الـ”دونر”

زاهر أبو حمدة

استطاعت عبارة واحدة أن تصبح سيفاً مصلتاً: “أنتم بحاجة لنا”. هكذا تتحول المقايضة بين الـ”دونر” (Donor) أي الجهات المانحة والفلسطينيين. استغلال واضح للحاجات لتتحول إلى مقايضة معروفة التوجهات والآليات: نعطيكم أموالاً مقابل تغيير سلوككم. هكذا استنساخ لمشاريع كبرى تبدأ بالأرض مقابل السلام، الغذاء مقابل الأمن، التمويل مقابل الهدوء… إلخ. والمقصود بتغيير السلوك أنك أيها الفلسطيني عليك الالتزام بما نقرره وتبتعد عن خطاباتك الفدائية القديمة وشعارات العودة والتحرير. والتغيير المطلوب ليس فقط بالكلام إنما بالأفعال، فيُمنع عليك أن تكون في ازدواجية كما كان يفعل ياسر عرفات، حين كان يشرف على العمل المقاوم ويشجبه في الوقت عينه.

هكذا يتدخل “الدونر” بأدق التفاصيل، ويتحول إلى مراقب شؤون الموظفين ويصدر تقاريره وفقاً لمعايير وضعها تقيد الفلسطيني وتُبعده عن قضاياه الوطنية. هذا ما حصل بمنع السلطة الفلسطينية من دفع رواتب أسر الشهداء والأسرى، لتحتال الحكومة باستبدال بعض المسميات ومصادر الرواتب. والأصعب من ذلك، أن يتدخل “الدونر” في تغيير المناهج الدراسية كما تفعل الولايات المتحدة مع وكالة “الاونروا” ضمن “اتفاق الإطار” الأخير، لا بل إنها تمنع توظيف هذا وتطرد ذاك بحجج منها “معاداة السامية” وأعمال لها علاقة بالمقاومة.

وهنا يقول الباحث جيمس ليندسي، في دراسة نشرها معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” تحت عنوان “فرصة ضائعة لإعادة التمويل الأميركي للأونروا”، ان المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، تعهد بالتالي:

– الالتزام بـ “إبلاغ الولايات المتحدة عن أي انتهاكات جسيمة لمبدأ الحياد في الوقت المناسب والتعامل مع أي انتهاكات مماثلة بما يتماشى مع متطلبات إطار الحياد الخاص بها”.

– الالتزام بـ “اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان أن التمويل المقدَّم من الولايات المتحدة إلى الأونروا لا يوفر المساعدة أو الدعم بأي شكل آخر للإرهابيين أو المنظمات الإرهابية”.

– التدقيق في الموظفين والمستفيدين والمتعاقدين لدى الأونروا بناءً على “قائمة الجزاءات الموحدة لمجلس الأمن الدولي”.

– الالتزام بـ”بما يتفق مع الضمانات الإجرائية، والشروع الفوري في التحقيقات عند تلقي معلومات موثوق بها حول سوء السلوك المزعوم للموظفين/العناصر، واتخاذ الإجراءات المناسبة عند اكتشاف سوء سلوك”.

– الموافقة على تحسين “قدرة الأونروا على مراجعة الكتب المدرسية المحلية… واتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية”.

هذا فعلاً ما نشرته وزارة الخارجية الأميركية، من دون توضيح بعض التعريفات والمفاهيم، فمن هم الارهابيون؟ وهل هناك تعريف دولي للإرهاب؟ ولكن المقصود معروف، وهو المقاومة والمقاومون.

وأكثر من ذلك، يقترح ليندسي التدقيق في كشوفات “الاونروا” وموظفيها ومستفيديها ومتعاقديها وفقاً لقوائم “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة والذي كان من شأنه أن يقلل على الأقل من احتمالية استخدام الوكالة للأموال الأميركية لدعم الأشخاص الخاضعين للعقوبات”. وكذلك، اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة المحتوى غير المناسب الموجود منذ عقود في كتب “الأونروا” المدرسية – على سبيل المثال – من خلال دفع تكاليف عمليات طباعة منفصلة للكتب المدرسية المحلية، والتي تم تعديلها لتكون مناسبة للاستخدام من طلاب “الأونروا”. إضافة إلى البدء بعملية تحديد الأشخاص المدرجين على قوائم “الأونروا”، والذين يستوفون فعلياً تعريف اللاجئ وفقاً لـ”المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”. والأهم بالنسبة إلى من عمل مستشاراً قانونياً للوكالة ما بين عامي 2002 و2007، هو “الانتقال من تقديم الخدمات للاجئين على أساس الصفة إلى توفيرها على أساس الحاجة”. وهذا يعني اسقاط صفة اللاجئ عمن لا يحتاج الخدمات.

هذا مخطط سابق يعتمده المانحون لـ”أدلجة” المستفيدين، فمقابل 318 مليون دولار تنفذ “الاونروا” أجندة أميركية – إسرائيلية تتدخل في صفات الجيل الفلسطيني الجديد من خلال التدخل في المناهج التعليمية والسيطرة على الموظفين وتحويلهم إلى “أدوات لخدمتها” خوفاً من الطرد.

تتوسع مسألة “الدونر” وأهدافه الى غالبية المؤسسات الاجنبية العاملة في المخيمات ومع اللاجئين. ويجب معرفة أن الجهة المانحة لم تأتِ الى أحياء المخيمات من باب التعاطف والشفقة على حال اللاجئين ولا سيما في لبنان، إنما لديها نقاط محددة ومخطط لها. وكما يقول الأجداد: “ما في شي ببلاش غير العمى والطرش”.

شارك المقال