شعبوية العهد وتياره السياسي تستمر في ضرب ما تبقى من تفاهمات واقتصاد في بلد منهار، على أربعة مستويات: الإطاحة بالحكومة وتأزيم الانهيار، تهديد مصير الانتخابات النيابية، انقسامات حادة وتحركات يمكن أن تؤدي الى وضع شارع في مقابل شارع آخر، وأخيراً التخلص مما تبقى من اتفاق مار مخايل وإبقاء “التيار الوطني الحر” وحيداً من دون أي حليف.
فهل يستطيع أن يذهب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تياره جبران باسيل الى مقاطعة “الشيعة”، وهو بأمسّ الحاجة لهم في الانتخابات النيابية؟ وهل يستطيع الاستمرار في حشر “حزب الله” وتحمّل تبعات مواقفه الشعبوية، فيدعم بيطار في العلن بدافع انتخابي مسيحي بغض النظر عن استهداف حليفه “حزب الله”، ويضرب التحقيق في المضمون بحجب منح الإذن عن اللواء طوني صليبا عبر المجلس الاعلى للدفاع”؟
من هنا بدأت المفاوضات، فرئيس الجمهورية تيقّن بأن مخاصمة “حزب الله” سيوصله الى مكان لا يصب في مصلحته، وكشف “التيار الوطني الحر” أوراقه معترفاً بأنه لا يستطيع الاستمرار من دون الطائفة الشيعية وغطائها السياسي، فكلف عون وزير العدل القاضي هنري خوري التواصل مع كل الفرقاء المعنيين لإيجاد حل لهذه الازمة. وعليه، خاض وزير العدل سلسلة من الاتصالات مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولكنها لم تفضِ بعد إلى نتيجة إيجابية… والى حينه، فإن قرار الثنائي الشيعي متمثل بعدم انعقاد مجلس الوزراء، الا بعد اقرار كف يد القاضي طارق بيطار عن ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت. فوزراء “أمل” و”حزب الله” لم يهددوا بالاستقالة من الحكومة، ولكنهم سيقاطعون الجلسات الى حين الوصول الى حل قانوني. فهل تنعقد جلسات مجلس الوزراء من دون الطائفة الشيعية بكاملها؟ وهل يتحمل عون وزر انعقادها رغم عدم ميثاقيتها وخلافاً لرغبة حليفه الأوحد؟
في النقاش الداخلي للحكومة، اعترف كل الفرقاء بوجود أخطاء يرتكبها القاضي بيطار في مسار تحقيقاته، واقتنع الحاضرون بأن المخالفات المرتكبة غير مقبولة. وفي مطالعة الوزير القاضي محمد مرتضى القانونية والدستورية، تحذير من أن هذا المسار الاستنسابي والانتقائي سيحرك الشارع الشيعي ويدحرج الأزمة.
كان هناك اقتراح على طاولة مجلس الوزراء بتمرير قرار لتكليف وزير العدل باتخاذ الاجراءات المناسبة بالتنسيق مع مجلس القضاء الاعلى لكف يد القاضي بيطار لمخالفته الدستور، وذلك بالآلية نفسها التي تم تعيينه بها. وكان ليمرّ هذا القرار لولا توجه الوزير ناصر ياسين الى رئيس الجمهورية وهمس في أذنه بأنه لا يجوز التهديد بالشارع، وأن مواجهة الشارع بالشارع أمر خطير، فانتفض الرئيس عون متوجها الى الوزير مرتضى بكلام عالي النبرة مفاده بأن رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء “ما بيتهددوا” رافعاً بعد ذلك الجلسة، ليعود بعدها ويكلف وزير العدل بإيجاد مخرج، وهذا ما عدّه الوزراء تراجعاً من عون بعد أن شعر بموقفه الخاطئ وتحسباً منه للتوازنات السياسية في الانتخابات المقبلة.
على الرغم من عدم انفتاح مجلس القضاء الاعلى على هذا القرار، انما تكرست معادلة على أرض الواقع باختيار حل من اثنين لا ثالث لهما: إما الاستمرار بالقاضي بيطار وبالتالي خروج الوزراء الشيعة من الحكومة وتطييرها، أو تطيير القاضي بيطار بالاستناد الى مخالفاته للدستور وحفظ البلاد. والى حين إيجاد الحل، فإن التحركات التي دعا اليها الثنائي الشيعي ظهر اليوم الخميس ستقتصر على اصحاب القطاعات المهنية ولم تأخذ طابع الدعوة الشعبية وذلك فسحاً في المجال أمام المشاورات والاتصالات لحل المشكلة، لكن التحركات ستتطور في الايام المقبلة اذا كانت الاتصالات لم تفضِ الى حل حاسم وستتحول الى تظاهرات شعبية سيدعو اليها الثنائي الشيعي.. وحينئذ تكتمل مشهدية “عهد عون المدمر”.