على عكس ما تروّج له الإدارة الإيرانية الجديدة، تختبر السياسة الخارجية للبلاد أوقاتاً عصيبة، بحسب مقال في موقع مركز “أتلانتيك كاونسيل” Atlantic Council الإلكتروني، وتحديداً في ظل الاستياء العالمي المتزايد من نهج طهران والمماطلة حول المفاوضات النووية، بالإضافة إلى التطورات التي تقوض المزاعم الإيرانية حول “نجاح المقاومة وزيادة النفوذ”.
الأولوية للمنطقة
وعلى الرغم من تأكيد طهران باستمرار على أولوية الشرق الأوسط والعلاقات مع الحلفاء، إلا أن نتائج سياساتها لا تصب دائما لمصلحتها. يقول المحلل سعيد جعفري في قراءته: “لقد أكدت إدارة إبراهيم رئيسي منذ توليه منصبه الرئاسي في آب، على أولوية العلاقات الوثيقة مع الدول المجاورة. وهذا ما يبرهنه تعيين حسين أمير عبد اللهيان في وزارة الخارجية، الذي تقتصر خبرته على شؤون الشرق الأوسط. كما شدد عبد اللهيان نفسه، والذي شغل سابقا منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، مرارا أمام البرلمان في خطابه قبيل تصويت الثقة، أن المنطقة من الأولويات. وأشار في 22 تموز إلى السعي لإضفاء الطابع المؤسساتي على إنجازات المقاومة على الأرض، في إشارة إلى العلاقات الإيرانية بجماعات على غرار “حزب الله” اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية. لكن على الرغم من تبجّح الوزير، لم تصبّ التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط لمصلحة طهران.
ففي لبنان، تلقى “حزب الله” وهو أقرب حلفاء إيران، اللوم على مجموعة من الأزمات، بما في ذلك الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في آب 2020. كما اتهم أعضاؤه بالمشاركة في الاشتباكات المسلحة التي اندلعت مؤخرا في 14 تشرين الأول، خلال احتجاجات ضد قاض يحقق في كارثة المرفأ. وعلى الرغم من نفي “حزب الله” ضلوعه في أعمال العنف، يطالب العديد من اللبنانيين، الذين يتظاهرون في الشوارع منذ أكثر من عامين، بإنهاء التدخل الإيراني في شؤون بلادهم. وبالتزامن، يتزايد القلق من اشتعال حرب أهلية جديدة في البلاد.
أما في أفغانستان، فقد زادت المخاوف حول مصير الشيعة الأفغان مع عودة حركة طالبان، التي ينظر إليها كعدو تاريخي لإيران، إلى السلطة (…) وفي العراق، تعرضت الجماعات الشيعية المدعومة من إيران لانتكاسة في الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول الماضي، إذ فاز الصدريون بزعامة رجل الدين الشيعي القومي العراقي، مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد. كما ظفر المرشحون المستقلون والتيارات السياسية التي نشأت بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع العراقية عام 2020 بعشرات المقاعد. والجدير بالذكر أن الانتخابات سجلت أقل نسبة مشاركة منذ الغزو الأميركي الذي أدى إلى إنشاء نظام سياسي جديد بهيمنة شيعية.
ويهدّد سعي العراق المتزايد للاضطلاع بدور مستقل وتمثيل قوة موازنة بين إيران والمملكة العربية السعودية، بالتقليل من نفوذ طهران. كما أن عبد اللهيان تسبّب بجدل وببعض الشكوك. على سبيل المثال، خلال الحفل الختامي لقمة بغداد الأخيرة التي جمعت في 28 آب، عددا من الخصوم الإقليميين، أثار عبد اللهيان جدلا من خلال تموضعه في الصف الأول المخصص لرؤساء الدول، خلال التقاط صورة جماعية. وشكل ظهوره بين رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خرقا للبروتوكول الديبلوماسي، الأمر الذي زاد من الشكوك حول نوايا الجمهورية الإسلامية تجاه الدول العربية.
ولطالما اشتكت هذه الأخيرة من دور الميليشيات والجماعات الأخرى التي أنشئت برعاية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، والذي تربطه علاقات وثيقة بوزير الخارجية الإيراني الجديد. وبالتالي، أدى تعيين عبد اللهيان الذي يهدف في الأصل لإظهار التركيز الإقليمي لإيران، في الواقع إلى زيادة الغضب وامتعاض الدول العربية من تدخل الجمهورية الإسلامية.
أما من الناحية الإيجابية لطهران، يمكن ذكر المحادثات التي استهلت في عهد سلف رئيسي بين إيران والسعودية، حيث سيشكل تطبيع العلاقات إنجازا مهما لحكومة رئيسي (…) ومع ذلك، لن يغير التحسن على مستوى العلاقات السعودية – الإيرانية من حدة المواجهات. فالتطورات على حدود إيران الشمالية والشمالية الغربية ليست لمصلحة البلاد. وسبق أن أشعلت التوترات الحدودية بين إيران وأذربيجان حربا كلامية سياسية خطيرة. وسرعان ما أعقبتها مناورة عسكرية للجيش الإيراني في تشرين الأول، بالقرب من الحدود مع جمهورية أذربيجان. وفي 17 من الشهر عينه، انتقد الزعيم الأذربيجاني إلهام علييف المسؤولين الإيرانيين في شريط فيديو قصير، مشيرا إلى افتقار إيران للدعم العالمي (…) كما سخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منها، مستبعدا أي مواجهة عسكرية بينها وبين أذربيجان، بسبب علاقات هذه الأخيرة مع إسرائيل من ناحية، وضرورة أخذ العدد الكبير من السكان الأذريين في الداخل الإيراني في الحسبان.
حواجز التجارة
عدا عن ذلك، ترتبط مشاكل طهران الإقليمية بصعوبات أوسع. إذ لا يمكنها توقع النجاح في الجوار من دون المباشرة بحل العوائق أمام التجارة والاستثمارات، وأهمها سنّ تدابير الشفافية المالية عملاً بمتطلبات مجموعة العمل المالي (FATF) واستمرار العقوبات الأميركية الثانوية. وفي حين أعلنت إيران أنها ستعود إلى طاولة المحادثات النووية في 29 تشرين الثاني، إلا أن المماطلة تسببت باستياء حتى في صفوف الأصدقاء، مثل روسيا والصين. وأعرب ممثل روسيا لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف في 23 تشرين الأول، في تغريدة عبر “تويتر” عن استيائه من تأخر إيران في العودة إلى المحادثات. وفي غضون ذلك، أكد مسؤولون في حكومة حسن روحاني السابقة أنه على الرغم من استمرار الصين بعمليات الشراء غير المباشرة للنفط الإيراني، إلا أنها لن تتمكن من زيادة التجارة والاستثمار من دون مصادقة إيران على التشريعات المتعلقة بـFATF.
لذلك، وبعكس ما تروج له حكومة رئيسي، لن تتمكن إيران من تحسين العلاقات مع دول المنطقة بشكل كبير من دون حل مشاكلها العالمية أولا. وبالمحصلة، في حال تمسكت طهران مثلا، برفض حل خلافاتها مع الولايات المتحدة بخصوص العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة، فقد تنتهي برؤية أقرب الأصدقاء وهم يديرون ظهرهم إليها”.