المسيّرات الإيرانية ترخي بظلالها على العراق

حسناء بو حرفوش

مع استمرار الشجب والإدانات الدولية للهجوم الذي استهدف رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق مصطفى الكاظمي، والدعوات “لعدم السماح للإرهاب والعنف والأعمال غير القانونية بتقويض استقرار العراق وحرف مسار عمليته الديموقراطية”، بحسب بيان البعثة الأممية، سلّط الإعلام الضوء على التوترات السياسية على الساحة العراقية، وفيما لم يتبنّ أي طرف المسؤولية عن هذه العملية، اعتبر المحلل جايمس فيليبس المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، في قراءة بموقع “دايلي سيغنال” (Daily Signal) الإلكتروني الأميركي أن ما حصل يثبت أن “المسيّرات الإيرانية تلقي بظلالها المرعبة على العراق”.

ووفقاً لمقال فيليبس، “على الرغم من عدم تبني أي جماعة المسؤولية عن الهجوم، وجّه مسؤولون أمنيون عراقيون أصابع اللوم للفصائل العراقية المدعومة من إيران، والتي تتحدى سلطة الحكومة الائتلافية الضعيفة في العراق بشكل متزايد. كما زعموا أن كتائب “حزب الله” وعصائب أهل الحق، التي تشكل أقوى وكلاء إيران في العراق، هي التي تولت تنفيذ الهجوم الذي شاركت فيه مسيّرة إيرانية الصنع. ورأى هؤلاء المسؤولون في محاولة الاغتيال رسالة ترهيب للكاظمي ولأي عراقي آخر يتحدى نفوذ إيران ووكلائها داخل العراق.

وبحسب هؤلاء، شنّت المليشيات الشيعية العراقية العديد من الهجمات بالمسيّرات والصواريخ ضد الجيش الأميركي الذي يدعم القوات المسلحة العراقية. وردت الولايات المتحدة في كانون الثاني 2020، على الهجمات المتكررة على عناصرها في العراق بشن غارة بمسيّرة استهدفت الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي. ونقل فيلق القدس، الذي يقوم بتدريب وتجهيز شبكة إيرانية من المجموعات الإقليمية بالوكالة، آلاف المسيّرات والصواريخ إلى الجماعات المدعومة من إيران في العراق ولبنان وسوريا وغزة واليمن.

الداخل العراقي والتوتر المتزايد

ومما لا شك فيه أنه لا يمكن فصل الغارة التي استهدفت مقر إقامة رئيس الوزراء عن التوترات السياسية المتصاعدة داخل العراق. وكان الكاظمي، الذي عمل كصحافي في السابق وشغل منصب رئيس المخابرات العراقية قبل تعيينه رئيساً للوزراء في أيار 2020، قد اشتبك مراراً مع الفصائل الموالية لإيران والتي سعى إلى تقليص نفوذها. وعلى الرغم من أن الكاظمي أحرز تقدماً بسيطاً لناحية تقليص قوة هذه الأخيرة، إلا أن وكلاء إيران صدِموا بأدائهم الكارثي في الانتخابات التي حصلت في 10 تشرين الأول في العراق، والتي خسروا فيها نحو ثلثي مقاعدهم في البرلمان العراقي.

وعلى الرغم من تمتع تحالفهم السياسي في السابق بدعم سياسي شيعي كبير بسبب الدور الذي اضطلعت به الميليشيات في هزيمة داعش، انقلب العديد من المؤيدين السابقين ضد هذه الأخيرة على خلفية الاتهامات حول دورها في تأجيج الفساد وإطلاق النار على المتظاهرين السلميين الذين سعوا لإصلاح الحكومة العراقية. وصادف الهجوم ضد الكاظمي بعد يومين من الاشتباكات في بغداد بين القوات الحكومية وأنصار إيران، الذين نزلوا الى الشوارع واحتجوا بعنف على نتائج الانتخابات، حيث سجلت موجات من التراشق بالحجارة وتبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل أحد المتظاهرين وإصابة العشرات، إضافة إلى إصابات عدة بين عناصر الأمن. واتهم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الكاظمي، بإصدار أوامر باستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين مشدداً على ضرورة أن يدفع رئيس الوزراء “الثمن” بسبب قتل المتظاهرين. ومن ثم حصل الهجوم بعد فترة وجيزة، في تصعيد غير مسبوق للتهديدات ضد الحكومة العراقية من الميليشيات المدعومة من إيران.

التدخل الإيراني

وسارعت إيران للتدخل لحل الأزمة المتفاقمة، إذ وصل الجنرال إسماعيل قآني، خلف سليماني في قيادة فيلق القدس الإيراني، إلى بغداد للقاء الكاظمي في غضون ساعات من غارة الأحد. وعلى الرغم من أنه لم يعرف ما قاله للكاظمي، طبعاً بخلاف إنكار المسؤولية الإيرانية عن الهجوم، من المحتمل أنه حذر الكاظمي من اتخاذ إجراءات ضد وكلاء إيران. كما من المرجح أن يكون قآني قد عرض على الكاظمي “الحماية” ضد المزيد من الهجمات في حال تعاون وتوقف عن مقاومة الجهود الإيرانية للسيطرة على العراق. وفي حين أن قآني لا يتمتع بالهالة عينها كما سليماني، فضلاً عن سيطرته بلا منازع على الفصائل الشيعية المتحالفة مع إيران، يشير ظهور قآني المفاجئ إلى الاهتمام الإيراني القوي بالحفاظ على نفوذها في العراق.

في المقابل، عبّرت الولايات المتحدة عن دعمها للكاظمي من خلال مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية أنطوني بلينكن. وعلى الرغم من أن التعبير عن الديبلوماسية السياسية الأميركية مهم للعراق، إلا أنه ليس كافياً لمواجهة التهديدات المميتة التي تشكلها إيران ووكلاؤها. وقد تزداد التهديدات للعراقيين وللجنود الأميركيين الذين يدعمون الحكومة العراقية والذين يبلغ عديدهم 2500، ما لم تُجبر إيران على دفع الثمن باهظاً لتدخلها في العراق. لكن ستغض إدارة بايدن لسوء الحظ وعلى الأرجح، الطرف عن حرب الظل الإيرانية ضد حكومة الكاظمي، بسبب تركيزها على إحياء المحادثات النووية مع إيران في فيينا، تماماً مثلما قلّلت من أهمية الهجمات المستمرة لوكلاء إيران ضد القوات الأميركية. ولن يؤدي هذا الرد المتهاون إلا لتشجيع إيران ودفعها لشن المزيد من الهجمات بالوكالة في العراق وفي أماكن أخرى”.

شارك المقال