الإمارات – سوريا… هل يجرؤ الأسد؟

أنطوني جعجع

ماذا فعل وزير الخارجية الإماراتية عبدالله بن زايد في دمشق؟ وهل استعجل أمراً كان يحتمل بعد القليل من الدراسة والتروّي والكثير من التشاور والتنسيق عربياً ودولياً؟

سؤالان شغلا المراقبين الاقليميين والدوليين في مرحلة حساسة ودقيقة اختلطت فيها المواقف والحسابات والملفات الساخنة والمعقدة والطارئة في شكل يصعب فرزها بشكل متدرّج أو متسلسل .

لا شك أنّ الوزير الإماراتي توجّه إلى العاصمة السورية من دون تكليف علني مباشر من أحد، حاملاً إلى الرئيس بشار الأسد ملفات تمتد فصولها من صنعاء إلى بيروت، وتتضمّن مبادرة أو مبادرات لم يعرف موقف المملكة العربية السعودية منها، وتقضي بتبادل “الخدمات” بين فريق يسعى إلى الأمن، أي الفريق الخليجي، وفريق يسعى إلى الاستمرارية، أي الفريق السوري.

وترجّح مصادر ديبلوماسية إقليمية أن يكون عبد الله بن زايد، اقترح على الأسد الضغط أو التوسّط لدى إيران للجم الضغط الحوثي على منطقة مأرب، واقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار، والامتناع عن مد القصف الصاروخي نحو الإمارات نفسها، في مقابل تثبيت نظام الحكم في دمشق، والمساهمة في إعادة سوريا الى الحضن العربي، وإعادة إعمارها وضخ الحياة في مرافقها الاقتصادية، فضلاً عن التوسّط لدى الأميركيبن لتعليق أو تخفيف أو إلغاء قوانين العقوبات المفروضة على سوريا ومن يتعامل معها، على غرار ما سجّل في موضوع الغاز المصري والكهرباء الأردنية تجاه لبنان.

وتضيف المصادر أنّ أبو ظبي ربما تكون أبلغت الرئيس الأسد برسائل من إسرائيل تتعلق برسم خطوط حمر جديدة على غرار تلك التي رُسمت بعد حرب حزيران العام 1973، ووقف الغارات المتلاحقة على أهداف محدّدة في سوريا، مقابل العمل لسحب قوات “الحرس الثوري” و”حزب الله” من الأراضي السورية وفكّ التحالف القائم بين دمشق وطهران.

والواقع أنّ الإمارات العربية المتحدة قادرة على القيام بمثل هذه الوساطة، وهي التي واكبت زيارة عبدالله بن زايد بمناورات بحرية مشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة في البحر الأحمر، تحت عنوان “التصدي للتموضع الإيراني” في المنطقة، وسبقتها بسلسلة زيارات متبادلة ومجموعة اتفاقات تجارية مع الدولة اليهودية.

والواقع أيضاً أنّ الأسد الذي يفاخر بإسقاط “اتفاق السابع عشر من أيار” في بيروت، لم يُبدِ أي ممانعة في استقبال مسؤول عربي هندس علاقات سلام مع إسرائيل، وكذلك فعلت إيران وحسن نصرالله الذي حاول “تجميل” الموقف السوري من خلال الإعلان أنّ الزيارة شكّلت اعترافاً عربياً بانتصار سوريا، وليس اعترافاً سورياً بواقع التطبيع العربي مع إسرائيل.

وأكثر من ذلك، تذهب المصادر الديبلوماسية الإقليمية بعيداً إلى حد القول، إن عبدالله بن زايد ربما تطرّق مع الأسد إلى الأزمة اللبنانية – الخليجية، طالباً منه الضغط على حلفائه في بيروت لسحب وديعته الوزارية جورج قرداحي من الحكومة كمدخل أولي إلى الحل، ووقف أعمال التهريب نحو دول الخليج، وسحب عناصر “حزب الله” من اليمن ووقف التسهيلات العسكرية والمالية والإعلامية التي يوفرها للحوثيين، سواء داخل لبنان أو خارجه…

وليس من قبيل المصادفة أن يندفع قرداحي إلى الردّ سريعاً على المسعى الإماراتي، معلناً من عين التينة أنه لن يستقيل، ومردّداً في هذا المجال كلاماً مماثلاً كان أطلقه حسن نصرالله قبل أربع وعشرين ساعة فقط.

وليس من قبيل المصادفة أيضاً أن تأتي كل هذه التحرّكات وسط شدّ حبال على أكثر من جبهة، على غرار الوساطة الفاشلة التي اضطلعت بها جامعة الدول العربية لدى المسؤولين اللبنانيبن في محاولة لإصلاح ذات البين بين بيروت والخليج، وغداة موقف كويتي متشدّد في موضوع التأشيرات المقرّرة للبنانيين، وعشية المفاوضات الصعبة التي تنتظر الإيرانيبن في فيينا هذا الشهر.

ويتردّد في هذا السياق أنّ السعودية التي نعت أي تواصل مع الحكم الحالي في لبنان، تستعدّ لاتخاذ قرار مماثل، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة فور عودة منتخبها لكرة القدم من صيدا، خشية أن يتعرّض لاعبوها لأي ردّ فعل من جمهور “حزب الله” في لبنان.

لكن السؤال يبقى: من فوّض أبو ظبي فتح أبواب سوربا بعد عشر سنوات من القطيعة؟ هل هي السعودية أم الولايات المتحدة من خلف الكواليس؟ أم أنّ الأمر جاء انطلاقاً من الخط الوفاقي التقليدي الذي كان ينتهجه مؤسّس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

والجواب لا يبدو معقّداً، في وقت حملت دولة قطر على الزيارة، واستبعدت دوائر الجامعة العربية أي تطبيع وشيك مع النظام السوري، وفرمل الأردن انفتاحه على دمشق، وتجاهلت واشنطن جولة عبد الله بن زايد، مؤكدة أنّ قواتها ستبقى في سوريا ما دام “داعش” ناشطاً هناك، وفي العراق ما دام أمنه يتطلّب ذلك.

والجواب أيضاً كشف عن نفسه، في وقت عادت واشنطن إلى سلاح العقوبات في مواجهة الحوثيين الذين استولوا على سفارتها في صنعاء، واستأنفت غاراتها على قادة “القاعدة” في اليمن، وتصاعدت لهجة التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وكل من إيران و”حزب الله”، وكل من السعودية ومحور الممانعة، على الرغم ممّا تردد عن إيجابيات في المفاوضات السعودية – الإيرانية، وكل من العراق الرسمي والجمهورية الإسلامية في أعقاب محاولة الاغتيال التي تعرّض لها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وبعيداً من كل هذه التحليلات والتكهنات، لا بدّ من حقيقة دامغة وهي أنّ أبو ظبي لا يمكن أن تُقدم على خطوة كهذه من دون أرضية إيجابية ما أو ضوء أخضر ما، لا بد ان يُكشف في المدى المنظور، لكن الأمر الذي يحتاج إلى فرصة طويلة من الانتظار، فيتمثل في مدى قدرة أو رغبة أو جرأة او استعداد الأسد لدفع أثمان باهظة في مقابل السلطة، وفي مدى قدرته على صنع القرارات من دون موسكو في مكان واللاعبين الآخرين في البيئة العسكرية والعرقية والمذهبية السورية في مكان آخر.

ومهما يكن من أمر، إنها الزيارة التي جاءت وسط بحر هائج وفي مركب لا يحمل كل مقوّمات العوم القادرة على تلافي الألغام الممتدّة من إيران حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسّط، والزيارة التي لم يرحّب بها أحد باستثناء الرئيس بشار الأسد الذي رأى فيها نافذة يشتم منها نكهة السلطة، وتذكر العالم بأن ثمة حاكماً لا يزال قابعاً في قصر المهاجرين، وبأنّ الوقت حان ربما لاتخاذ واحد من ثلاثة قرارات: إما تثبيته حاكماً على غرار بابراك كارميل في زمن الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وإما “قبعه” على غرار ما أصاب مانويل نورييغا في بنما، وإما توظيفه في حرب المحاور، لكن خارج الهلال الإيراني هذه المرة.

شارك المقال