حمّى التسلّح مستمرّة والمسيّرات خيار إيران الأول

حسناء بو حرفوش

تعكس محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دور المسيّرات في تغيير التوازن العسكري في الشرق الأوسط، حسب موقع “إيكونوميست” (Economist) الإلكتروني، في قراءة سلّطت الضوء على الانتقال من استخدام المسيّرات بشكل حصري من القوات المسلحة الأكثر تقدّماً، إلى انتشارها بين الدول الأقل تقدّماً، وصولاً حتى إلى الميليشيات. ووفقاً للمقال، “تظهر الضربة البدائية للغاية، والتي نفّذت على ما يبدو بمروحيات رباعية أي من النوع الذي يمكن للهواة شراؤه وتجهيزه بقنابل صغيرة، المسؤولية المحتملة لأي من الجماعات المسلحة العديدة في العراق”.

وفي هذا الإطار، يحلّل جايمس لويس من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أنّ الشكوك حامت على الفور حول إيران ووكلائها لسببين: الأول مرتبط بغضب حلفاء إيران من خسارة معظم مقاعدهم في الانتخابات العراقية التي جرت الشهر الماضي، وتنظيم مواليها احتجاجات جامحة، وصولاً لمحاولة اقتحام المنطقة الخضراء (…)، والثاني هو أنّ إيران باتت تشكل المزود الأكثر ثباتاً للطائرات المسيّرة وغيرها من التقنيات العسكرية لوكلائها وأصدقائها، ليس فقط في العراق، ولكن أيضاً في اليمن وسوريا ولبنان وقطاع غزة. وسرعان ما أصبحت المسيّرات السلاح المفضّل لإيران في الحرب غير المتكافئة، مما يثير قلق أعدائها ويهدّد بقلب ميزان القوى في المنطقة. وهذه الطائرات تحديداً ليست متطوّرة كتلك التي تستخدمها الولايات المتحدة مثل تلك من طراز “بريداتور” و”ريبر” ( PredatorوReaper)، أو تلك الإسرائيلية والتركية القتالية التي سمحت لأذربيجان بهزيمة القوات الأرمينية في ناغورنو كاراباخ العام الماضي.

ويوضح آرون شتاين من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، أنّ المسيّرات الإيرانية غالباً ما تشكّل نسخاً غير تقليدية، مصنّعة من الأجزاء المتوافرة تجارياً، لكن إيران تعمل على إضافة تحسينات، ليس أقلها عن طريق الهندسة العكسية للمسيرات الشبحية التي وقعت في قبضتها مثل الآر كيو-170 سنتينال الأميركية. وبغياب القوة الجوّية الحديثة (…)، يستثمر النظام الإيراني بكثافة في الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيّرات التي يستخدمها للمراقبة ولتنفيذ الضربات (…). ولا تحمل المسيّرات الإيرانية عادة ذخائر دقيقة التوجيه، بل تمثّل هي نفسها القنبلة الموجّهة، إذ تطير باتجاه الهدف وتنفجر مثل الروبوت “الكاميكازي”. كما تشغل من خلال أدوات التحكم بموجات الراديو على خط البصر، أو بشكل تلقائي باستخدام أجهزة تحديد الموقع العالمي “جي بي أس” (GPS) كما في أجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية.

وتوسّع إيران نطاقها من خلال توزيع المسيّرات (أو تقنيات صنعها) بين حلفائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي تهدّد أهدافاً من البحر الأبيض المتوسّط، وصولاً ​​إلى الخليج العربي. وغالباً ما تسلّمها في مجموعات قبل تجميعها محليا بأقل قدر من المساعدة من إيران، كما يشير شتاين. وتسمح هذه الطائرات، وفق ما يحذّر مسؤول إسرائيلي لإيران بتدبير الهجمات وتنفيذها مع الحفاظ على الغموض والقدرة على إنكار المسؤولية. ولا تنتقص بساطة المسيّرات من التهديد الذي تشكله. وفي الشهر الماضي، تعرّضت قاعدة أميركية في منطقة التنف في سوريا لهجوم من خمس مسيّرات بواسطة نظام(GPS) . وعلى الرغم من أنّ أحداً لم يصب بأذى بعد حصول الأميركيين على تحذير، ألقى المسؤولون الأميركيون باللوم لاحقاً على إيران وفرضت إدارة بايدن عقوبات على الأشخاص والشركات المرتبطة ببرامج الطائرات المسيّرة.

ويأسف مصدر عسكري أميركي كبير في هذا السياق، لأن التفوّق الجوّي لم يعد ملكاً للأميركيين، عدا عن أنّ المسيّرات تكشف المنشآت الحيوية في جميع أنحاء المنطقة. وللتذكير، استهدفت مسيّرات عدّة في العام 2019، منشآت نفطية سعودية في محافظة بقيق ومنطقة خريص. وعلى الرغم من أنّ ميليشيا الحوثي المتحالفة مع إيران في ​​اليمن أعلنت مسؤوليتها، تعتقد مصادر عسكرية غربية أنّ المسيّرات ربما انطلقت من العراق أو من إيران.

من جانبها، تواجه (إسرائيل) الطائرات المسيّرة منذ العام 2004، عندما حلّقت مسيّرة إيرانية الصنع فوق (الأراضي المحتلة) من دون اعتراضها. ثم بثّ “حزب الله” في وقت لاحق لقطات للحدث. ومنذ ذلك الحين، اعترضت (إسرائيل) نحو 12 مسيّرة بما فيها واحدة قيل أنها متوجّهة إلى المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا عام 2012. كما قامت بشنّ ضربات جوّية لتدمير المسيّرات الإيرانية وأنظمة التحكم الخاصة بها على الأرض في سوريا عام 2018.

وتعمل (إسرائيل) تحديداً بصفتها رائدة في استخدام المسيّرات الانتحارية لتدمير الدفاعات الجوّية العربية في السبعينات والثمانينات، بجدّية لصدّها. ولذلك لجأت إلى مقاتلات F-16 وإلى نظام القبة الحديدية المضادّة للصواريخ، كما تستمر بالبحث عن تحسين الاستجابة. ويصعب بشكل عام رصد المسيّرات لأنها صغيرة الحجم في الغالب وتطير على ارتفاع منخفض وببطء، وقد لا تبث أي إشارات، وقد تضيع حتى في الفوضى، حسب مسؤول في شركة “إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء” (Israel Aerospace Industries)، التي طورت أنظمة مضادّة للطائرات المسيّرة. وقد يتسبّب إسقاط المسيّرات بأضرار على الأرض، لا سيما في المناطق المأهولة، كما قد يعطّل التشويش إشارات الراديو ونظام (GPS) الحياة المدنية؛ كما لا تزال الأنظمة القائمة على الليزر قيد التطوير. ويستطرد هذا المسؤول بالقول أنّ الدفاع عن المسيّرات “عمل مكلف بسبب كثرة المرافق التي تريد الدول حمايتها، عدا عن انتشار شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس (5G) والتي قد تمنح المهاجمين في المستقبل خيار التحكم بالمسيّرات عن بعد، على غرار روابط الأقمار الصناعية”، قبل أن يختم بالتحذير من “سباق التسلّح المجنون في العالم، والذي تزيد حدّته مع تنامي الإمكانات التكنولوجية لاستخدام المسيّرات بلا هوادة”.

شارك المقال