احتدام الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل

حسناء بو حرفوش

بالتزامن مع ارتفاع الإنفاق العالمي على الأمن السيبراني لأسباب متعددة، أهمها العمل من بعد والذي فرضته جائحة كورونا والاعتماد المتزايد على الخدمات السحابية، تزداد حدة المنافسة وبطبيعة الحال الحرب السيبرانية بين الأطراف المتنازعين. وفي هذا السياق، سلّط مقال رأي في موقع “ميدل إيست مونيتور” الإلكتروني الضوء على احتدام الحرب السيبرانية بين إيران و(إسرائيل).

ووفقاً للمقال، “على الرغم من عدم تبني أي من إيران و(إسرائيل) بشكل علني المسؤولية عن الهجمات الأخيرة، إلا أنه من الواضح أن جبهة الحرب السيبرانية بينهما آخذة في الاحتدام. وهذا ما تبلور في هجوم ضد مرفق حيوي إيراني حيث وجد مئات الآلاف من الإيرانيين أنفسهم مؤخراً عاجزين عن ملء خزانات الوقود في سياراتهم بسبب خلل إلكتروني في شبكة الإمداد الرئيسية، قبل أن يتضح لاحقاً أن ما حصل مرتبط بهجوم سيبراني. وفيما إيران و(إسرائيل) تمتلكان عدداً من الأعداء، قلة قليلة من هؤلاء قادرة على شن هجمات واسعة النطاق وبهذه الدقة والفعالية على أي من الطرفين، باستثناء الطرفين نفسيهما طبعاً. على الرغم من أن أياً منهما لا يتبنى رسمياً هذه الهجمات، لطالما أكد الآخرون على مسؤوليتهما. ولا يحتاج أصلاً أي منهما لتأكيد رسمي من الآخر لمعرفة هوية المسؤول عن أي هجوم من هذا النوع.

والحقيقة أن مثل هذه الهجمات تحصل منذ أكثر من عقد، لكنها استهدفت في العامين الماضيين أهدافاً مدنية من الجانبين. فقد قام الإيرانيون بعد وقت قصير من تفشي جائحة كورونا، بمهاجمة الأنظمة في ستة مرافق للمياه والصرف الصحي في (إسرائيل). في ذلك الحين، رأى مسؤولون إسرائيليون في ذلك الهجوم تصعيداً خطيراً وتجاوزاً للخطوط الحمر، ولا سيما أن الهجوم الذي وجهت فيه أصابع الإتهام لإيران، يستهدف منشآت مياه مدنية. وبعد أن تم تحديد مكان الضرر وإصلاحه، أصدرت تعليمات فورية بتغيير كلمات المرور الخاصة بتشغيل هذه المرافق وفصل الإنترنت في المرافق التي لا يمكن استبدال كلمات المرور فيها.

ثم أتى الرد على هذا الهجوم في غضون أسابيع قليلة، عندما تعرضت مرافق الكمبيوتر في “بندر عباس” أكبر الموانئ الإيرانية، لهجوم إلكتروني إسرائيلي. وقبل نحو ثلاثة أشهر، استهدف مهاجمون مجهولون نظام الكمبيوتر الخاص بالسكك الحديدية الإيرانية. وكان الهجوم مشابهاً لذلك الذي استهدف شبكة الوقود الأسبوع الماضي، مما تسبب بإلغاء رحلات آلاف القطارات. وترجم رد إيران باستهداف أنظمة الحاسوب في جهاز إسرائيلي حيوي هو مستشفى “هيلل يافي” في الخضيرة. واعتبر هذا الهجوم أكثر خطورة من الهجمات السابقة، إذ أجبر طاقم المستشفى بحسب الإعلام الإسرائيلي على العمل من دون أجهزة كمبيوتر ونظم المعلومات. ويعتقد أن الهجوم على شبكة الإمداد بالبنزين مثل أيضاً رداً على هجوم المستشفى؛ وتميز هذا الهجوم بالحدة والانتشار والهدف الواضح. ويمكن القول مع تواتر الأفعال وردود الأفعال، أن هذه ليست سوى بداية مواجهة طويلة الأمد.

وصحيح أن الحرب السيبرانية لا تتسبب بتكبّد الأرواح البشرية بشكل عام لكنها تتسبب بأضرار أخرى فادحة. وتستخدم (إسرائيل)، على وجه الخصوص، إجراءات صارمة للأمان. لكن الهجمات الإيرانية أصبحت أكثر تعقيداً، مثل الهجوم على شبكة الكهرباء وخوادم الإنترنت، مما تسبب بأضرار جسيمة للقطاع المصرفي. وستصبح الأمور أكثر خطورة إذا اضطر الإسرائيليون لشراء مولدات الطوارئ أو تحضير نسخ احتياطية من ملفات الكمبيوتر الخاصة بهم خوفاً من اختراق إيران لها. كما حذرت (إسرائيل) من عدم جاهزيتها لهجمات إلكترونية قد تتسبب بسقوط قتلى. ومع تزايد الهجمات المتبادلة، ترتفع المخاوف المماثلة حول عدم الاستعداد لارتفاع وتيرة الهجمات الإيرانية ضد المواقع المدنية والعسكرية مع احتمال حدوث الكثير من الأضرار والخسائر الفادحة.

وصحيح أن الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية قد تكون أكثر دموية، لكن (إسرائيل) تخشى مع ذلك أن تتسبب الهجمات الإيرانية بشلّ اقتصادها وقدراتها الفنية، سواء في المصارف أو المستشفيات أو المؤسسات التجارية أو البنية التحتية. وتكشف الهجمات السيبرانية على مختلف المواقع الإلكترونية ومستشفى “هيلل يافي”، عدم استعداد (إسرائيل)، المعرضة بشدة لمثل هذا النوع من الهجمات. وتشير الأدلة إلى وقوع 245 ألف هجوم إلكتروني منذ العام 2019، بما في ذلك التشهير والتحرش الجنسي والسرقة. وقد تصبح الهجمات السيبرانية مميتة في حال أدت إلى تلوث مياه الشرب أو استهدفت أنظمة العمليات في مناطق حساسة مثل تلك التي تحتوي على الصواريخ أو الأسلحة الأخرى.

وفي حين أن أياً من الطرفين لا يبحث حقاً عن تصعيد هذه الحرب السيبرانية وصولاً إلى المواجهة الشاملة، من المستبعد أن تقف إيران مكتوفة الأيدي بمواجهة الهجمات الإسرائيلية. ولذلك تستخدم فرقاً من المقرصنين للرد على الهجمات بشكل متكرر، لكن هذه المعركة أبعد ما يكون عن لعبة فيديو في العالم الافتراضي، المخاطر كبيرة والعواقب قد تكون وخيمة. وفي الوقت الحالي، تتمتع إسرائيل بتفوق واضح على إيران في هذه الحرب السيبرانية. لكن من الجانب الآخر، يعكف الإيرانيون كما فعلوا في مراحل سابقة من مواجهاتهم، على التعلم والسعي لتحسين قدراتهم وجهوزيتهم للرد على الهجمات الإسرائيلية”.

شارك المقال