كلّ فريق يحمي “جماعته” فيضيع التحقيق والحكومة

رواند بو ضرغم

يتغاضى الجميع عن مظلّات الحماية التي تُرفع فوق رؤوس مختلف المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسات القضائية والعسكرية والأمنية، وتقوم القيامة ولا تقعد متى لوّحت السلطة السياسية بحماية الدستور والقوانين المرعية الإجراء. الحقيقة المثبتة حتى اليوم، أننا نبتعد أكثر فأكثر من الحقيقة في قضية انفجار مرفأ بيروت، حيث أصبح واضحاً أنّ كل طرف يسعى إلى حماية فريقه والمحسوبين عليه، والأمثلة على ذلك كثيرة، نبدأُها من مؤسسة يفترض أن تكون قوساً للعدالة ولإحقاق الحق…

ففي الجانب القضائي من التحقيقات في انفجار المرفأ، جرت إحالة الأوراق للادّعاء على القاضيين جاد معلوف وكارلا الشواح أمام النيابة العامة التمييزية، فصدر القرار بالادّعاء وحُفظ الملف في الأدراج. كذلك تقدّم المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار من النيابة التمييزية بطلب ملاحقة القاضي غسان خوري بجريمة تفجير المرفأ، حيث قرّر القاضي عماد قبلان حفظ الطلب بحجة أنّ القاضي خوري لم يرتكب جرماً، وجرى السكوت عن هذا الأمر.

تقدّم فريق الدفاع بطلبات ردّ عدّة بحق القاضي بيطار، إلا أنّ الرئيس نسيب إيليا أعلن عدم اختصاصه النوعي، واعتبرت الرئيسة جانيت حنا أنّ المحقّق العدلي لا يُعدّ قاضياً في التمييز. وتكرّر التعليل نفسه من جهة الرئيس ناجي عيد، وبالتالي لا يقدّم طلب ردّه أمام محكمة التمييز، فلمن تكون المرجعية إذاً بطلب ردّ المحقق العدلي؟ وكيف يجوز طلب ردّ القاضي غسان خوري ولا يجوز طلب ردّ القاضي بيطار؟

ومن القضاء ننطلق إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، إذ لم يُعطَ الإذن لملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولم يُعطَ الإذن لملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. هذا بالإضافة إلى أنّ المحقّق العدلي بدأ بملاحقة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر، والضابطين غرزالدين وعويدات، وتوقّفت ملاحقتهم لعدم تحديد أي جلسة لمتابعة الاستماع إليهم… فهل صدر قرار عن المؤسسة العسكرية بحماية ضباطها وأفرادها، بعدما أُخلي سبيل اللواءين في أمن الدولة والأمن العام؟

مَن المتّهم بانفجار المرفأ إذاً؟ هل هم الموظفون المدنيون فقط؟ عبدالحفيظ القيسي، حسن قريطم، بدري ضاهر وشفيق مرعي وبعض الموظفين الصغار؟ هل هم حصراً سبب الانفجار؟

يتبيّن للرأي العام أننا نبتعد يوماً بعد يوم عن الحقيقة، وذلك تحت شعارات مختلفة. فإذا كانت المؤسسة القضائية محمية والمؤسسة العسكرية والأمنية محمية، فلا عجب أن تكون السلطة السياسية محمية أيضاً، وسيقولون أنّ من حقّهم المطالبة بحماية أنفسهم على غرار المؤسستين القضائية والعسكرية!

هذا الواقع القضائي المعقّد، يزداد تعقيداً على الصعيد السياسي، إذ أنّ الحكومة باقية تحت مجهر التعطيل، وموقف “حزب الله” الحازم نقله المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل للرئيس نجيب ميقاتي الذي التقاه فور عودته من مؤتمر المناخ في اسكتلندا، وأكد أنّ الثنائي الشيعي ثابت على موقفه بعدم المشاركة في أي جلسة قبل حل أزمة تنحية المحقق بيطار، ورفضه المطلق استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي أو إقالته بالتصويت، إذ أنّ الإقالة بأصوات الثلثين سيفاقم الأزمة وسيحولها إلى داخل مجلس الوزراء ويهدّد بقاء الحكومة.

يعلم الرئيس ميقاتي أنّ مفتاح الحل الحكومي بيد “حزب الله”، لذلك التقى الحاج حسين الخليل قبل لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وهو يعلم مسبقاً أنّ “حزب الله” باقٍ على موقفه التصعيدي بوجه المملكة العربية السعودية، لذلك فإنّ جولته السياسية لم تثمر أي إيجابية ملموسة، إلا أنّ ميقاتي يعتبر أنّ الحل يبدأ من استقالة قرداحي، وتحقيقات المرفأ هي شأن قضائي لا حكومي. وعليه، فإنّ الأزمة ستطول، والتعطيل سيتمدّد، وستهدد الحكومة وكل الاستحقاقات الدستورية المقبلة.

شارك المقال