من الربا إلى “الهاي تِك”: الشيكل يهزم الدولار

زاهر أبو حمدة

حرّمت الكنيسة الربا في القرون الوسطى، أما التوراة فيجيز التعامل بها لـ”الأغيار”، فاستغل اليهود ذلك. أصبحوا المرابين الأهم في أوروبا، وحصدوا أموالاً وفيرة لكنهم أثاروا نقمة التجار والناس العاديين لأن الديون تكدست والرهون تحولت لملكية اليهود. واستمر الأمر حتى قيل في اليهود إنهم أنجح التجار لا سيما وأنهم يحترفون استغلال الفرص ويقرأون السوق جيداً، لذلك تجدهم قبل الحرب العالمية واحتلال فلسطين، يتاجرون وفق قواعد احتكارية لكل ما خف وزنه وارتفع سعره. فمثلاً تحكموا بتجارة الكبريت والألماس في فترة من الفترات قبل الحرب العالمية، حتى وصلوا الى استحصال إسرائيل على “الهاي تِك” (High Tech/ High Technology) ، وهي التقنية الأكثر تقدماً حالياً وتشمل الصناعات المتعلقة بالحوسبة، الالكترونيات، البيوتكتولوجيا، العمارة، الطيران، السيارات، الذكاء الصناعي، النانو، الفيزياء النووية، الروبوتات ونظم المعلومات والضوئيات، والهندسة والاتصالات ومنظومات التجسس… الخ. ليصبح الاستثمار الأجنبي في “الهاي تِك” الإسرائيلي أكثر من 53 مليار دولار أميركي في خلال العام الحالي.

هذه الصناعات المحدودة في دولنا العربية، تتعاظم في دولة الاحتلال وأصبحت المصدر الرئيسي لها لجميع أنحاء العالم. هذه ليست دعاية مجانية بل حقائق يجب التوقف عندها، لأنه بسبب هذه التقنية العالية انخفض الدولار الأميركي أمام الشيكل الإسرائيلي.

فوسط انهيارات اقتصادية في دول المنطقة وحصار مالي للسلطة الفلسطينية، كبر الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الإسرائيلي، وارتفع منسوب الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج، وتدنت نسبة التضخم إلى 2.5 في المئة فأسهمت في تعاظم قوة الشيكل، ليتجاوز الناتج المحلي الإسرائيلي 400 مليار دولار سنوياً.

نعم، الاقتصاد الإسرائيلي قوي جداً. ارتفع الشيكل بعدما أجبر البنك المركزي الإسرائيلي الشركات الإسرائيلية على شراء 20 في المئة من استثماراتها في الخارج بالشيكل. هذا إضافة الى أن المخزون الدولاري في إسرائيل أكثر من 206 مليارات دولار. أصبح العرض الدولاري أكثر من الطلب، وعليه ينخفض الدولار أمام الشيكل، ويتوقع أن يصل السعر 2.85 مع نهاية العام الحالي. وبالتالي سترتفع أسعار السلع وسيكون له تأثير كبير على الفلسطينيين الموظفين الذين يتلقون رواتبهم بالدولار أو اليورو أو الدينار الأردني فهم الأكثر تضرراً من ارتفاع أسعار الشيكل مقابل العملات الأجنبية.

أما السبب الأساسي ليقوى الاقتصاد الإسرائيلي، فهو العامل الأمني. فمثلاً مع الانتفاضة الثانية أي قبل 20 عاماً انخفض الشيكل أمام الدولار ليصبح 4.5. وهنا يتضح لنا أن الإسرائيليين يشترون الأمن بأي طريقة إن كان بهدنة مع غزة أو بإغراءات التصاريح في الضفة. ولذلك إذا أردنا كسر إسرائيل فلا بد من أن نفكر بطرق لهزيمة الشيكل والاقتصاد عندهم أو إضعافه على أقل تقدير، قبل التفكير بالخطط العسكرية والسياسية.

شارك المقال