الزعامة المارونية… بريق مفقود في عهد عون المعهود

هيام طوق
هيام طوق

بدأ التعاطي المارونيّ في السياسة قبل نشوء دولة لبنان الكبير بعدّة قرون. وخبِر الموارنة السياسة من موقعَي السلطة والمعارضة، واتّخذوا الخيارات والمبادرات في مفاصل تاريخيّة أساسيّة.

وتميّز دور الموارنة بتعاطيهم المباشر في السياسة، على مستوياتٍ ثلاثة: داخل الإطار الكنسيّ برعاية البطريركيّة المارونيّة، وعلى مستوى السياسيّين ولا سيّما النافذين منهم، وعلى المستوى الشعبيّ العامّ. وكانت الحريّة، المتأصّلة في الموارنة دينيًّا واجتماعيًّا، عامل اطمئنان للانفتاح على اتجاهات وتيّارات، في الداخل والخارج، على الرغم من انكماشها في بعض المراحل حيث اتخذت مسيرتهم منحى الانطواء والإنكفاء.

ومنذ إعلان دولة “لبنان الكبير” أي من نحو المئة عام، نجحت شخصيات مارونية، واستحقت عن جدارة الزعامة التي تجلت بأبهى حللها مع بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وريمون إده وبيار الجميل في حين أخفقت أخرى وأفرغت صفة الزعامة من مضمونها في حقبات معينة إذ كان هناك اجماع على ان الزعيم الماروني يجب أن يتمتع بصفات هامة تساعده في تفعيل الحياة السياسية، ومنها الصدقيّة والشفافيّة والاستقامة المسلكيّة والشجاعة الفكريّة، وتقديم المصلحة العامّة على المصلحة الفئوية والفردية، وتكون لديه سعة الاطّلاع في التشريع، ويعمل بروح السلام والحوار والاعتراف بالآخر، وقادر على التسوية من دون المساومة على المبادئ، ويدافع بحزم عن حقوق الإنسان وكرامته، ويحارب الفساد، ويفي بوعوده ويُؤمن بالديموقراطيّة والتعدّديّة والحريّات.

صفات يعتبرها كثيرون مفقودة اليوم لدى رئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يكون الزعيم الماروني الاول، إذ إن عدداً كبيراً من الشخصيات المارونية يرون انه ليس زعيما بالمعنى الفعلي للكلمة، وانهارت معه صورة الزعيم الماروني، وهو فاقد موقع الحكم ولم يتمكن من فرض نفسه الحاكم بسبب تبعيته الى فريق دون سواه، وما عبّر عنه النائب السابق فارس سعيد عندما قال: “يشهد لبنان على انهيار الزعامة المارونية مع انهيار عهد الرئيس عون”، سوى دليل على ان الزعامة المارونية الحالية تعاني ضمورا لم يسبق له مثيل في تاريخ الموارنة.

روكز: على الرئيس التواصل مع الجميع

اعتبر النائب شامل روكز ان “رئيس الجمهورية هو رئيس كل اللبنانيين وليس رئيس طائفة أو طرف، وعليه التواصل مع الجميع لأنه حامي الدستور والمسؤول الاول عن البلد. وبمجرد ان يكون رئيس جمهورية، يصبح لديه حيثية خاصة مختلفة عن كل الزعماء”.

وأشار الى ان “رئيس الجمهورية لديه حنين الى التكتل السياسي او التيار لذي كان يرأسه في الوقت الذي من المفروض ان يتخطى الاحزاب والتكتلات ليكون رئيساً لكل اللبنانيين، ويكون على مسافة واحدة من الجميع”.

نجار: على الرئيس المجاهرة بقوة الشرعية الدستورية

رأى الوزير السابق ابراهيم نجار ان “القيادات المارونية ليست أهم من الارجحية المارونية أي ان الاشخاص ليسوا أهم من رمزية القيادة. وعلى الرغم من كل شيء، يجب أن تبقى القيادة المسيحية للموارنة، معتبراً ان هناك شخصيات ضعيفة ولا تتمتع بالشجاعة الكافية، لكن يكفي أن نقارن المسيحيين في لبنان بالمسيحيين في مصر حيث 10 ملايين مسيحي لا يتمتعون بالحيثية التي يتمتع بها المسيحيون في لبنان لأن الحيثية المارونية هي قبلة مسيحيي الشرق وبالتالي أنا ضد كل ما ينال من قوة القيادة المارونية. كلنا موارنة في حب لبنان”.

وأشار الى انه “عندما أنجز الرئيس الشهيد رفيق الحريري الطائف وقال أوقفنا العد، ولبنان أولاً ووافق على الارجحية المارونية في لبنان، أصبح السنّة، الموارنة الجدد. أنا ضد المس بالارجحية المسيحية في لبنان لأن مسيحية لبنان هي ضرورة للشرق العربي ولاعطاء الاثبات ان هناك قدرة لدى العرب على الانفتاح على العالم. والاسلام السياسي لديه الذكاء الكافي كي يتقبل الارجحية المسيحية”.

واعتبر ان “صورة الزعامة في عهد الرئيس ميشال عون اهتزت، واليوم على رئيس الجمهورية أن يعرف ان الشرعية الدستورية أقوى من قوات الامر الواقع. المفروض برئيس الجمهورية عندما يثبت جدارته وشجاعته أن يكون حكيما لدرجة انه من خلال اتزانه يفرض نفسه على الجميع. وهذا غير متوافر اليوم. مرت سنوات العهد وهو يطالب بحقوق المسيحيين وارجاع التاريخ الى الوراء. الحقيقة انه ما بين عامي 1988 و1989 فرّطنا بحقوق المسيحيين من خلال ممارسات كانت تنازلا عن مصلحة المسيحيين، على سبيل المثال شكلنا حكومات لا يرضى بها المسلمون، استخدمنا صلاحيات بشكل اعتباطي، القرار بحل المجلس النيابي في حين ان هذا الامر لم يكن مستحباً وبالتالي كان الجزاء ان ألغي حق حل مجلس النواب من صلاحيات رئيس الجمهورية، كذلك الامر في ما يتعلق بتأليف الحكومات اذ كان من مصلحة لبنان أن تبقى الجمهورية فيها أرجحية مسيحية لرئيس الجمهورية عوضاً من ذلك مورست تلك الصلاحيات بطريقة استفزت الاسلام السياسي لدرجة انه بدأ يطالب بالمشاركة ثم بإلغاء امكانية تأليف الحكومات وحل الحكومات واسقاطها من يد رئيس الجمهورية”.

وتابع: “اليوم تحت ستار استرجاع حقوق المسيحيين وتحت ستار اننا نريد ارجاع التاريخ الى الوراء ونلغي ما فرض علينا في الطائف، نحن نخسر ما تبقى من بريق وصلاحيات على أرض الواقع. لذلك، أعتقد انه على المسيحيين أن يمارسوا السلطة بطريقة تفرض نفسها وتكون مدخلاً للاحترام. وعلى رئيس الجمهورية أن ينطلق من المصلحة العليا ومن الشرعية الدستورية. المفروض ان يكون هناك ثقافة مستمدة ومستقاة من الدستور. وما يحصل اليوم تحت ستار تفسيرات من أنواع مشكوك فيها، هو الخروج عن الاصول وعن النظام. المطلوب من القيادات المارونية ان تستوعب ما نص عليه الدستور وأن تحكم بعدل وحكمة وشجاعة انطلاقاً من الشرعية الدستورية وليس انصياعاً لحزب معين لديه الاكثرية أو لحزب يمكنه فرض الامر الواقع على الارض. الشرعية الدستورية هي أقوى قوة موجودة وهي بيد الرئيس الماروني”.

وتحدث نجار عن أهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها الزعيم الماروني، وهي “الشجاعة والانفتاح والحكمة. وعلى رئيس الجمهورية اليوم ان يجاهر بقوة الشرعية الدستورية، مشيراً الى ان البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم قال ذات يوم ان مصلحة المسيحيين من مصلحة الموارنة الذين عليهم أن يعرفوا ان لديهم وظيفة تاريخية في الحفاظ على حقوق الأقليات في الشرق”.

سعيد: رئيس الجمهورية ليس زعيماً

أوضح النائب السابق فارس سعيد ان “الزعامات المارونية تعمل على مستوى لبنان بمعنى انها تجمع الكل حول فكرة لبنان لأنها مارونية اذ ان الموارنة يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على فكرة لبنان، وبالتالي كي يصبح أحدهم زعيماً عليه ان يسترضي الجميع من أجل لبنان. اذا قال الموارنة لا نريد لبنان لأننا لا نريد استمرار العيش مع المسلمين، على الزعيم الماروني أن يعود بهم الى فكرة العيش المشترك. واذا قرر السنة أن لبنان هو جزء من وطن أكبر هو الأمة العربية، على الرئيس الماروني ان يقول لهم لا لأن نهائية الكيان اللبناني هي الاساس. واذا أراد الشيعة في لحظة من اللحظات ان يستقووا بإيران على حساب التركيبة اللبنانية، على الزعيم الماروني أن يعيدهم الى لبنانيتهم”.

واعتبر ان ” الرئيس الموجود في بعبدا ليس زعيماً بمعنى انه تابع لفريق من اللبنانيين الذي هو “حزب الله”، ولم يستخدم نفوذه كزعيم لانه فقد موقع الحكَم ولم يستطع أن يكون حاكماً، وبالتالي انهار هو وانهارت معه صورة الزعيم الماروني، مشدداً على انه لا يمكن أن يكون زعيما مارونيا، ويقطع علاقاته مع المسلمين. حينها يصبح زعيم ميليشيا مارونية”.

محفوض: هيبة وهالة رئاسة الجمهورية تهدّجت مع عون

رأى رئيس “حركة التغيير” إيلي محفوض ان “المفاهيم اليوم تبدلت ومن الافضل استخدام القيادات المارونية وليس الزعامات المارونية اذ نشهد شبه انعدام لوجود قيادات مثل القيادات التي عرفها لبنان عبر التاريخ لكن على الرغم من كل شيء، يبقى هناك قيادات مارونية تتمتع بصفات القادة الوطنيين”.

واعتبر ان “ما حققه الرئيس عون هو على المستوى الماروني الخاص وليس على المستوى الماروني العام أي أنه حصل على مكاسب خاصة ولم يحقق للموارنة المكاسب. الرئيس عون بالشعارات التي رفعها من 1982 حتى 2005 كانت تحاكي الوجدان والتاريخ الماروني والقضية اللبنانية، لكن بعد 2005 نسف كل هذا التاريخ ولم يحقق أي مكاسب للموارنة، ولم يضحّ من أجلهم بل بالعكس هو ضحّى بالموارنة”.

ولفت محفوض الى ان رئيس الجمهورية اليوم “لم يحافظ على هيبة وهالة موقع رئاسة الجمهورية، وهو الموقع المسيحي الاول الذي تهدّج في عهد عون، وتراجع الموارنة بشكل دراماتيكي من خلال محاولته اقصاء باقي المكونات المارونية. الماروني الحقيقي هو الذي يعرف كيف يتواصل مع الآخرين ويكون جسر عبور نحو باقي اللبنانيين. لكن ما قام به عون انه قطع اي علاقة مع الموارنة الآخرين من أحزاب وقيادات وكنيسة”.

شارك المقال