عون “الحرب الأهلية” يريد الاقتصاص من بري

رواند بو ضرغم

لن تهدأ جبهة التجاذبات بين الرئاستين الأولى والثانية، صحيح أن الكيمياء مفقودة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، لكن يستمر رئيس المجلس النيابي في حنكته المعهودة بدوزنة العلاقة وتبريد الأجواء السياسية وتغليب المصلحة العامة على زواريب المصالح الشخصية الضيقة.

رئيس الجمهورية عالق في حقبة الحرب الأهلية، وفكرة الاقتصاص من الرئيس بري لا تفارقه. في المقابل، يتجاهل رئيس المجلس الكيديات ويعمل على تقطيع المرحلة السياسية بأقل أضرار ممكنة لتمرير الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي وانتشال لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

نقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الرئيس بري خلال زيارته الأخيرة الى عين التينة، التزام الرئيس عون بتوقيع مرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، الا أن الرئيس بري افترض حسن النوايا وانتظر تحقيق وعد الرئاسة الاولى، الا أن المياه كذّبت الغطاس، وتبين أن الرئيس عون لا يريد فتح دورة استثنائية، وتنصل من وعده بذريعة أنه لا يريد إعطاء النواب المدعى عليهم غطاء الحصانات لحمايتهم من التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وخصوصا أن نائبين من كتلة غريمه السياسي من بين المدعى عليهم، وفي محاكمتهم تحقيق لأمنية الجنرال عون بالاقتصاص من الرئيس بري. الا أن الحقيقة تكمن في مكان آخر، والنواب محميين بحصاناتهم أو من دونها، فإن عمل المحقق العدلي مجمّد الى حين بتّ دعاوى رد الطلب والارتياب، والدورة العادية على الأبواب، أي أن الحصانات موجودة بدورة استثنائية أو من دونها، وهذا الوقت المهدور جراء عدم انعقاد المجلس بانتظار الدورة العادية، يذهب من عمر الحكومة التي تتسابق مع الوقت للتفاوض مع صندوق النقد وتنفيذ الاصلاحات واستقدام المساعدات.

وفي الواقع، يجمّد الرئيس عون مسار التشريع واصدار القوانين الاصلاحية، وهو في ذلك يقتصّ من اللبنانيين وليس من رئيس المجلس النيابي، فالمواطنون هم من ينتظرون إصلاح قطاع الكهرباء الذي أفقد تياره السياسي التغذية الكهربائية عنه، والمواطنون اللبنانيون هم من ينتظرون حلاً لاحتجاز أموالهم واعادة قيمة ليرتهم اللبنانية، والمواطنون اللبنانيون أيضا هم من ينتظرون الانتخابات لمحاسبة المتسببين بأزماتهم. كل هذه التشريعات تنتظر رحمة رئيس الجمهورية لفتح أبواب مجلس النواب وتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء وتحسين التغذية وإصلاح المعامل وتزويدها بالفيول، بالاضافة الى إقرار قانون الكابيتول كونترول وتعديل بعض بنود قانون الانتخابات… لذا فإن كيد الرئاسة الاولى يطال المواطنين لا الرئيس بري.

مصادر مقربة من رئيس الجمهورية تعلّل رفض الرئيس عون فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي باقتراب موعد انطلاق الدورة العادية، أي أول ثلاثاء بعد 15 تشرين الأول، وبالتالي لم تعد المهلة ببعيدة، بالاضافة الى أنه لا يوجد شيء ملحّ واستثنائي وفق المصدر نفسه، وليس هناك قوانين تتقدم بها الحكومة تحمل صفة العجلة، فإن الكابيتول كونترول لا يزال عالقا في اللجان ولم تنتهِ منه بعد لخلاف بين النواب ومصرف لبنان، أما قانون استقلالية القضاء الذي يعد مطلبا إصلاحيا أساسيا فمرهون بانتهاء مناقشته في لجنة الادارة والعدل، وعن تعديل قانون الانتخابات فهناك وقت ولا لزوم لفتح دورة استثنائية لإقراره…

في المقابل، ترى مصادر نيابية في إرجاء الرئاسة الاولى العمل النيابي للدورة العادية في ظل حكومة الانقاذ ذات المهام المحددة ولفترة قصيرة، إجراما بحق المواطنين وتسيير أعمالهم وتأمين المساعدات الدولية لإنقاذهم من الازمات المتراكمة، وخصوصا أنه أمام الحكومة مهلة شهرين فقط لإنجاز التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتطبيق الشروط الاصلاحية والبدء في إظهار تحسّن القطاعات وإجراء الاصلاحات وعلى رأسها في قطاع الكهرباء، وبعدها تدخل البلاد في فرصة الميلاد ورأس السنة، وتنطلق من بعدها مهمة التحضير للانتخابات والتلهّي في الحملات الانتخابية، أي خلال شهري كانون الثاني وشباط، لذلك كان من الأجدى فتح دورة استثنائية لاستغلال كل يوم إضافي باتجاه إنجاز المهام الاصلاحية وتحصين التفاوض بالتشريعات.

وعلى خط الانتخابات النيابية المحددة موعدها في آخر شهر آذار المقبل من عام 2022، يقود الحزبان المسيحيان، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، معركة المغتربين كمن يحاربان طواحين الهواء، فالحزبان المسيحيان يجدان صعوبة في تخصيص ستة مقاعد لنواب الاغتراب والسجال حول تقاسم الحصص بينهما، ويمارسان الشعبوية في مواقفهما. أما اقتراع المغتربين فإن إلغاء هذا الحق يعد مخالفة دستورية، يستطيع عشرة نواب تقديم طعن دستوري بأي قانون انتخابي يلغي اقتراع المغتربين، لذلك لا خوف من إلغائها. ويبقى القرار النهائي للهيئة العامة بعد مناقشة القانون وتعديلاته في اللجان المشتركة، إذ يتجه رئيس المجلس النيابي لدعوة اللجان الخميس ليبدأ الكلام الجدي في الانتخابات وبت القانون…

شارك المقال