ماذا خلف الظهور الاعلامي للمحامين؟

حسين زياد منصور

لا تزال قضية “التيكتوكرز” المغتصبين، هي القضية الأساسية اليوم في البلد. وبين ساعة وأخرى نسمع “خبرية” جديدة، أو “تسريبة” من التحقيقات التي يفترض أنها سرية، نظراً الى خطورة القضية، التي يعد المحامي عنصراً أساسياً فيها، إذا أنه من أهم مصادر المعلومات للاطلاع على مجريات ما يحصل فيها، وتبيان ما اذا كانت الاشاعات أو الاخبار التي تخرج حقيقة أم كذباً.

وعلى إثر فضائح “التيك توك”، أصدرت نقابة المحامين في بيروت خلال الأيام الماضية، قراراً بمنع المحامين من استخدام التطبيق المذكور، ليعدل القرار، ويصبح استخدامه بطريقة لا تتعارض أو تتنافى مع آداب المهنة، وصورة المحامي وهيبته.

فكان قرار آخر للنقابة، حول “التقيد تقيداً دقيقاً بقسم اليمين… على الوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة كافة… ووجوب عدم نشر تحقيقات أو ملفات قيد النظر… وأي مخالفة لهذه الأحكام سوف تعرض مرتبكها للإجراءات الادارية والملاحقة المسلكية”.

هذا التعميم جاء بعد لجوء بعض المحامين الى وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن “قضية الساعة”، وإعطاء تحليلات ومواقف والتطرق الى ما يحصل في الجلسات.

كل ذلك يذكرنا بالمواد والتعديلات التي تنظّم علاقة المحامي بوسائل الاعلام على اختلاف أنواعها، من منع الظهور الإعلامي، وتقديم الاستشارات القانونية للجمهور بهذه الطرق أو المشاركة في البرامج، من دون إذن مسبق من نقيب المحامين.

امتعاض وبلبة

المحامي الدكتور جاد طعمة هو أحد المحامين الـ ١٢ الذين تقدموا بطعن أمام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية طالبين فسخ قرار مجلس نقابة المحامين في بيروت، إثر اقرار تعديلات على نظام آداب المهنة ومناقبية المحامي، التي تمحورت حول ظهور المحامين على وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام. ويقول في حديث مع موقع “لبنان الكبير”: “أصبحنا بحاجة الى اذن مسبق من النقيب قبل الادلاء بأي رأي أو موقف، وطبعاً قرار المحكمة جاء لمصلحة النقابة التي استندت الى ترجمة خاطئة لما هو وارد في النظام الداخلي لنقابة المحامين في باريس وهذا القرار بدوره كان موضع طعن أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز”.

ويوضح أن تصاريح بعض المحامين أو مقابلاته للإعلام، تحدث بلبلة داخل النقابة، والبعض يقوّم بعض الاطلالات بأنها شعبوية وتهدف الى إطلاق العراضات والمزايدات، كما التسويق للشخص نفسه لاستجلاب الموكلين وهذا أمر محظور قانوناً، ويدعم فريق وجهة نظره بحصول خرق لمبدأ سرية التحقيقات.

والى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل أن معظم الجسم القضائي يمتعض من تحويل بعض النزاعات القضائية الى مادة يتناولها الاعلام، لكن هذا الامتعاض يتعارض مع مبدأ علنية المحاكمات، “لكن يمكننا تفهم الشعور المشروع أن لجوء أحد طرفي الدعوى الى الاعلام قد يتسبب في بعدم مساواة اضافة الى احتمال ان يشكل الأمر ضغطاً على القضاء للسير في منحى معين، لكن لا أحد يمتعض أو يأتي على انتقاد الزيارات والاتصالات التي تحصل من نافذين”، بحسب المحامي طعمة.

حرية الرأي والتعبير

في المقلب الآخر، هناك وجهة نظر تنطلق من قدسية مبدأ “حرية الرأي والتعبير”، وطبعاً ليس المقصود حرية الرأي والتعبير المتفلتة من الضوابط القانونية والأصول المهنية. لكن لا يمكن القبول بأن تتحول النقابة الى جهة تمارس الرقابة المسبقة على كلام المحامي، فأساس دورها هو حفظ كرامة المهنة والمحامي وهيبتهما.

المحامي حسب قانون تنظيم المهنة مؤتمن على تحقيق رسالة العدالة وهو مكلف أداء الخدمة العامة، وهذا يفرض أن يكون انساناً منضبطاً ومسؤولاً، وبالتالي يستتبع اختياره للمهنة الحرة بأن تكون الرقابة على تصرفاته وأدائه رقابة لاحقة، ومن يخطئ ومن يتجاوز القانون ومن يفضح سرية التحقيقات أو من يحاول أن يقوم بدعاية لنفسه، يتم تحويله عبر نقيب المحامين الى المجلس التأديبي كي يتم النظر بالتجاوز المنسوب اليه لإيقاع العقوبة المناسبة بصورة سرية، وفق ما يقول طعمة.

تعديلات ورقابة

وبالعودة الى التعديلات، يؤكد طعمة أن الجسم المهني أو أقّله المحامون الذين طعنوا بالتعديلات حول طريقة الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام، لا يطالبون بالحرية المطلقة أو المتفلتة من أي ضوابط وقيود، فالغاية هي التمتع بالحرية المسؤولة.

ويشير الى أن “حجة التعديلات كانت أن المحامين يقومون ببعض الأفعال غير اللائقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بأسلوب الحديث أو المحتوى المقدم أو عبر إعطاء مشورات قانونية خاطئة. وعلى الرغم من كل ذلك نقول ان الرقابة اللاحقة لنقيب المحامين تستطيع تحقيق الانضباط في أداء المحامي، فمن غير المسموح أن يتم استغلال عنوان حرية الرأي والتعبير من أجل تجاوز الحدود بما يسيء الى المهنة ويؤدي الى الإخلال بالموجبات القانونية بما ينعكس سلباً على صورة المحامي في المجتمع”.

مكسب خاص أو عام؟

الكثير من الملفات المتعلقة بالفساد وهدر المال العام تثار في الآونة الأخيرة، وتقدم إخبارات بها، الا أن بعض المحامين يتعرض للهجوم والتخوين، وهذا ما يلفت اليه طعمة في حديثه لـ “لبنان الكبير”، قائلاً: “نحن محامون من الفئة التي تلاحق ملفات الفساد وترصدها وهي ملفات تهم الرأي العام وتصون المال العام، ليس هناك في ملفات كهذه أي افادة لنا على المستوى الشخصي، وهذه الملفات نتابع تفاصيلها ونجمع وثائقها وأدلتها ونحضرها باحترافية عالية لتقديم اخبارات أو شكاوى بشأنها أمام القضاء، وعدد كبير منها تحول الى قضاة الحكم، من قاضي تحقيق أو قاضي منفرد جزائي أو دعاوى أخذت مسارها ضمن مجلس شورى الدولة”.

ويرى أن “من المفترض أن نحظى بدعم ومؤازرة من نقابة المحامين في بيروت فتكون الى جانبنا في مسعانا، فالكسب منها هو كسب عام تستفيد منه نقابة المحامين كما عموم المحامين وكل شرائح المجتمع، وهنا يجب أن يكون هناك تعاطٍ حاضن مع المحامين الذين يبذلون وقتاً وجهداً لمكافحة قضايا الفساد الكبرى والتصدي لها”.

ويأسف لأن “البعض الحاقد بات يعتلي المنابر خدمة لأهل المنظومة فيوجه الينا الاتهامات بالشعبوية، أو بحب الظهور، ومختلف أنواع الاتهامات التي نعتبرها غير لائقة بحقنا”، بحسب طعمة الذي يعتبر أن “كل ما نفعله يستدعي التفاتة لتجنيبنا محاولات التشفي والانتقام”، مجدداً التأكيد أن نقيب المحامين في بيروت فادي المصري، وعد خلال حملته الانتخابية بأن يولي موضوع حرية المحامين كل الاهتمام والرعاية، “فالانضباط المهني والحرية المسؤولة خطان متوازيان لا يمكنهما أن يتصادما ولا يجب أن يطغى أحدهما على الآخر”.

شارك المقال