفغانستان لم تهمد بعد على المستوى المحلي. وفي آخر التفاعلات عبر الإعلام الأميركي، مقال رأي في موقع “واشنطن تايمز” (washingtontimes) يحمّل الرئيس جو بايدن مسؤولية “الكارثة” التي خلفها هذا الانسحاب ويعتبر أن هذا الأخير يعبّد بنفسه طريق عزله من الرئاسة.
وبحسب المقال، “يتفق الجميع عموماً في الولايات المتحدة، وضمناً وسائل الإعلام الليبرالية، على تشبيه الانسحاب الأميركي من أفغانستان بالكارثة. فقد خلّفت القوى المنسحبة المئات من الأميركيين وراءها وتم التخلي عن آلاف الشركاء الأفغان، وتركوا على الأرجح ليواجهوا مصير القتل على يد طالبان. عدا عن ذلك، لا ينظر أحد على هذا الكوكب لهذا الانسحاب كمثال على القوة أو الاتقان الدبلوماسي. وهذا رأي يحظى بالإجماع تقريبًا. ومع ذلك، ما زال هناك موضع خلاف: من هي الجهة التي يجب إلقاء اللوم عليها. هل حصل كل ذلك لأن أحد الخبراء أسدى بايدن نصيحة سيئة أم أن بايدن تجاهل بساطة النصيحة التي حصل عليها؟ قد نجد بين أيدينا اليوم إجابة نهائية قد تتسبب بعزل الرئيس الحالي من منصبه.
للتذكير فقط، نصح جو بايدن، عندما شغل منصب نائب الرئيس الأميركي، وتحديداً في أيار 2011، الرئيس السابق باراك أوباما بعدم مطاردة أسامة بن لادن. وتمسك بايدن بموقفه على الرغم من أن جميع المستشارين العسكريين الرئاسيين أوصوا بإرسال فريق من البحرية الأميركية لمطاردة بن لادن، وهو اقتراح حظي بموافقة أعضاء آخرين من الدائرة الداخلية لأوباما. حينها، تجاهل أوباما نصيحة بايدن وتم إخضاع بن لادن في النهاية. ومع ذلك، في العام 2021، بات الرئيس بايدن صاحب الكلمة الأخيرة وأصبح احتمال تجاهل كلامه مستحيلا. وعندما أدى اليمين الدستورية، كان كبار الضباط العسكريين للرئيس يعكفون على جميع التقييمات حول كيفية التعامل مع الانسحاب المتفاوض عليه من أفغانستان. وقدم الجيش الأميركي الموجود على الأرض في أفغانستان، معلومات حول سيناريوات مختلفة، وأرجحية كل منها، وكيفية المضي بها قدماً لضمان النتيجة المرجوة.
ولكن في صيف 2021، سحب بايدن جميع القوات من أفغانستان بطريقة كارثية. واعتلى المنبر الرئاسي في تموز من هذا العام ليطمئن وسائل الإعلام والجمهور الأميركي بأن طالبان لا تشكل تهديداً يذكر، مشيراً إلى أن القوات الأفغانية تفوق طالبان عدداً، وأنه من الممكن أن تسيطر طالبان على منطقة أو اثنتين في غضون ستة أشهر، ولكن ليس هناك من خطر أكبر. وعندما سئل مباشرة عن سيناريو انسحاب مذل مجدداً على غرار سايغون، ارتسمت ملامح الغضب على وجهه بشكل واضح، وأكد استحالة تكرر مشهد مثل رمي الناس من فوق “سطح سفارة”، في أفغانستان.
ولكن بعد أسابيع قليلة، اجتاحت حركة طالبان جميع أنحاء أفغانستان، واستولت على المدينة تلو الأخرى، ووجدت إدارة بايدن نفسها مجبرة على نقل الموظفين الأميركيين جواً من سطح السفارة الأميركية. ثم سلمت السفارة نفسها لطالبان. ترك بايدن آلاف المواطنين الأميركيين والشركاء خلفه أثناء الانسحاب. حتى إن فريقه طلب في مرحلة ما، الإذن من طالبان لإخراج الشعب الأميركي، وهذا إذلال كامل. فكيف يمكن أن يخطىء بايدن تمامًا بتقييمه للوضع على الأرض في أفغانستان وكيف يمكن تنفيذ الانسحاب على هذا النحو السيئ؟ هل حصل الرئيس على نصيحة سيئة؟
في خضم الفوضى التي عصفت بأفغانستان، أجرى جورج ستيفانوبولوس من “أي بي سي نيوز” (ABC News) مقابلة مع الرئيس، سأله فيها عما إذا كان مستشاروه العسكريون قد أوصوا بالإبقاء على 2500 جندي أميركي هناك من أجل تأمين الانسحاب. فرد بايدن بالنفي، مؤكداً أن أحداً لم ينصحه بذلك على حد ذكره. ولكن لا يخفى على أحد أن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أكد في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي، أنه أوصى الرئيس بايدن بالإبقاء على 2500 جندي في أفغانستان. كان البيان واضحاً وبدون أي التباس، والتوصية واضحة أيضاً وعديد القوات محدد للغاية. لكن في النهاية تم تجاهل النصيحة.
تذكروا أن بايدن نفى تقديم أي كان لهذه النصيحة. فهل كذب بايدن أم أنه لم يتذكر النصيحة حرفياً؟ الحال أنه في حقبة ما بعد دونالد ترامب، من الواضح أن الكذب على الجمهور الأميركي بات يعدّ جريمة تستوجب عزل الرئيس. في حال كذب بايدن، يجب تحديد موعد لجلسات الاستماع في مجلس النواب الأميركي على الفور ويجب عزله. كما يجب أن تتبع ذلك محاكمة في مجلس الشيوخ. ليس هناك من مجال للمناورة ولا يوجد أي مبرر للكذب ببساطة على قاعدة المناسب سياسياً. بناء على شهادة الجنرال ميلي، من الواضح أنه يجب عزل وإدانة بايدن في نهاية المطاف.
لعل البعض سيدافع بالقول بأنه ربما نسي ببساطة. ولكن هذا العذر أقبح من ذنب. غالبًا ما يزعم بعض النقاد أن بايدن يعاني من تدنٍ في قدراته العقلية. وفي حال لم يتذكر الرئيس نصيحة رؤساء الأركان المشتركة حول العملية العسكرية الأكثر أهمية في فترة رئاسته، فمن الواضح أنه غير مؤهل للقيام بواجباته، وهذا الواقع لا يترك أي خيار سوى عزله. وإذا تبين أن أي رئيس غير قادر على أداء الواجبات والمسؤوليات الرئاسية، يسطر التعديل الخامس والعشرون إجراء محدداً للغاية بهدف العزل، بمشاركة نائب الرئيس وأغلبية أعضاء ديوان الرئيس. ولم يسجل استخدام هذا التعديل من قبل، ولكن يبدو أن الوقت قد حان لذلك.
ما حصل سيف ذو حدين… فإما إن كذب بايدن بشكل صارخ فقد ارتكب جريمة تستوجب عزله. وأما إن عجز عن تذكر نصيحة كبار مستشاريه، فقد أثبت عدم أهليته لأداء واجبات المنصب. لأن تصريحه لستيفانوبولو لا يترك أي مجال للشك. وفي الحالتين، يمهد بايدن بنفسه طريق عزله من الرئاسة. ولا يجب عزل بايدن بسبب سياسته أو آرائه، بل لأن أي قائد يفتقر للقدرات العقلية يعرضنا جميعاً للخطر. صحيح أنه لا عيب في تضاءل هذه القدرة مع التقدم في السن، ولكن سيشكل تجاهل من حوله لما هو واضح يومياً، عاراً كبيراً وأكثر بكثير من مجرد خطر. لذلك، يجب وضع حد لولايته على الفور لأن مصير أمة بأكملها يعتمد على ذلك”.