أثارت قضية تعرّض قاضي التحقيق الأوّل في الشمال القاضي جناح عبيد إلى تهجّم “لفظيّ” من المحامي مأمون المصري في عدلية طرابلس، جدلًا كبيرًا بين الطرابلسيين الذين يُعبّرون عن محبّتهم وتقديرهم لجهود القاضي الذي يرونه أنّه يتمتّع بشفافية واضحة في عمله تُشعرهم بالثقة والأمان بنموذج قضائيّ يُحتذى به.
بعد الحادثة التي تعرّض لها القاضي عبيد، يُمكن القول إنّه يتمتّع بشعبية كبيرة ما تزال قائمة ومستمرة منذ أعوام، دفعت أهالي مدينة طرابلس إلى الدفاع عنه، مؤكّدين أنّه يحظى بثقتهم ويرتاحون بشكلٍ كبير لعمله، لأنّه يتمتّع “باستقلالية تُبعده بكلّ وضوح عن أروقة السياسة”، وفق ما يقول بعض المؤيّدين.
وليست خافية تراجع ثقة المواطن الطرابلسي بالدّولة اللبنانية التي خذلت مواطنيها بقوّة، كما تراجعت ثقته أيضًا بالقضاء الذي يترّدد أيّ منهم خلال السنوات الأخيرة في اللجوء إليه، لأنّهم يرون فيه جانبًا مظلمًا ومخيفًا تجرّأ لسنوات على إلحاق الظلم بالكثير من أبنائهم.
تفاصيل الحادثة
وفي التفاصيل، وبعد إصدار القاضي عبيد مذكّرات توقيف غيابية بحقّ البعض من أبناء عائلة المصري الذين قيل عنهم إنّهم “متوارون عن الأنظار” للتخطيط لعملية ثأرية بعد وفاة أحد أقاربهم سابقًا في إحدى محطات البنزين، تدخّل المحامي مأمون المصري ابن هذه العائلة وتحدّث مع القاضي وبعد أخذٍ وردّ، طرده الأخير معلنًا التنحي عن هذا الملف بشكلٍ كامل.
قد تبدو هذه القضية سهلة على البعض، لكنّها قضية معقّدة من الجهتين الشخصية والقانونية. فالشاب غيث المصري الذي قتل بسبب خلاف في إحدى محطات البنزين هو نجل شقيق المحامي مأمون المصري، مما يُشير إلى ارتباط المحامي الوجداني والعاطفي بهذه الحادثة التي سبق أن أعلن القاضي عبيد تضامنه معها.
وبعد عملية القتل، وكردّ فعل من بعض أفراد آل المصري، احتجزوا صهر الشقيقيْن من آل حزوري المدّعى عليهما بجريمة القتل، فأحيلت قضية “حجز الحرية” على قاضي التحقيق ليتم إصدار مذكرات بحث وتحرّ بحقّ 11 متهمًا بقضية الاحتجاز، والتي بدأت منذ 3 تشرين الاول 2021.
وفي هذا السياق، يقول مصدر قضائي لـ”لبنان الكبير”: “من المعروف أنّ مذكّرة البحث والتحري ينتهي مفعولها وتسقط بعد مرور 30 يومًا على إصدارها، لكن بعد انقضائها أصدر القاضي عبيد مذكّرات توقيف غيابية مما يُعدّ مخالفة قانونية، لأنّ مذكرة البحث والتحرّي سقطت”.
وبحسب المعلومات “فقد هاجر اثنان من المدّعى عليهما إلى خارج لبنان، ولو كانت سارية المفعول لكان قبض عليهما ومنعا من السفر، وبالتالي إنّ هذه المغالطات القانونية دفعت إلى حدوث سوء تفاهم بين الطرفين اللذين كانا حادّين جدًا بردّة الفعل”. ويُضيف المصدر: “لا يُمكن للقاضي أن يطرد المحامي من مكتبه مهما كانت الظروف، لأنّ المحامي يتمتّع بحصانة قانونية، وعلى الطرفين اللجوء إلى المسلك القانونيّ لمعالجة الأمر، لكن بعد الغضب والتحدّي المشترك طُرد مأمون من المكتب، بعد انفعال قد يُقال عنه أنّه طبيعيّ، لكن (قانونيًا) توجد طريقة استرداد المذكّرة لإتاحة الفرصة أمام المدّعى عليهم للحضور إلى الجلسة بعد دعوتهم أصولًا”.
وتُشير المعلومات إلى أنّه خلال المشادة الكلامية بين القاضي عبيد والمحامي المصري، توجّه الأخير للقاضي متهمًا اياه بـ”قبض رشوة مقابل إصدار مذكّرات التوقيف ممّا استفز القاضي عبيد، على الرغم من أنّ الأخير طلب وبحسب بيانه عبر فيسبوك، تقديم طلب استرداد المذكّرة من المصري، إلا أنّ المصري توجه له بأنّه سيُقدّم شكوى أمام التفتيش القضائي”.
بيانات ثنائية
لم تنته هذه الحادثة عند هذه التفاصيل، بل أوضح القاضي في بيان أصدره على صفحته عبر” فيسبوك” ما جرى، وكتب: “وردني الأسبوع الماضي ملف فيه ادّعاء على 11 شخصًا بجرائم السلب والخطف وإطلاق النار من أسلحة حربية والتهديد والطعن بسكاكين، وغيرها، في عمليةٍ تبدو ثأرية… بعد التدقيق بالتحقيقات الأوّلية، وبعد أن تبيّن أنّ جميع المدعى عليهم متوارون، وبحقّهم بلاغات بحثٍ وتحرٍّ سارية المفعول، أصدرت القرار الذي كان ليصدره أيّ قاضٍ يحترم عمله، وسطَّرت بحقّ كلّ منهم مذكرة توقيف غيابية”.
ويُضيف: “اليوم تهجم عليَّ وكيلهم، وهو من عائلتهم، على الرغم من ذلك، طلبت منه اتباع الإجراءات القانونية، وتقديم طلبات استرداد لمذكرات التوقيف الغيابية، كي أعيد التدقيق بالملف، في ضوء ذلك. فما كان منه إلّا أن لجأ إلى مستوى أعلى من التهجم والافتراء. عندها طلبت الملف كي أتنحى عنه، وأعلمت المحامي بأنّني لن أنظر بأيّ ملف آخر عائد له، فما كان منه إلّا أن استخدم أبشع ألفاظ التهديد والشتم والافتراء…، مشدّدًا على أنّه طرد المحامي لأنّه تعرّض لكرامته واستفزّه”.
من جهته، ردّ المحامي المصري على بيان القاضي كاتبًا: “دافع القاضي جناح عبيد عن نفسه بما حصل معه بالأمس، وبعد مراجعة ما كتب تمنّيت لو أنّه دافع عن نفسه بكلمة صدق واحدة وأسفت للمستوى الذي وصل له هذا القاضي”. ويُضيف: “ذكر أنّ البلاغات ما زالت سارية وهذا كذب، وذكر أنّه لم يقرأ الأسماء فكيف لقاضٍ لا يقرأ ملف أن يُصدر مذكّرات توقيف من دون قراءة الأسماء، ويقول أيضًا إنّ الجرم ذات طبيعة ثأرية، وهذا ما يُثبت كذبه أنّه قرأ الأسماء فكيف علم أنّ الجرم ذات طبيعة ثأرية إذا لم يقرأ أسماء”.
ويعتبر المصري أنّ الملف الذي تمّ تأسيسه الساعة الواحدة وقطع المذكرات الساعة الواحدة والنصف، طلب من الموظف إرساله إلى المطالعة فورًا عند الساعة الثالثة، “مما يُثير الشبهة” وفق المحامي الذي أبلغ القاضي بأنّه سيتقدّم بشكوى ضدّه أمام التفتيش القضائي.
كما أصدر المصري بيانا آخر يؤكّد فيه أنّه راجع القاضي على خلفية إصدار مذكّرات توقيف بحقّ أشقاء غيث المصري بجرم حجز حرية المدّعيين وهما شقيقة القتلة وزوجها، طالبًا منه التوضيح حول كيفية إصدار مذكّرات توقيف من دون تعيين جلسة وإبلاغ موعد الجلسة من المدّعى عليهم وكان جوابه أنه حرّ”.
وبعد إعلان المصري (بحسب البيان)، أنّه بصدد التقدّم بشكوى ضدّه لدى التفتيش القضائي لكونه أصدر مذكّرات بصورة مخالفة لقانون أصول المحاكمات الجزائية، “كان ردّ فعله القدح والذم والشتم والتهديد إذا تقدّمت بشكوى ضدّه وفقد أعصابه وكان جوابه الأخير أنّه أخطأ، لكنّه سوف يتنحّى عن الملف لأنه ليس من عادته التراجع عن قراراته”، وفق المصري.