بعد عامين… عروس الثورة في “مقبرة” الأزمات!

إسراء ديب
إسراء ديب

يستغرب المواطن علي.ع. عدم قيام اللبنانيين بثورة جديدة تُطيح الطبقة الحاكمة التي أفسدت كلّ ما هو جميل في هذه البلاد، كما يُؤكّد بحسرة أنّ طرابلس التي كانت “عروس الثورة” لم تعد تحمل هذه الهوية الوطنية الفريدة من نوعها، مع العلم أنّها كانت وما تزال الأحقّ في الالتزام بثوابت الثورة ردًا على الإهمال الرسمي الذي لم تستحقّه طوال سنوات يبدو أنّها تأقلمت معها ومع انعكاساتها.

يُمكن القول إنّ علي الذي يعمل سائق أجرة بين طرابلس والبداوي، يُبدي امتعاضه بسبب عدم الاستمرار في الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في 17 تشرين الأوّل 2019، مؤكّدًا أنّه كان أحد المحتجين لأنّه كان وما زال غير راض عن ممارسات الطبقة السياسية ولا سيما بعد الأحداث الأمنية الأخيرة التي تُعرّي هذه الطبقة شيئًا فشيئًا.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لقد شاركت في هذه الاحتجاجات لأنّني كنت عاطلًا عن العمل حينها، والآن بعد مرور عامين أشعر بأنّني ما زلت عاطلًا عن العمل أيضًا، فالأوضاع المعيشية التي وصلنا إليها تُؤكّد لنا أنّنا مهما فعلنا وحاولنا لن نتمكّن من إحداث أيّ تغيير أو تطوّر في أوضاعنا في المجالات كافّة، فكلّ ما أتقاضاه شهريًا يعجز عن مساعدتي على دفع ثمن فاتورة الاشتراك الكهربائي، ولم أحتسب بعد الطعام، الشراب، إيجار المنزل وحاجات السيارة وتصليحاتها… وغيرها من الامور الرئيسية… هذه حالتي أنا ومئات من الشبان العاجزين حقًّا عن مواكبة كلّ هذه الحاجات في ظلّ محدودية دخلنا اليوميّ أو الشهريّ…”.

الثورة: تغيّرات متوقّعة

في الواقع، لا يُمكن إغفال تغيّرات كثيرة طالت مدينة طرابلس وأهلها بعد مرور عامين على اندلاع الثورة التي أحدثت أيضاً الكثير من التطوّرات التي مسّت لبنان كلّه، لكنّ طرابلس كانت تتحمّل القدر الأكبر من هذه المسؤولية بخاصّة بعد إطلاق عليها لقب “عروس الثورة” لتمتص لأشهر عديدة كلّ الغضب الشعبي وكلّ أنواع الاحتجاجات التي لم تقتصر على المدينة فحسب، بل توافد المحتجون من مناطق مختلفة بدءًا من الشمال وصولًا إلى الجنوب إلى زيارة طرابلس التي باتت في تلك المرحلة “بقعة جغرافية” مميّزة وجاذبة استقطبت المواطنين والوسائل الإعلامية والوكالات الإخبارية المحلّية والإقليمية والدّولية أيضًا.

وإذ تستمر الكثير من الأحياء والمناطق الطرابلسية في إطلاق احتجاجاتها الشعبية بين الحين والآخر، إلا أنّها تبقى احتجاجات ضيّقة ولا تُحدث الصدى عينه الذي كان يحصل مسبقًا، ولا سيما بعد رفض الكثير من المواطنين استراتيجية “إغلاق الطرقات” كالبالما مثلًا والتي كانت تنعكس عليهم مباشرة وفق ما كان يرى العديد منهم.

ويقول أحد الثوار الذي رفض البوح باسمه لـ”لبنان الكبير”: “لا ننسى كمّية الاعتقالات التي طالت عددًا كبيرًا من الأشخاص، ممّا دفع آخرين من أهالي طرابلس وعكّار أيضًا إلى الابتعاد عن الساحة الثورية مباشرة، خوفًا من الاعتقال أو وزج اسمهم بأيّ ملف قد يُطيح مستقبلهم الذي يطمحون إلى تحقيقه خارج لبنان”.

ويُضيف: “الكثير ممّن كان يُطلق على نفسه لقب ثائر استفاد بوضوح من الدعم الذي كان يتلقاه بعض الثوار ولا سيما من المغتربين دعمًا للأجواء الثورية، لكن البعض الآخر ما زال يبحث عن حريته وحقوقه المدفونة في أروقة الدولة…، مشدّدًا على أنّ المواطنين قد يتمكّنون من إحداث تغيير ما، لكنّهم لا يرغبون بذلك خوفًا على أنفسهم من جهة، ونظرًا لشعورهم بالملل الناتج من كثرة الضغوط المعيشية والاجتماعية والسياسية، فضلًا عن الانفلات الأمني وغيرها من الظروف القاهرة التي وضعت العصي في الدواليب من جهة ثانية”.

من جهته، يُؤكّد ثائر آخر أنّ مجموعة من الثوار تُخطّط للقيام بتحرّكات شعبية يوم 17 تشرين إحياء لذكرى الثورة في عامها الثاني في طرابلس، وذلك تأكيدًا على أهمّيتها بالنسبة إلى المدينة وأهلها، وقد ينتقل البعض منهم لإحيائها في مناطق خارج الشمال. ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لم ينس المحتجون يوم 17 تشرين الأوّل ونحن نحاول دائمًا القيام بتحرّكات عدّة في المدينة، لكن ثمّة من يُريد إخفاء هذه التحرّكات والتشديد على أنّنا ابتعدنا عن هذه الأجواء، ومن الخطأ تصديق هذا الكلام الذي لا يمتّ للواقع بصلة، فهم لا يُريدوننا أن نحتج كما يجب، وحين نحتج على أيّ موضوع ينتقدون بشراسة… وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على أنّنا مستمرّون حتّى اللحظة على قدر المستطاع بواجباتنا تجاه وطننا ومدينتنا المجروحة بوجود أفراد يُريدون مسح ما نقوم به بافتراءات واتهامات باطلة”.

نشابة: ثورة تمرّد جديدة

لا يرى الباحث شادي نشابة أنّ ما يحدث في مدينة طرابلس هو نوع من الاستسلام، بقدر ما يراه أنّه نوع من الإحباط شمالًا بشكلٍ عام، وذلك نتيجة الممارسات والتدخلات السياسية من الأجهزة المختلفة، معتبرًا أنّ من بقي في الميدان الثوري هم شخصيات استمرّت ضمن إطار المصالح الشخصية، إضافة إلى دخول وباء كورونا على الخطّ ممّا أدّى إلى تراجع الثورة مع ظروف البلاد الصعبة على اختلافها.

ويقول نشابة لـ”لبنان الكبير”: “قد يتساءل البعض عن سبب تسمية طرابلس بعروس الثورة، إلا أن هذه التسمية جاءت بعد ردّ فعل صدر من الطرابلسيين على تصرفات الدّولة وإهمالها للشمال كلّه، لكن ردّ الفعل هذا لم يتمّ وضعه ضمن إطار تنظيمي ليُبنى على الشيء مقتضاه، وهذا لا يعني أبدًا أنّ التوترات السياسية مؤخرًا ستمرّ مرور الكرام ولن تُؤدّي بدورها إلى حصول احتجاج شعبي، بل نتوقّع حصول تمرّد يختلف عن ثورة 17 تشرين أيّ أنّه سيكون مغايرًا للأسلوب الذي طرحت فيه الثورة منذ عامين، فقد تكون ثورة عنيفة على صعيد المناطق كافة بسبب الواقع الصعب”.

ويختم: “المواطنون أعطوا هذه الطبقة السياسية فرصة لمدّة سنتين، لكنّها أعادت إنتاج السلطة من جديد حتّى بعد تشكيل الحكومة مؤخرًا فهي لم تتمكّن من الحدّ من الانهيار وتنظيم المؤسسات المختلفة، إذ هناك الكثير من الملفات التي تُعرقل العمل الحكومي وأبرزها ملف انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب، وغيرها من الملفات عدا عن العوامل المؤثرة كالواقع الأمني والمالي اللذين قد يُؤدّيا إلى اندلاع ثورة جديدة والتي نتمنّى أن تكون سلمية لكن الوقائع لا تُشير إلى ذلك…”.

شارك المقال