العلاقات اللبنانية – السعودية تحت “شُبهة” المزايدات و”زلّات اللسان”!

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم تصل العلاقات اللبنانية – السعودية في تاريخها إلى هذا السوء نتيجة سياسات ربط لبنان بالمحور الإيراني وقيام وزراء التيار الوطني الحر وقوى الممانعة، إضافة إلى محركهم “حزب الله، كما هي عليه اليوم. فالتصريحات البهلوانية تكاد كل مرة تطيح ما تبقى من احترام للديبلوماسية اللبنانية وتضرب إمكان استفادة “الجحيم” من الاستثمارات والقروض الميسرة والهبات السعودية والخليجية التي ساهمت سابقاً في مساعدة لبنان بالوقوف على قدميه في كل المحطات التي كان فيها لبنان يحتاج إلى من يعينه على تجاوز أزماته، لا سيما الاقتصادية منها.

لقد عمل “حزب الله” على ربط لبنان بإيران منذ الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وأباح لنفسه قرار التدخل في الحرب السورية لإنقاذ بشار الأسد غير آبه بمصلحة اللبنانيين وأهمية التزام الحياد عن صراعات المنطقة، فتدخل بالعراق واليمن والبحرين، وهاجم دول الخليج وعلى رأسها المملكة داعماً الحوثيين واعتداءاتهم المتكرّرة على الأراضي السعودية.

وزادت الطين بلة خلال السنوات الأخيرة تصريحات وزراء لا يدركون قيمة الخطاب الديبلوماسي العقلاني، ولا سيما تصريحات جبران باسيل ومن بعده شربل وهبة الذي وصف السعوديين بـ”البدو”، وصولاً إلى جورج قرداحي المدافع عن الحوثيين، والتي تتبعها دائما بيانات استنكار من أعلى المراجع واتصالات لـ”ضبضبة” الخلافات التي تحدثها وردود الفعل التي وصلت عام 2016 إلى قرار وقف المساعدات السعودية للقوى الأمنية اللبنانية، إثر التصريح العنصري لباسيل عن العمالة ورفضه إدانة المسيّرات الحوثية في الاعتداء على المملكة في اجتماعات الجامعة العربية.

ثم تأتي بيانات الاعتذار وتليها الاستقالات، ربما لمعالجة “طيش الأولاد” على طريقة “امسحها بذقننا”، وذلك لحماية مصالح اللبنانيين العاملين والمقيمين في الخليج، والذين يساعدون أهلهم في لبنان على الصمود في ظل الأزمة المعيشية، وهم يرون بأم العين أن السعوديين لم يعودوا في وارد التسامح مع من يسيء إلى أمنهم عبر تصدير المخدرات واتخاذ مواقف داعمة للإرهابيين المدعومين من إيران الذين يستهدفون المملكة، لتعود مثل هذه الأمور وتتكرر النغمة عينها في التغني بالعلاقات التاريخية، من دون العمل على كبح الأسباب الواضحة، وهي عدم رضوخ “حزب الله” للدولة وليس خضوع الدولة لــ”حزب الله”.

ابتعدت المملكة عن لبنان بسبب سلوك السياسيين اللبنانيين بالقبول بهيمنة “حزب الله” وإيران، والمملكة ترغب في مساعدة لبنان لكنها لن تسمح بأن تذهب هذه المساعدات إلى الفاسدين في السلطة التي تأتمر بأوامر “حزب السلاح”، الذي تحول منذ عام 2015 إلى منصة إعلامية للتهجم على المملكة ومحاربتها عبر دعم الحوثيين بالتدريب وإرسال الخبراء الأمنيين لقيادة عمليات عسكرية ضد التحالف العسكري في اليمن، مما دفع دول الخليج وعلى رأسها السعودية إلى إدراج “حزب الله” على لائحة المنظمات الإرهابية.

لم تستطع الحكومات المتعاقبة لجم “حزب الله” وحلفائه من التهجم على السعودية، أو اتخاذ قرارات تضع حداً لأنشطته الإرهابية خارج لبنان والالتزام بما سُمّي “النأي بالنفس” عن صراعات المنطقة الذي ظل وفق “اعلان بعبد” حبراً على ورق.

لقد استباح “حزب الله” لبنان ومؤسساته وتمدّد في كل المناطق مهدداً بحروب أهلية، وفيما تقدم وعود عسلية على لسان المسؤولين اللبنانيين، الذين يعملون على معالجات “أزمات التصريحات” آنياً، يبدو واضحاً أن المملكة قد اكتوت من الوعود بتحرر الدولة من سلطة الدويلة لحفظ مصالح لبنان أولاً وأخيراً عبر الإبقاء على علاقاته العربية وليس معاداتها.

صحيح أن هناك علاقة خاصة بين لبنان والمملكة منذ الاستقلال، تعززت على مدى سنوات، ولا سيما في الستينيات والسبعينيات. وقد بذلت المملكة حفاظاً على الخصوصية اللبنانية واحترامها جهوداً كبيرة لوقف الحرب الاهلية من خلال اتفاق الطائف، ودعمت خطة إعادة الإعمار في لبنان، ووقفت معه إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ودعمت لبنان في حربه ضد إسرائيل، وساهمت في إعمار ما هدمته مغامرة “حزب الله” العسكرية لقلب المعادلات الداخلية، والتي تجلت لاحقاً في “غزوة 7 أيار”، وصولاً الى دعم لبنان بعد كارثة تفجير مرفأ بيروت.

ولا يخفى عمل المملكة على الاستثمار في لبنان وتوجيه مواطنيها للذهاب إلى “بلاد الأرز” دعما للسياحة وتشجيع مؤسساتها على استقطاب اليد العاملة اللبنانية. إلا أن بعض السياسيين اللبنانيين ضربوا عرض الحائط مصالح لبنان مع المملكة، وصاغوا مواقف وسياسات مسيئة وتهدد علاقات الصداقة والشراكة بين البلدين، بدلاً من البحث عن سبل جدية لإعادة الثقة وإصلاح العلاقات وتطويرها، لأن أي حكومة لن تستطيع الانطلاق في عملها من دون دعم عربي، ولن تستطيع كذلك حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والمالية، من دون مساعدة عربية وخليجية بالأساس، فالتجربة مع إيران “مازوتياً” مفضوحة، إذ لم تمثل سوى بديل هزيل لم ينفع أصحابه بيننا من مريدي المرشد الأعلى في طهران، فكيف بشعب بكامله؟!

شارك المقال