أي شريعة غاب قضائية تحكمنا؟!

رواند بو ضرغم

فوضى اللاعدل تحلّل الادعاء الانتقائي، تجرّم الدفاع وتعدّه تسييساً، وتهلل للتدخلات الدولية وتعتبرها انتصاراً للحق والعدالة!!

فأن تتقدم جهة الادعاء ممثلة بنقابة المحامين بطلب رد القاضي غسان خوري، فهذا أمر له تفسيره في القانون…

وأن يطلب المحقق العدلي طارق بيطار الادعاء على القاضي غسان خوري، فهذا أمر مبرر أيضاً ومحق…

أما أن تطلب الجهة المدعى عليها طلب رد القاضي بيطار، فهذا عمل بالسياسة، وضغط يمارسه “حزب الله” على التحقيق، لتمييع الحقيقة!!

أن يتجرأ أحد بالادعاء على القاضي بيطار بجرم التزوير واستعمال المزوَّر، فهذا أمر خارج عن المألوف. ففي أي ميزان للعدالة يحكم بيطار والمصفقون له؟!

يكفي أن “طلب الرد وطلب نقل الدعوى” حركا الهمّة الفرنسية لعدم جواز رد القاضي بيطار، ويكفي أيضاً أن “طلب الرد وطلب نقل الدعوى” استوجبا تدخل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مبدية قلقها من دور “حزب الله” في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس، وأبدت اميركا رأيها بنزاهة القاضي بيطار المحترم في دعم واضح لعدم نقل الدعوى منه الى قاض آخر… الرأي الفرنسي – الاميركي لا يعدّ ضغطاً على مسار التحقيق، لا بل انه أمر مسموح ومباح في القانون… إنما اذا اقدمت اي جهة لبنانية على ابداء رأيها في ملف انفجار مرفأ بيروت، فهذا تدخل سافر في عمل القضاء وفيه طمس للحقيقة!

وهنا السؤال المشروع: لماذا تحرك “حزب الله”؟ طبعاً، لحزب الله هواجسه. فالموقوفون جميعاً لم يأتوا على ذكر “حزب الله” لمرة واحدة طوال فترة التحقيق، لا من حيث ملكية البضاعة ولا من حيث نقلها… الى ان برز عامل “شهود الزور”… عماد الكشلي الذي تحدث عن نقله كمية من النيترات الى الجنوب، تبين لدى التحقيق معه انه مفترٍ، لكن ذلك لم يؤدِ الى توقيفه من القاضي بيطار، وهو لا يزال حراً طليقاً. والشاهد الآخر الذي تحدث عن ان ملكية البضاعة تعود لـ “حزب الله”، لم يوقفه البيطار أيضاً. وجاء آخر ليدعي أن هذه البضاعة نقلت الى سوريا، ولم يتم توقيفه. اذاً الثابت الوحيد في قضية الشهود الزور، أنه تجري محاولة تركيب ملف لـ “حزب الله” لتوريطه بنيترات الامونيوم في مرفأ بيروت. ويخرج البعض ممن يهلل للتدخلات الأجنبية في حماية بيطار ليحجب عن “حزب الله” حقه بالدفاع عن نفسه بالقول: “سنلاحقه بالقانون حتى النهاية من اجل قبعه”.

افتراضاً أن كل ما سبق لا يعطي الحق لفريق الدفاع ولا لـ “حزب الله” بالارتياب المشروع بحق القاضي بيطار، لكن ماذا عن الضربة القاضية التي أكدت المؤكد من أمام قصر العدل حينما هتف مناصرو القوات اللبنانية: “حزب الله” إرهابي!! ألا يحق لـ “حزب الله” أن يرتاب؟!

غير أن تدخل القوات دفع بعض اهالي الضحايا الى القول: ان هذا الملف غير مسيس، فسيّستموه. نحن لا نريد من هذا الملف سوى حقيقة ما جرى لمعرفة من قتل ابناءنا، نحن لا نريد من هذا الملف ان يستعمل في السياسة الداخلية او الخارجية.

لم يعد خافياً على احد أن هذا الملف دخل في بازار السياسة الداخلية عندما أصبح الانقسام واضحاً بين المسيحيين من جهة وباقي أطياف المجتمع اللبناني من جهة اخرى؛ ليس لأن اهالي الشهداء يريدون ذلك؛ إنما من باب المزايدات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.

أما الآن، وبعد كل ما حصل، يتجلى الخوف بوضوح من تسييس ملف انفجار مرفأ بيروت، على اعتبار أن دعاوى الرد والارتياب المشروع المقامة من جهة الادعاء ومن جهة المدعى عليهم، باتت أمام قاضيين مسيحيين: نسيب ايليا ورندا كفوري، وبالتالي يمكن التنبوء بنتائجها سلفاً، وذلك على وقع الانقسام الطائفي الذي أوجده اصطفاف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لأسباب انتخابية بحتة، ومن باب التنافس بينهما…

لا شك في أن التيار الوطني الحر هو أكثر المحرجين في الملف وخصوصاً أن أحد رجاله موقوف وهو بدري ضاهر والآخر مطلوب وهو انطوان صليبا. إخراجهم من الملف يدفعهم الى الاعلان عن دعمهم للقاضي بيطار حتى لو كلف الأمر توقيف صليبا، أما الواقع فهو أن رئيس الجمهورية ميشال عون حمى صليبا سابقا ولن يعطي الاذن بملاحقته لاحقاً.

لذلك، عند أي مفترق طرق وصلنا؟ هذه الدعاوى وصلت الى القاضيين كفوري وايليا المسيحيين، وسيشعران بالحرج اذا اتخذا قراراً قانونياً يخالف التوجه المسيحي العام، وهذا يعني أنه محكوم سلفاً بأن يستمر القاضي بيطار بالتحقيق، فبمجرد أن هذه الدعاوى أحيلت على قاضيين مسيحيين يمكن أن يكون لديهما اعتبارات شخصية وقيود طائفية، قد تدفعهما لاتخاذ قرارات تتماشى مع الرأي المسيحي العام، حتى ولو كان القرار غير قانوني جائر، وذلك بدلاً من اختيار قضاة محررين من شعبوية أحزاب طائفتهم، ولن يخشوا اتخاذ القرارات القانونية العادلة العاقلة.

إن هذه المزايدات الداخلية بالاضافة الى الضغط الخارجي الحاصل، جميعها تشكل عامل ضغط على القضاة، وتؤكد على الارتياب المشروع في مسار التحقيق على قاعدة: أن يتدخل الفرنسي والاميركي في التحقيق ليست مشكلة، أما أن يقول حزب الله “ممنوع تركبولنا ملف” فهذا تدخل في القضاء وترهيب للقضاة وتسييس للملف… فبأي شريعة غاب قضائية نعيش؟!

شارك المقال