اللجنة الدستورية السورية… أداة بيد الأسد

حسناء بو حرفوش

سلّط مقال للرأي الضوء على عمل اللجنة الدستورية السورية، متهماً أعضاءها بالتحيز و”العمل لخدمة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في ضوء اختتام دورتها السادسة في جنيف، والتي وصف على إثرها المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون، نتيجة المحادثات بالمخيبة للأمل بشكل كبير، معرباً عن أسفه لعدم قدرة المشاركين على التوصل لأرضية مشتركة”.

ووفقاً للمقال الذي نشِر في موقع “تي أر تي وورلد” (trt world) التركي، تعمل اللجنة التي يفترض أنها صممت لتوفير منصة بين مندوبي النظام والمعارضة وأعضاء المجتمع المدني المعتمدين مسبقاً، “بخدمة الأسد وداعميه، الذين استخدموا المحادثات بطريقة ماكرة كوسيلة للتمسك بموقفهم المتطرف حول تسوية الصراع. وبينما تتوافق محادثات اللجنة من الناحية النظرية، مع قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي يدعو، من جملة أمور أخرى، لانتقال سياسي يتوج بانتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، وفقًا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة (…) إلا أنها لم تشكل منذ جلستها الافتتاحية، أكثر من مجرد وسيلة ديبلوماسية يؤمن من خلالها نظام الأسد موقعه باعتباره المستفيد الوحيد من عملية التفاوض. وهي تمثل أحدث أداة سياسية بتصرف هذا النظام، الذي تمكن لسنوات من استغلال الهيئات الديبلوماسية لمقاومة التغيير والمماطلة إلى ما لا نهاية تحت ستار التفاوض حول مستقبل سوريا السياسي.

وعلى الرغم من أن النظام تشدّق على مدى سنتين، بفكرة الانخراط في محادثات مشروعة في إطار اللجنة الدستورية (…) تكررت الاعتداءات العسكرية داخل سوريا بدعم من القوى الإيرانية وأحياناً الروسية. فعلى جبهة إدلب، غالباً ما انتهت هذه الهجمات المحدودة باتفاقات خفض التصعيد بوساطة موسكو وبعد التفاوض مع الأتراك (…) وفي أحيان أخرى، استثمرت حملات القصف تحديداً لتحفيز نزوح السكان نحو الحدود التركية، واستغلال مخاوف أنقرة من تدفق المزيد من اللاجئين كرافعة سياسية (…) بدورها، شكلت درعا ورقة مفاوضات للقوات الموالية لإيران داخل الجيش السوري (…) فتعرضت خلال الصيف الماضي، أحياؤها السكنية خلال جولة القتال الأخيرة لحصار وقصف عشوائي في صراع من أجل بسط السلطة على الأرض.

وعلى الرغم من أن الديناميكيات السياسية والأمنية تتفاوت بين شمال وجنوب سوريا بشكل كبير، إلا أن الهدف النهائي يبقى عينه: استعادة كامل الأراضي السورية (على الرغم من أن النظام والجهات الداعمة له تفتقر حاليا للموارد اللازمة لهذه العملية). وفي ظل عجز المعسكر الموالي للأسد عن تحقيق مكاسب كاسحة، سمحت هذه الهجمات لدمشق بتوسيع نفوذها تدريجياً على خلفية المفاوضات التي تقوضّها عمداً لتأخير المحادثات وعرقلة احتمال تحقيق اللجنة أي تقدم حقيقي في ما يتعلق بمستقبل سوريا السياسي (…) وبالنسبة إلى المحور الموالي للأسد، لا تهدف المفاوضات لتوفير سلام عادل ولا للتوصل لأي هدف، بل تمثل الفصل الأخير من اتفاقية “أوسلو” سورية جديدة، تهدف عن عمد إلى تغيير الواقع المادي داخل البلاد وتجريد الأطراف الآخرين من أي نفوذ يسمح لهم بتعزيز مواقفهم.

علاوة على ذلك، تجبر المفاوضات الأطراف الآخرين على القبول بالإطار الذي وضعه النظام كشرط مسبق لمشاركته الرسمية. ولا يحتاج أي كان للتأمل في المبادئ الأساسية للمشروع المقترح، والذي يروّج لمكافحة “الإرهاب والتطرف” والحفاظ على “سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها” و”سيادة القانون”، للاستنتاج أنه مفروض على اللجنة من النظام، الذي يرغب في إضفاء الطابع الأمني ​​على صياغة التسوية السلمية، على أمل العودة إلى شكل جديد للوضع القمعي الذي ساد في سوريا قبل 2011 (…) من هذا المنطلق، لن تتسبب إطالة المحادثات إلى أجل غير مسمى بأي خسارة للنظام.

وهذا ما تدعمه بالفعل، إعادة التأكيد التدريجي للسيطرة العسكرية للنظام على غالبية البلاد، والتردد المتزايد لدى القوات المدعومة من الولايات المتحدة (…) وإعادة التطبيع العربي المتسارع مع الأسد في المنطقة. بالتالي وببساطة، ليس هناك أي حافز يجبر النظام على التصرف بحسن نية أو بشكل منتج في هذا السياق.

وعلى الرغم من أن الاستثناء الوحيد القابل للنقاش يرتبط برغبة النظام برفع العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، إلا أنه من المحتمل أن دمشق فسرت موافقة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة على صفقة الغاز بين مصر والأردن، والتي ألمحت إلى استعداد واشنطن لتخفيف الشروط المرتبطة بالعقوبات، كمؤشر الى إمكان ضغط جيرانها العرب على الولايات المتحدة لتخفيف المزيد من القيود وحل عزلتها التي باتت أقل قابلية للاستمرار (…) ولا شك في أن المجتمع الدولي لا يكترث بشكل واضح وعلى نطاق واسع بمحادثات السلام السورية. فقد غيّر العديد من القادة الذين عزموا في وقت من الأوقات على المطالبة برحيل الأسد، مسارهم، وبالتالي تخلوا عن الحاجة لمعارضة يضغطون من خلالها على الأسد، ويكسبون معها وزناً في عملية التفاوض. أضف إلى ذلك، أن المعارضة ومندوبي المجتمع المدني (غير المنحازين) يخدمون في نهاية المطاف، بقصد أو بغير قصد، مصالح النظام في دمشق من خلال المشاركة في اللجنة الدستورية، أقله عبر إضفاء الشرعية على دوره بفعل الاعتراف بخطابه. لكن مع ذلك وفي المقلب الآخر، في حال قاطعت هذه الأطراف العملية برمتها، من المؤكد أنها لن تسلم من الانتقاد من مؤيديها، عدا عن اتهامات المعسكر الموالي للنظام حول إحجامها عن الالتزام بالسلام. وبالتالي، ينخرط هؤلاء المشاركون بمهمة لا يحسدون عليها تتمثل بإجبارهم على التفاوض مع طرف لا يهتم بالسلام والعمل ضمن معايير يحددها لاعبون إقليميون ودوليون لا يدافعون عنها إلا حين تتلاءم مع مصالحهم”.

شارك المقال