إيران تنتخب: بيروت على خطى بغداد!

أنطوني جعجع

إذا كانت إيران ترفض نتائج الانتخابات التشريعية في العراق، فلماذا تقبلها في لبنان في حال جاءت عكس ما تشتهي سفنها؟ ولماذا تمضي بها في بيروت، وسط تقارير وإحصاءات واستقصاءات تتوقع انتقال الغالبية النيابية من معسكر الى آخر في البرلمان المقبل، وبالتالي خسارة الكلمة الفصل في ثاني عاصمة عربية بعد بغداد، إضافة الى أعتى ورقة امنية وعسكرية وسياسية وتوسعية هي ورقة “حزب الله”.

والواقع ان ايران تعرف جيداً انها غير قادرة على تحمل المزيد من الضغوط او الخسائر بينما تخوض مفاوضات صعبة مع الولايات المتحدة يتوقف على نتائجها مسار “الثورة الاسلامية” في الداخل والخارج، وتعرف ايضاً ان العالم بأسره بات في وارد القبول او تغطية اي عمل عسكري قد تقوم به اسرائيل او الولايات المتحدة لتدمير البنية النووية والصاروخية في الترسانات الإيرانية …

من هنا يمكن تفهم التصعيد العسكري اللافت في الحرب الصاروخية على السعودية وعلى جبهة مأرب اليمنية، والتشدد السياسي الذي يبديه “حزب الله” في مواجهة الازمة الديبلوماسية الحادة مع الرياض ودول الخليح، في محاولة منهما لتعزيز اوراق التفاوض في فيينا، وإبعاد الدور العربي عن الانتخابات النيابية في حال إجرائها وعن السطوة الإيرانية في حال تأجيلها .

ومن هنا ايضا يمكن تفهم السعي الذي يبذله التيار الوطني الحر، بديلاً من “حزب الله”، لشراء الوقت وهدره في وقت واحد، في إطار خطة تهدف الى امكان تأجيل الانتخابات النيابية استناداً الى ذرائع دستورية وقانونية تجنباً لأي مساءلة او صدام مع المجتمع الدولي الذي يصر على إجرائها بأي ثمن وبمن حضر اذا لزم الأمر.

وليس من قبيل المصادفة ان يكدس “حزب الله” والتيار الوطني الحر كل الملفات الساخنة على طاولة مجلس الوزراء ودفعة واحدة، سعياً الى واحد من هدفين:

اما انتخابات تجرى من دون طارق البيطار وما يمكن ان يكشفه في كارثة الرابع من آب، وحملات من دون السعودية والدور الخليجي – الاميركي الذي يمكن ان يساهم في دعم مرشحي المعارضة على كل المستويات المالية والخدماتية والدعائية والاعلامية…

وإما تمديد للرئاستين الاولى والثانية بموجب الأمر الواقع، في انتظار ظروف اكثر مواءمة لانتخابات تساهم في الابقاء على قبضة “حزب الله” وايران في المعادلة اللبنانية داخلياً وخارجياً.

لكن السؤال يبقى: هل يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي أن يتحمل هذا السيناريو على المستويين السني والعربي وحتى الوطني، وان يتحول من حيثية اطلت على الناس بصفتها منقذاً لا بد منه الى حيثية تحتاج الى من ينقذها وينقذ معها ما تبقى من كيان لبنان وهويته ووجوده وسيادته؟ وهل يقبل الرئيس ميقاتي القبول بصفقة تطيح القاضي بيطار وتحفظ موقع القرداحي الذي تحول علامة سلبية نافرة في حكومة تشكلت بعد مخاض عسير تحت شعار الانفتاح وليس الحصار والتقوقع، لا سيما ان مثل هذه التنازلات، في حال حصولها، لن تمر مرور الكرام في مزاج الناخبين السنة في كل مكان، وتحديداً في طرابلس، التي بات قسم كبير منها أقرب الى التماهي مع “القوات اللبنانية” وأحزاب اليمين المسيحي أكثر منه مع زعماء المدينة التقليديين..؟

وهل أخطأت السعودية عندما أحرقت كل مضاربها في لبنان وأغلقت كل الابواب، وتخلت عن كل اسلحتها، في مواجهة عدو يهدد حلفاءها في هذه الدولة، وينطلق منها لضرب الامن الإنساني من خلال المخدرات، والامن الامني من خلال الحوثيين، والامن المذهبي من خلال الثورة الاسلامية التي تحاول التوسع في اي بقعة عربية وإسلامية خصبة؟

وهل يعني الموقف السعودي، أن الرياض سلمت بوقوع لبنان في القبضة الايرانية، وانها بالتالي عاجزة أو غير راغبة بالتصدي للمشروع الفارسي الذي ينتقل من عاصمة الى اخرى ومن جبهة الى اخرى؟ وهل يستأهل تصريح من إعلامي عقائدي أرعن كل هذا القصف العشوائي في غير اتجاه؟

الجواب ليس سهلاً، اذ يبدو في مكان ان الانسحاب السعودي جاء لمصلحة “حزب الله” الذي بات، لولا الدور الأميركي، اللاعب الوحيد في الجمهورية اللبنانية، وجاء ايضا بمثابة ضربة لما تبقى من المعارضة اللبنانية التي تحاول باللحم الحي التصدي لدويلة لا يجرؤ احد على مواجهتها بعدما سيطرت على قصر بعبدا والبرلمان والحكومة، وتمكنت من تهميش دور الجيش والتحكم بالمفاصل الامنية الاخرى…

لكن هذا الانسحاب، في مكان آخر، يبدو وكأنه جاء لمصلحة المعارضة التي استفادت من الاستياء الشعبي الذي اعقب موقف “حزب الله” وحلفائه من العلاقات اللبنانية مع المحيط العربي، ومن موقفهم حيال تحقيقات المرفأ ومن حوادث الطيونة وقبلها حوادث خلدة وشويا، اضافة الى دوره في عزل لبنان وحشره في الزاوية الايرانية، اضافة الى انه قد يتمكن بالتالي من شحن وتحريك الارضية السنية التي تشعر بعزلة خانقة يفرضها السلاح الشيعي والتيار الوطني الحر في الداخل، والقطيعة مع العمق العربي – الخليجي في الخارج.

إنه المشهد شبه الأخير في صراع لبنان القديم مع لبنان الجديد، فإما تنجح قوى الممانعة، سواء في الشارع او في مجالس القضاء، في قطع الطريق على هزيمة متوقعة على الرغم من كل الضغوط الدولية، وإما تتوجه مرغمةً الى صناديق الاقتراع تحت واحد من شعارين: الفوز بالقوة او الخسارة على وقع ما جرى في “السابع من ايار” و”الرابع عشر من تشرين”، أو على وقع ما كاد يصيب مصطفى الكاظمي في بغداد …

وهنا تسقط التكهنات البائدة، إذا عرفنا ان الميليشيات الموالية لايران في بغداد لا تملك طائرات مسيرة او على الاقل الخبرة الكافية في توجيهها أو التحكم بها، خصوصاً ان مثل هذه المهمات تحتاج الى خبراء من طينة الذين قصفوا مطارات الرياض واربيل ومنشآت “ارامكو” انطلاقاً من اليمن حيناً ومن طهران احيانا…

وسط هذه الاجواء، بدأ بعض زعماء المعارضة في بيروت النظر نحو السماء خوفا من مسيّرات قاتلة بدلاً من الشوارع تحسباً لسيارات مفخخة، في وقت باتت المخاطبة لدى قوى الممانعة، صاروخاً مفاجئاً لا يُعرف متى يأتي وان كان يُعرف من أين يأتي.

شارك المقال