المعركة الوطنية… بين وهم السلطة واستقلالية القضاء!

هيام طوق
هيام طوق

في بلد مثل لبنان يتغلغل فيه الفساد حتى العظم، والكل يتهم الكل، في ظل الإفلات من العقاب على مدى سنوات وسنوات حتى وصل البلاد والعباد الى الحضيض لا بل يتربع اليوم، ما عرف بسويسرا الشرق، على رأس قائمة الدول الأكثر فساداً، ويمر بأزمة لم يشهد مثلها التاريخ منذ سنوات طويلة. لكن على الرغم من ذلك، يبقى الشعب “العنيد” على عناده في التشبث بوطنه معوّلاً على القضاء كي يأخذ حقه من الفاسدين على غرار ما جرى في إيطاليا في تسعينيات القرن الماضي عندما أوقف القاضي الإيطالي أنطونيو دي بييترو، عضو الحزب الاشتراكي الحاكم آنذاك ماريو كييزا، بتهمة “تلقي الرشوة” لتكر السبحة في حملة التحقيقات التي شملت أكثر من خمسة آلاف شخص، ومحاسبتهم وصولاً الى اقرار الحكومة مشروع قانون تعزيز مكافحة الفساد عام 2018، ما اعتبر “ثورة في مكافحة الفساد”.

في لبنان، هناك مجموعة من القوانين الصادرة عن مجلس النواب منذ 1999 حتى 2019 تتعلق بمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع الا انها تبقى حبراً على ورق بلا تنفيذ في ظل تعويل عدد كبير من اللبنانيين على القضاء المستقل كركيزة لإعادة بناء دولة القانون والمواطنة على أسس صحيحة. ويعتبرون أن ما يجري من تحقيقات على صعيد تفجير المرفأ، بغض النظر عن الانقسام بين من يرى تسييساً في القضية، ومن يرى أن القضاء يعمل بنزاهة بعيداً من السياسة، ربما يعطي بارقة أمل في وضع البلد على السكة الصحيحة عبر قطار القضاء النزيه الذي ينتظر تشكيلات قضائية لا تزال مجمدة بسبب المحاصصات السياسية ورغبة لدى رئيس الجمهورية بتعيين قاض من هنا وآخر من هناك وسط معلومات عن أن وزير العدل منكبّ على إعداد مسودتها.

وفي السياق عينه، أعلن نادي قضاة لبنان، في بيان، أنه “كي نتعلم من دروس الماضي، ولأننا اكتوينا مما وصلنا إليه، ولكي لا نعود ونلجأ إلى أسلوب المحاصصة السياسية والطائفية عينه في تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، علينا الإسراع في إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية. ويبقى أن نسأل بالنيابة عن اللبنايين: هل نحن أمام انتفاضة قضائية ضد السياسيين الفاسدين؟ وهل التشكيلات القضائية المنتظرة ستأتي وفق معيار النزاهة والكفاءة أو وفق المحاصصة الاعتيادية؟ وهل بإمكان القضاء إثبات استقلاليته في قضايا الفساد وانفجار المرفأ ليكون رأس حربة في المعركة الوطنية؟”.

صادر: لقضاة متحررين من الوهم السياسي

أشار رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر الى انه “منذ 15 عاماً حتى اليوم، القضاء مريض، والسلطة القضائية تُحارب من رئيس الجمهورية والسلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك يظهر من خلال التشكيلات القضائية، ومن فراغات مجلس القضاء الاعلى، ومن خلال حماية السلطة التشريعية للنواب الذين استُدعوا امام المحقق العدلي”.

وأضاف: “لكن هناك قضاة يتمتعون بالنزاهة والكفاءة وهم أبطال، ولا يلبّون رغبات الطبقة السياسية، والانتفاضة يجب أن تأتي من القضاة الذين يجب أن يشعروا بدعم الرأي العام على أمل الوصول الى نتيجة في الملفات المهمة. إنها مرحلة كباش بين القضاء والسلطة. يريدون إخضاع السلطة القضائية وإلغاءها ولكنها لن تركع، واذا أيّد الرأي العام السلطة القضائية بما تقوم به في ملف المرفأ نكون حققنا نقلة نوعية في المسار القضائي”.

ولفت صادر الى “اننا كلنا أمل ان يتحرر كل القضاة من الوهم السياسي، ونحن لسنا مضطرين لانتظار قانون استقلالية القضاء، انما نريد قضاة أبطالاً يعملون على تطبيق القوانين. لو انتظرنا أفضل قانون من دون قضاة شجعان للتطبيق ستبقى السلطة السياسية مسيطرة”.

ماضي: لإعادة البلد من بوابة القضاء

اعتبر مدعي عام التمييز السابق حاتم ماضي انه “من المبكر الحديث عن انتفاضة قضائية، فلننتظر كيف ستتبلور الامور في المستقبل، مشيراً الى انه ليس أمراً عجيباً أن يتم التدخل في التشكيلات القضائية، فنحن في لبنان”.

ولفت الى انه “لا شك في ان الناس أصبحوا أكثر ثقة بالقضاء، ويلاحظون تطورا في آلية عمله، لكن لا نعرف الى أين ستصل الامور. نتمنى أن يحذو القضاء اللبناني حذو القضاء الايطالي في محاربة الفساد لأن القضاء في السنوات الماضية تراجع كثيرا على أمل أن يعود الى سابق عهده ويعطي كل صاحب حق حقه، معرباً عن تفاؤله بإعادة البلد الى سابق عهده من بوابة القضاء”.

زكور: لإقرار قانون استقلالية القضاء

وقال رئيس مركز “ليبيرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور: “كثر الذين يتمنون استقلالية القضاء. هذا حلم يحلم به جميع اللبنانيين الا أن هناك فارقاً شاسعاً بين الحلم والواقع. السلطة القضائية لا تستطيع الاستقلال التام والانتفاضة على السياسيين ما دامت مقيّدة بقوانين تجعلها ملزمة بأن تكون تابعة للسياسيين. ومن الأمثلة، التشكيلات القضائية التي يجريها مجلس القضاء الاعلى بنقل القضاة من موقع الى آخر تتم بالمشاركة الكاملة مع السلطة التنفيذية بشخص وزير العدل. وصحيح ان القانون يعطي مجلس القضاء الاعلى الافضلية، ان هو أصرّ بأكثرية 7 من 10 أعضاء على تشكيلاته، وان اختلف مع وزير العدل يلزمه بالتشكيلة الا أن وزير العدل ومجلس الوزراء يستطيعان عدم طرح التشكيلات القضائية على مجلس الوزراء لإقرارها”.

وشدد على “ضرورة تعديل النصوص التي تجعل التشكيلات القضائية بانتظار مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء”، متسائلاً: “لماذا لا تصبح التشكيلات القضائية نافذة بمجرد إقرارها في مجلس القضاء الاعلى. هذا كله يؤدي إلى سيطرة وبسط سلطة السلطة التنفيذية على القضاء”.

وأوضح أن “المناصب الأساسية كرئيس مجلس القضاء الاعلى، ومدعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي وغيرها من المناصب، كلها تتم بتعيين من مجلس الوزراء مما يعني خضوع القاضي تعييناً ونقلاً وانتداباً للسلطة التنفيذية، مما يجعل القضاة يخافون دوماً من ذلك السيف المصلت على رقابهم. لذلك، لطالما نادينا وننادي باستقلالية السلطة القضائية عبر قانون استقلالية السلطة القضائية، برفع نفوذ وسيطرة السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية، مشدداً على انه من دون تلك التعديلات تبقى استقلالية القضاء مجرد حلم”.

وختم زكور مشيرا الى انه “في حال توافرت النية وأراد مجلس النواب أن يكون جدياً، فليذهب لإقرار تلك القوانين لكنني أشك ان لدى النواب والوزراء والقوى السياسية والاحزاب أي نية لإعطاء القضاة استقلالية لأن زعامتهم تتكرس بالسيطرة على القضاء كما على الأمن كما على كل مواقع الدولة”.

شارك المقال