إيران في العراق… لتعويض تراجع سطوة الحلفاء

علي البغدادي

على خلاف الوجه “البشوش” لإيران الدولة في تعاطيها الإيجابي مع نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، يظهر الوجه الآخر “المكفهر” لإيران الثورة من خلال مواقف أذرعها المسلّحة التي تعرّضت لنكسة انتخابية تكاد تفقدها توارنها على المسرح السياسي في العراق.

وجاء “الإطار الاستراتيجي” لتشكيل يضمّ قوى سياسية شيعية أغلبها حليفة لإيران وقوى تمثّل غطاء سياسياً للأذرع المسلّحة، والتي حقّقت نتائج مخيّبة في الانتخابات أثارت صدمة أنصارها ودفعتهم للاحتجاج عبر اعتصامات على مقربة من المنطقة الخضراء المحصّنة، ليوازن الكفّة في مواجهة “التيار الصدري” الرابح الأكبر بحصده 73 مقعداً من 329 مقعداً في البرلمان، وليصنع جبهة مضادة ومعسكراً متكاملاً يحقّق “توازن الرعب” في حال أي صِدام مسلّح.

وتدرك طهران أنّ أي مواجهة مسلّحة شيعية لن تكون لمصلحتها ومصلحة نفوذها في العراق، مما يجعلها تستخدم ما هو متوافر من ترسانتها للأسلحة السياسية لتحقيق مكاسب تخفف من آثار تعرّضها لنكسة تشرين الانتخابية والخروج بأقل الخسائر، لا سيما أنّ قنوات التواصل والاتصال والتلاقي مع جميع الأطراف الشيعية سالكة .

وتملك إيران مرونة وربما رشاقة في حركتها على الساحة العراقية، كما أنّ “شعرة معاوية” في علاقتها بالصدريين لا تزال على حالها، لكنها تفضّل حصول حلفائها على مكاسب تعينهم على مواجهة المزاج المتقلّب لـ”التيار الصدري” الذي قد يلجأ إلى استخدام البرلمان بطريقة لا تعجب طهران.

ووفقاً لمصادر مطلعة، فإنّ “طهران أرسلت عبر مسؤولين متخصّصين بالملف العراقي وصاياها إلى حلفائها بضرورة الالتفاف حول رئيس تحالف دولة القانون ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي حقّق نتائج جيدة بحصوله على نحو 40 مقعداً في البرلمان، في ظل الانقسام الشيعي – الشيعي وتلافي أي تشظٍ قد يطال ممثلي المكوّن المسؤول عن تسمية رئيس الحكومة الجديد”.

ووفق المعلومات، فإنّ “الكتلة الصدرية التي حازت على المركز الأول تتّجه إلى إبقاء مصطفى الكاظمي في منصبه مع اللجوء إلى تكتيك تقديم مرشحين عدة، لكن في النهاية ستكون ورقة الكاظمي هي المتقدّمة، على الرغم من عدم قبوله إيرانياً وموافقة المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني عليه.”

وبحسب تسريبات نافذين في الأوساط السياسية الشيعية، فإنّ “توجّهات الكاظمي وتحرّكاته تفصح عن رغبة في تقليص نفوذ الحشد الشعبي، بالاستناد إلى مواقف قيادات لفصائل قريبة من المرجع السيستاني، والتي تقوم بتوفير غطاء غير معلن لتحجيم تأثير الحشد ودمجه لاحقاً في المؤسسة العسكرية العراقية، وهي خطوة تحوطها صعوبات على الرغم من تهاوي الغطاء السياسي بعد نتائج الانتخابات.”

ووفق العديد من المهتمّين، فإنّ عدم اعتراف حلفاء إيران بنتائج الانتخابات، يمثل خطوة لتوسيع شروط التفاوض مع الفائزين تحت ذريعة الحفاظ على السلم الأهلي، وتحويل قاعدة التفاوض من حكومة الكتلة الأكبر إلى حكومة تهدئة وتسوية وتوافق سياسي ومحاصصة في المناصب والمكاسب، وهو حال يكون أقرب إلى الحال التي سادت المشهد العراقي بعد انتخابات 2018، والتي أظهرت تقارباً بالنتائج بين أكبر كتلتين شيعيتين (“التيار الصدري” بزعامة السيد مقتدى الصدر، و”تحالف الفتح” بزعامة هادي العامري)، اتفقتا على اختيار عادل عبد المهدي ولاحقاً مصطفى الكاظمي من دون تكوين الكتلة الأكبر نيابياً.

وبعد التراجع السياسي، تريد إيران الحفاظ على المكاسب من دون الانزلاق إلى تدهور أمني يؤثر في وضعها وينقل الصراع من كواليس السياسة إلى الشارع الذي يشهد احتقاناً، مما يضعها في موقف حرج وتحدٍ خطير لنفوذها وتأثيرها، يدفعها إلى اللعب بأوراق عدة، لا تزال في جعبتها، بخاصة أنّ التكتيك الراهن يتطلّب من طهران تفاهمات وتهدئة نطاق نفوذها في ظل التطوّرات بأكثر من منطقة قريبة إليها.

ويرى رعد هاشم، المحلل السياسي العراقي، أنّ إيران “لم تخسر كثيراً في موضوع انتخابات العراق. ربما تكون النتيجة ليست لمصلحة أدواتها بشكل يجعلها فاعلة في إدارة العملية السياسية أو التدخل فيها، لكن ليس بالضرورة أن تدير العراق أو تتدخّل به من خلال منظومة البرلمان العراقي”.

وأضاف أنّ “طهران لا تزال تمتلك شبكة علاقات واسعة مع طيف سياسي كبير لا يقتصر على الشيعة، وإنما يمتد للسنّة والأكراد. لذلك هي قد تكون فقدت بعض أدواتها في وجودها، أو خسرت حضورها في البرلمان العراقي، لكنها في العملية السياسية تملك الرؤوس الكبيرة وتملك التأثير عينه والقدرة على إدارتها وإقناعها بمجريات السياسة والاقتصاد والتحكم في البلد.”

ولفت المحلل السياسي العراقي إلى “تأثير إيران الكبير في (الحشد الشعبي) والفصائل المسلّحة، مما يتيح سيطرتها على الوضع السياسي أو على الجهات السياسية المتنفذة عبر سيطرتها على أقوى جهاز أمني أو حزبي مسيّس ومسلّح، الأمر الذي يجعلها تهيمن أو تسيطر على إدارة الكثير من الملفّات في العراق”.

وتملك إيران أوراقاً مهمّة للتعويض، سواء اقتصادياً أو في مجال الطاقة، لكن الورقة الأهم هي منصب رئيس الوزراء الذي لن تتولاه أي شخصية عليها “فيتو” من طهران وواشنطن .

وأوضح المحلل السياسي رعد هاشم أنّ “إيران ستلجأ إلى تقوية أو تفعيل قدرة أدواتها، ومن بينها الحشد والميليشيات الأخرى الموالية لموقفها وتعزيزها ودعمها والنفاذ بكل مجرياتها وملفات السياسة العراقية عبر هؤلاء القادة، وستبقى على التواصل ذاته، أو تزيد منه للتحكم بالملفات الاقتصادية، وربما ستعمل على أن يكون ملفّا النفط والمالية بيد أتباعها، لكي تضمن الواردات والسيادة الاقتصادية”، مشيراً إلى أنّ “اختيار رئيس الوزراء سيكون بتأثير ونفوذ وبصمة إيران مع الولايات المتحدة الأميركية، لذلك هي ستشعر رئيس الوزراء القادم، مهما كان انتماؤه، بأنه لها الفضل في اختياره. وبالتالي تُوجب عليه أن يفي هذا الفضل بتسهيلات اقتصادية وسياسية، وحتى لو كان رئيس الوزراء صدرياً. فالعلاقة بين الصدر أو التيار الصدري وإيران علاقة جيدة ولا يشوبها شيء يجعل الوضع يتّجه إلى عدم التعاون والتنسيق المتبادل. وبالتالي، فحتى لو كان صدرياً وأسهمت في اختياره أو تثبيته أو بالموافقة عليه، فهو سيكون مديناً لها وستضغط عليه للحصول على مكاسب ومغانم ومنافع باتجاه تدعيم موقفها ودعمها في المحافل السياسية وعلى المستوى الاقتصادي.”

وعلى الرغم من تراجع النفوذ الإيراني من خلال عدم حصد حلفائها مقاعدَ تمنحهم ثقلاً في البرلمان، وتمنحهم تأثيراً في المشهد السياسي، إلا أنّ جميع الكتل السياسية العراقية مقتنعة بشكل شبه كامل بدور محوريّ لإيران في العراق.

شارك المقال