أسبوع على إطلاق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مبادرته الوطنية، إذ لم يعد معروفاً أين أصبحت مساعيه، ولم تظهر حتى اليوم مفاعيل جولته على الرؤساء الثلاثة، وإذا كانت نيته الاستمرار في مبادرته، فما هي الآليات لاستكمال تحركه الذي أعلن من منبر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون أن الرؤساء الثلاثة وافقوا عليها؟
قال البطريرك الراعي في عظة الأحد إنه تحرك لأنه لم يعد جائزاً أن يتفرج على التدهور المتسارع، وبعد أن رأى أخطار توقف الحكومة عن الاجتماع، ولكن ماذا تغير بعد جولته؟ فهل تبددت تلك الأخطار؟ وهل عادت الحكومة الى الانعقاد؟
على أرض الواقع لم يتغير أي شيء، سوى أن الراعي حمى رئيس حزب القوات سمير جعجع وأخرجه من مأزقه قضائياً نتيجة أحداث الطيونة، فلم يترك الراعي أي مرجعية الا وتواصل معها لانتشال جعجع من أزمته، وعندما تأكد من مصيره على قاعدة أن المحقق الأول العسكري القاضي فادي صوان غير ملزم بطلب النائب العام القاضي فادي عقيقي بالاستماع الى جعجع، وهو يستطيع أن يتجاهله، عاد الى مواقفه بخصوص المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت ودعم القاضي طارق بيطار، على الرغم أنه وافق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد الاستماع الى مطالعته الدستورية أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هي الجهة المختصة للتحقيق مع الوزراء والنواب المدعى عليهم.
لا تستغرب مصادر التقلبات في موقف البطريرك الراعي وتقول لموقع “لبنان الكبير”: “طالما تحقق مطلب غبطته وضمن حماية جعجع، لماذا سيواجه اذا أهالي شهداء المرفأ ويصوب على ممارسات القاضي بيطار غير الدستورية؟! وهذا ما يفسر عودة الراعي الى مواقفه الأساسية ودعم بيطار لاستكمال تحقيقاته”، معتبرا أن “ما يقوم به القضاء العدلي مطابق للدستور والعلم الدستوري والقانون وأصول المحاكمات والإجتهاد”. كلام الراعي بعد أسبوع على مبادرته جاء بعكس كل ما التزم به أمام الرئيس بري، حيث خرج مقتنعا من عين التينة بأن النصوص الدستورية والقانونية هي من تحكم، والمرجعية الصالحة للتحقيق مع الوزراء هو المجلس الأعلى المختص، ولكن تقول مصادر اخرى ان “البطريرك الراعي كان عرضة لتحرك سياسي اعتراضاً على مبادرته جعلته يذهب الى غير اتجاه وغير مفاهيم، ويعود عن قناعته الدستورية، وعلى رأس المعترضين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي اعترض على صيغة الحل التي طرحها البطريرك والقبول الذي لاقته، وما لم يستطع الرئيس عون أن يتصدى لها، فأعطى الضوء الأخضر لصهره باسيل أن يواجهها وأن يحرّف المبادئ العامة التي اتُفق عليها”.
قال البطريرك الراعي إن التحقيقات يجب أن تستكمل في قضيتي المرفأ وعين الرمانة، بعيدا عن أي مقايضة بين القضيتين أو أي مساومة أو تسوية أو تسييس أو تطييف. فالقضاء لا يخضع لهذه المعايير التي تمارسها الجماعة السياسية في علاقاتها السياسية أحيانا. ولكن المعايير هذه ليس فقط الجماعة السياسية من يستخدمونها، إنما كذلك الجماعات الروحية، وخير دليل على ذلك الضغوط التي مورست على القاضي عقيقي لعدم إصدار مذكرة جلب بحق جعجع. ويوم فاتح البطريرك الراعي الرئيس بري في موضوع الاستماع الى جعجع، كان رد بري بأن الوزراء مثلوا أمام القاضي صوان عندما استدعاهم للاستماع اليهم، فلماذا لا يعطي جعجع إفادته في أحداث الطيونة؟! الا أن بري اعتبر أنه حقق مبتغاه في نقل وجهة نظره الدستورية الى البطريرك الراعي واقناعه بها والاقرار بأن بيطار يخالف الدستور والقوانين، الا أنه تفاجأ بعد اسبوع بأن الراعي الذي اطمأن على مصير جعجع، وخوفا من بيانات أهالي شهداء المرفأ المسيحيين، عدّل في موقفه وانقلب على التزاماته، من دون الاخذ بالاعتبار أهالي شهداء المرفأ المسلمين الذين باتوا مقتنعين بأن بيطار مسيّس وانتقائي. وفي شتى الأحوال، فإن الرئيس بري لن يتأثر بكل المواقف الشعبوية، وموقفه واضح من بيطار وتحقيقاته، وليس المطلوب من مجلسه النيابي أي عمل، فإن المبادرة هي بيد وزير العدل والمجلس العدلي والقاضي بيطار شخصياً.