على خطوط التوتر الديبلوماسي والسياسي العالي، يتأرجح لبنان على وقع صعقة تصريح من هنا وموقف من هناك، يكاد يسحب أنفاسه الأخيرة، ويرديه جثة متفحمة على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية في ظل انكفاء السلطة عن اتخاذ قرارات حاسمة جازمة بالإنقاذ على الرغم من تسليم القاصي والداني ان دول الخليج تشكل الرئة التي يتنفس من خلالها لبنان وشعبه.
التيار الكهربائي الأخير الذي صعق العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وأشقائه العرب، خصوصاً السعودية، ليس الاول من نوعه بل سبقته رشقات كلامية نارية ومواقف صاروخية وتهريبات إرهابية مطعّمة بأطنان من حبوب الكبتاغون على مدى السنوات الماضية مما دفع البلد نحو المزيد من الانهيار والعزلة عن عمقه العربي. ووسط انكفاء رئيسي الجمهورية والحكومة عن إيجاد حل جذري للازمة الديبلوماسية، وما رافقها من إعلان السعودية والإمارات والكويت والبحرين سحب سفرائهم، وموقف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي اعتبر أن الإشكالية في لبنان أكبر من تصريح وزير، إنما تكمن في سيطرة وكلاء إيران، وتغريدة السفير السعودي وليد البخاري “تعتبر النقطة (.) على السطر الرمز الأعظم في النص”، كلها مؤشرات تنذر بأن لبنان دخل دائرة خطر العزلة العربية ليغوص أكثر فأكثر في محوره الايراني وصولاً الى جهنم عبر طريق تندلع فيها الحرائق التي تلتهم الاخضر واليابس.
ولعل الأسئلة الأبرز التي يطرحها اللبنانيون في ظل الازمة اللبنانية الخليجية: هل دخل لبنان في مرحلة العزلة العربية؟ وما تداعيات هذه العزلة على لبنان على المستويات كافة؟ أسئلة توجه بها “لبنان الكبير” الى مختلف الأطراف الذين أكدوا ان العزلة تعني الانهيار الكامل لا بل السقوط في المهوار، وان الخطر أصبح على الكيان اللبناني ومستقبله واستمراريته.
عبد الله: علامة استفهام حول الكيان ومستقبله
اعتبر عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله ان “ما يحصل اليوم المزيد من التقهقر والتراجع في الازمة الاقتصادية الاجتماعية الخانقة، مشدداً على اننا لسنا ذاهبين الى عزلة فقط انما الى انهيار كامل اذا استمرت الازمة الديبلوماسية مع الخليج. الهم الاساسي اليوم هو حياة الناس وعيشهم بكرامة”.
ولفت الى أن “لبنان ليس لاعباً أساسياً انما ورقة يستخدمها الآخرون للتفاوض. السعودية تعتبر ان لبنان الرسمي يحاربها سياسياً ومباشرة، فاتخذت موقفها الذي ليس بجديد انما يعود الى مرحلة التسوية الرئاسية”. وعن الفريق الذي يقول ان هناك انبطاحاً لبنانياً أمام السعودية، قال عبدالله:” فليعطنا البديل، متسائلاً: من قال ان خيارنا مع محور الممانعة ومع ايران؟ لماذا علينا ان نكون طرفاً في هذا الصراع؟ ليكن كل فريق حراً بقناعاته، لكن لا يجوز حشر البلد في هذا البازار المفتوح. علينا ان نتواضع وألا نصعّد”.
ورأى انه “اذا بقينا على هذا المنوال، نحن ذاهبون باتجاه علامة استفهام كبيرة حول الكيان اللبناني ومستقبله واستمراريته”.
علوش: خوف من وقوع لبنان بأيدي ايران
أشار نائب رئيس “تيار المستقبل” مصطفى علوش الى “اننا حالياً في عزلة عربية اذ ان تاريخنا في العلاقات على مختلف المستويات من مساعدات وتجارة وسياحة كلها أصبحت في خبر كان، لافتاً الى غياب الحكمة عن معالجة قضية الوزير قرداحي”.
ورأى ان “التداعيات الاقتصادية هي الاهم لأننا بأقصى حاجة الى منفذ اقتصادي لان كل الدول كانت تحاول اقناع السعودية بمساعدة لبنان وهذه المساعدة باتت أيضاً في خبر كان، معتبرا ان الأمور متجهة نحو الأسوأ لسبب مباشر وهو عدم امكان معالجة قضية “حزب الله”. والسعوديون والخليجيون قالوها علناً إن المشكلة مع “حزب الله” وليست مع وزير معين”.
وختم علوش: “لا أعتقد ان لبنان سيستطيع الخروج من هذا المأزق بل ستزداد الأمور تعقيداً، والخوف أن يقع لبنان بين أيدي ايران بسبب العزلة العربية إذ لا أظن ان استقالة الحكومة قد تغير الوضع”، مشدداً على اننا “بحاجة الى دول الخليج العربي والسعودية، وواصفاً المرحلة بالحشرجة ولفظ الانفاس الأخيرة”.
قيومجيان: سياسة واضحة تقوم على الحياد
اعتبر رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” الوزير السابق ريشار قيومجيان “اننا دخلنا في العزلة العربية، ولدينا هواجس من انحدار الوضع نحو الأسوأ. هناك انعكاسات اقتصادية ومالية كبيرة على وضعنا المنهار والذي لا يحتمل المزيد من التأزم. الخليج تاريخياً يشكل الرئة التي يتنفس من خلالها لبنان. العصر الذهبي ولّى”.
وأشار الى ان “هذا الوضع قائم منذ سنوات الا ان تصريح وزير الاعلام كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكوب. الدولة لم تتخذ الاجراءات الكافية والمطمئنة لهذه الدول بل عمدت الى التهرّب من مسؤولياتها. إن تدخل “حزب الله” واستخدامه لبنان كمنصة لمهاجمة الدول العربية وجعله قاعدة تدريب للحوثيين. كل تلك الامور، كنا بغنى عنها ووضع مصلحة لبنان أولاً وليس مصلحة دول اقليمية مثل ايران”.
وشدد على انه “علينا كلبنانيين معالجة هذا الوضع، ولمرة واحدة نواجه الحقيقة التي تقول اننا أسأنا الى الدول العربية والى السعودية خصوصاً. هناك فريق لبناني يقوم بهذه الاساءة، وباقي اللبنانيين يودّون المحافظة على الصداقة التاريخية مع دول الخليج. وبالتالي، على هذا الطرف أي “حزب الله” ان يدرك ان هذه الممارسات ستؤدي الى المزيد من العزلة وستقضي على لبنان الذي نعرفه”.
وسأل: “هل نريد نموذج سوريا واليمن وايران وفنزويلا؟، معتبراً انه على رئيسي الجمهورية والحكومة وضع سياسة واضحة مع انحيازنا للدول المفضلة على البلد. واذا لم تُعتمد هذه السياسة سوف نذهب الى المزيد من الانهيار والبؤس. وتالياً، الطلب من “حزب الله” عدم التدخل وفرض سياسته وآرائه على اللبنايين الذين في غالبيتهم يريدون حياد لبنان عن أزمات المنطقة وليس ادخاله في دهاليز المحاور”.
ورأى قيومجيان “اننا نعيش أزمة خطيرة لكن علينا دائماً التمسك بالتفاؤل والامل والثقة بالعمل سوياً للخروج من أزماتنا، خصوصاً ان السعودية لم تسِئ الينا كي نبادلها بهذا الاستهداف”.
رزق: لاستقالة المسؤولين بدءاً برئيس الجمهورية
شدد الوزير السابق إدمون رزق على “اننا في أزمة مع كل تاريخنا وتطلعاتنا ومصالحنا لأننا محكومون بطاقم سلطوي مصاب بعاهتين: الجهالة والإساءة. الحكم يفترض ويفرض مواصفات حد أدنى للمعرفة ولحسن الإدارة، وهذا مفقود في الطواقم المتعاقبة منذ أكثر من عقدين نتيجة لخيانة وثيقة الوفاق الوطني واسقاط اتفاق الطائف”.
وأشار الى “اننا في مرحلة ما يسمى (ثالثة الأثافي) أي الضربة القاضية. نحن في مرحلة الخطر الشديد جراء تسليم أمورنا لأيدٍ غافلة أو جاهلة وسيئة النية. نحن ذاهبون الى مهوار. انها مرحلة السقوط بامتياز، والبلد في طور التصفية”.
وأكد أن “العزلة العربية لها ارتدادات ستكون تصاعدية ما لم يتغير الحكم القائم. وهذا يفرض صحوة شعبية عابرة للطوائف والمذاهب لمواجهة الامر الواقع، وتبدّل وجه الحكم لأن هرمية المسؤولية غير جديرة ولا مؤهلة للإصلاح، والحكم في لبنان معادٍ للوطن، مشدداً على انه ليس لدي أي أمل من أي موقف سلطوي انقاذي”.
وعن خطوات سريعة لمحاولة الإنقاذ، دعا رزق الى “استقالة المسؤولين بدءاً برئاسة الجمهورية لأن كل هذه المراكز شاغرة حالياً ومملوءة صورياً، وتالياً، اعادة تشكيل السلطة من قمتها”.