أنطوان نجم ورسالة جعجع

عاصم عبد الرحمن

“لا تخافوا من الحرية، لا تخافوا من التغيير، لا تخافوا من الإنفتاح ومن النقد الذاتي ومن قول الحق واقتحام المستقبل ومواجهة الصعوبات والضلال والإنحراف. إلتزموا ولا تستزلموا”. تلك كانت وصية أستاذ المقاومة اللبنانية وفيلسوف الفيدرالية التي طرحها للمرة الأولى في مقالٍ كتبه في مجلة “الصياد” عام 1976 باسم “أمين ناجي”. هو المفكر اللبناني والمقاوم المسيحي والمناضل القواتي وصانع رئاسة بشير الجميل. ولد في طرابلس عام 1934، ترعرع بين المسلمين ورفض العيش معهم، إنه أنطوان نجم. فما الذي دفع بسمير جعجع إلى تعيينه عضواً في الهيئة التنفيذية للحزب وهو في الـ 90 من عمره؟

ينظر القواتيون إلى أنطوان نجم على أنه الفيلسوف والانسان والملهم الذي ارتبط اسمه بطرح الفيدرالية نظاماً سياسياً مخلّصاً للبنان ومعالجاً لمشكلته الطائفية التي تعوق قيام دولة القانون والمؤسسات. وقبل الوصول إلى تطبيق النظام الفيدرالي الذي أراد له نجم رأياً عاماً لبنانياً وموافقة من جامعة الدول العربية وضمانة من الأمم المتحدة، اقترح قيام نظام حزبي طوائفي، بمعنى أن يكون لكل طائفة ومذهب فرع خاص بها داخل الحزب نفسه مضافاً إليهم الطائفة الـ 19 العلمانية على أن يلتقوا حول البرامج الحزبية لا إيديولوجيتها.

يقول أنطوان نجم انه التقى للمرة الأولى بالشيخ بشير الجميل في كانون الأول 1975 بحضور جوزف أبو خليل وتحدثوا عن الجار المسلم الذي لا يمكن التواصل معه وفق نجم من دون المرور بالعراق والسعودية وسوريا وليبيا واليمن والفلسطينيين، وعليه رأى بشير يومها أن الفيدرالية تعالج التصادم اللبناني – اللبناني كونها تحقق العدالة بين الجميع عوض شعور فئة دون أخرى بالغبن والظلم.

بحسب كتاب “أسرار الحرب الأهلية” للكاتب آلان مينارغ طلب بشير الجميل من لجنة الدراسات الاستراتيجية في “القوات” البحث في إمكان تطوير عمله السياسي، فتوصلت اللجنة إلى أن الثورة هي الحل الوحيد لتغيير الأنظمة القائمة، وعليه قرر بشير الاستيلاء على السلطة حتى تمكَّن من الوصول إلى رئاسة الجمهورية في العام 1982. ووفقاً للباحث مينارغ، فقد كلف بشير اثنين من أعضاء اللجنة المذكورة، الأول هو أستاذ الفلسفة أنطوان نجم الملقب بـ “نبتون”، والثاني عسكري محترف هو ميشال عون ولقبه “جبرايل” الذي وثَّق نجم صداقته ببشير التي بقيت سرية إلى حد بعيد.

من الواضح أن نجم شكَّل اللبِنة الأساسية لتحول فكر بشير السياسي ومحركه الاستراتيجي في بناء خياراته العملية والحزبية والوطنية، كذلك وجد فيه نجم ضالته النضالية من أجل تحقيق حلم الفيدرالية في لبنان، فلطالما رفع شعار “طبقوا الفيدرالية ليرتاح لبنان”، مردِداً “لو كان بشير حياً لما حصل ما وصلنا إليه اليوم”.

وفي زمن الفصح وقيامة المسيح وفق المعتقد المسيحي، عاد بشير الجميّل حياً إلى حزب “القوات اللبنانية”، فقد أصدر سمير جعجع مطلع الشهر الحالي قراراً إدارياً قضى بتعيين أنطوان نجم عضواً في الهيئة التنفيذية للحزب التي أُجريَ انتخابها في تشرين الأول الماضي، إذ بحسب النظام الداخلي يحق لرئيس الحزب تعيين عضوين في الهيئة من غير الأعضاء الـ 11 المنتخبين، في خطوة تنظيمية ذات دلالات سياسية تركت آثاراً كبيرة ومتفاوتة في صفوف الحزب بين الحماسة والدهشة والترحيب والغرابة كونه تعدى الـ 90 عاماً.

في هذا السياق، يقول مصدر سياسي متخصص بتاريخ حزب “القوات اللبنانية” لـ “لبنان الكبير”: “إنَّ تعيين أنطوان نجم في الهيئة التنفيذية الذي يشكل قيمة مضافة للقوات، يُعدُّ تكريماً لرجل يبلغ من العمر 90 عاماً أعطى الحزب فكرياً وسياسياً، خصوصاً أنه يُعتبر من الحلقة الضيقة لبشير الجميل والرعيل الحزبي الأول والمؤسس الذي يحظى بإجماع قواتي شامل، سواء بالنسبة لقواتيي جعجع أم للقوات الذين خرجوا أو أُخرجوا من الحزب على مراحل متعددة بعد اغتيال بشير. نجم وضع في العام 1980 بالإشتراك مع العقيد ميشال عون (الرئيس السابق للجمهورية) استراتيجية وصول الجميل لاحقاً إلى الرئاسة”.

يضيف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه: “الأهم في هذا التعيين أنه قد يستبطن إشارة في غاية الأهمية وطنياً ودستورياً لجهة ترجيح كفة الفيدراليين داخل الحزب من جهة وفي فكر سمير جعجع من جهة أخرى، على اعتبار أن نجم يعتبر من أبرز الصقور المتشددين في القوات وواضع مشروع الدولة الاتحادية وأحد أهم القواتيين المنظرين التاريخيين الداعين إلى ضرورة إيجاد صيغة دستورية بديلة عن ميثاق الـ 1943 وضرورة استقلال المسيحيين ذاتياً في إدارة شؤونهم الداخلية”.

عشرات المقالات والدراسات كتبها أنطوان نجم مذيلة بتوقيع أمين ناجي حول اعتماد النظام الفيدرالي في لبنان وضرورة أن يكون للمسيحيين حكمهم الذاتي واستقلالهم السياسي لإعطاء كل ذي حق حقه كما يعتقد، إذ كان نجم قد لفت أمام بيار الجميل إلى خضوع مسيحيي الشمال والجنوب لرشيد كرامي وكامل الأسعد. ثورة أنطوان لتحقيق الفيدرالية دفعت زياد الرحباني إلى انتقاد فكره بصورة مبطنة في مسرحيته “نزل السرور” التي تحدثت عن الخوف من المحمودات. فهل تنحصر خطوة جعجع في تكريم نجم “القوات” أم أن هناك رسالة لفريق الممانعة مفادها تبني “القوات” عملياً خيار الفيدرالية؟

شارك المقال