المغتربون على متن رحلة استرداد الدولة

هيام طوق
هيام طوق

على بُعد يومين من انتهاء مهلة تسجيل غير المقيمين أسماءهم للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، تقدّم “تكتل لبنان القوي” بطعنه في قانون الانتخابات أمام المجلس الدستوري الذي اعتبره النائب ألان عون “الملاذ الأخير، والذي سيصدر قراره خلال شهر ونحن سنحترمه”.

وفيما يعوّل المجتمع الدولي، كما الداخلي، على الاستحقاق الدستوري، علّه يحمل التغيير المطلوب في النهج السياسي الذي أوصل البلاد إلى قعر الهاوية، تعتبر أطراف سياسية أنّ اقتراع المغتربين هو مدماك أساسي وحيوي في التغيير، خصوصاً أولئك الذين هاجروا خلال السنوات القليلة الماضية هرباً من الأوضاع السياسية والمعيشية القاسية، والذين ينتمون إلى الفئة الغاضبة على الطبقة السياسية، وهم الأكثر حماسة للمساهمة في التغيير.

وبغض النظر عن قرار المجلس الدستوري، خصوصاً لجهة تقديم موعد الانتخابات وعدم الأخذ بمطلب تخصيص المغتربين بستة مقاعد نيابية، فإنّ الحملات التي تحثّ المغتربين على التسجيل تهدف للوصول إلى رقم 200 ألف مسجّل، وتعمل على أساس أنّ الانتخابات قائمة في 27 آذار المقبل، مع العلم أنّ وزير الخارجية عبدالله بوحبيب اعتبر أنّ “هناك استحالة في إنجاز الموضوع ضمن المهل الحالية”، فيما ربط وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي موضوع اقتراع المغتربين بقدرة الخارجية على تسجيل اللوائح الخاصة بهم. وفي هذا الإطار، شكا عدد كبير من المغتربين من عدم تلقيهم الرسائل التي تؤكد تسجّلهم للمشاركة في الاقتراع من الخارج، على الرغم من مرور وقت على تسجيل الأسماء.

وفيما تنتهي مهلة تسجيل غير المقيمين عند منتصف ليل 20 الجاري، يتم الحديث عن حرب ناعمة وخافتة بين مجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لرفع عدد غير المقيمين المسجّلين على منصاتهم في الخارج، إذ يسعى المجتمع المدني إلى قلب ميزان الاغتراب لمصلحته.

وللإضاءة على موضوع اقتراع المغتربين من جوانبه كافة، خصوصاً في حال قبل المجلس الطعن، تواصل “لبنان الكبير” مع المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ الذي أشار إلى أنه “لا يمكن أن يقوم لبنان إلا بجناحيه المقيم والمغترب، وهذه معادلة لا تتعلق بكمية التحويلات المالية. يجب أن ننهي هذه المقاربة النفعية. المغتربون لهم دور في دعم صمود اللبنانيين والاقتصاد اللبناني، لكن الأساس هو علاقتهم بالهوية اللبنانية وبدور لبنان ورسالته، ودورهم في المساهمة بإعادة تكوين السلطة في المرحلة المقبلة واسترداد الدولة وتحريرها من خاطفيها ومن هذا التحالف القائم بين المافيا والميليشيا. هذه السمة الأولى لأهمية مساهمة المنتشرين والمغتربين في العملية الانتخابية انطلاقاً من دور وطني لحماية هوية لبنان ودوره ورسالته”.

ولفت إلى أنّ “التسجيل كان يتم بنسب مرتفعة في الـ 15 يوماً الأخيرة بفضل عمل فاعل قام به المجتمع المدني والمجموعات المدنية في العالم للتأكيد على أنها ملتزمة إنهاء حالة الاحتلال للبنان والمساهمة في إعادة تكوين السلطة لتحرير الدولة واستردادها، متمنياً لو كان التسجيل أكبر على أمل أن تتصاعد النسب خلال اليومين المقبلين، مع الإشارة إلى أنه يجب تفكيك العلاقة بين قواعد المنظومة الموجودة في الداخل والمغتربين والمنتشرين الذين أصبحوا على علم أنه كما تعرّض اللبنانيون المقيمون إلى السرقة والنهب والتدمير المنهجي لهوية البلد، هم أيضاً تعرّضوا لهذه السرقة ولتدمير هويتهم. بهذا المعنى لا يمكن أن يكون لبنان حراً سيداً مستقلاً مزدهراً من دون أن يكون التعاون قائماً بين اللبنانيين المقيمين الأحرار والمنتشرين والمغتربين الأحرار”.

ورأى الصائغ أنّ “هناك دوراً أساسياً لتعديل موازين القوى من خلال تصويت المنتشرين والمغتربين الحرّ، لأنّ اللبنانيين المقيمين يخضعون وسيخضعون لعملية ترهيب وترغيب في حال سُمح بإجراء الانتخابات التي قد تُفخّخ إما تزويراً أو تطييراً. علينا أن ندرس بهدوء الأرقام بشكل إحصائي، إذ أنّ الكتل الحزبية المنظمة قادرة على القيام بدراسة جدّية مع مجموعات المجتمع المدني المنظمة حول تأثير هؤلاء الـ200 ألف في موازين القوى. علينا أن ننتظر بهدوء صناديق الاقتراع”.

وتابع: “هناك مرحلة ثانية بعد التسجيل هي مرحلة العمل على من تسجّلوا ليختاروا اختياراً صحيحاً. وهنا دور أساسي ليس لمخاطبة المجموعة المحرّرة، من المغتربين والمنتشرين، من الالتزام الحزبي؛ لكن مخاطبة عقل الحزبيين أيضاً ليفهموا أنهم كانوا عرضة لحالة غش من أحزابهم مما يدعوهم إلى تحكيم الضمير وانتمائهم الوطني وليس التزامهم في خدمة أحزابهم”.

وأوضح أنّ “الجو العام لدى المغتربين والمنتشرين يميل إلى أن يكونوا في حال انتخاب لكل النواب، لأن فكرة تجزئة الانتخاب وحصرها بستة مقاعد ينهي مساهمتهم العامة في تعديل موازين القوى. قد يُطوّر هذا الموضوع في المرحلة المقبلة ويذهب باتجاه أن يكون كما دول كثيرة متقدمة لديها نواب تمثلها في الخارج، لكن السؤال هنا: علامَ استند الذي كان يطرح ستة نواب لتمثيل المغتربين والمنتشرين لكي يفصلهم عن الحالة العامة؟ وماذا سيكون دورهم في المرحلة المقبلة لو تم الذهاب باتجاه انتخاب ستة نواب؟ المعركة دقيقة ولا يمكن المفاضلة بين أفضليات، والتصويت الآن لـ 128 نائباً، وعلينا الاتجاه لتعديل موازين القوى بشكل عام وإنهاء حالة الزكزكة في الطعن الذي قُدّم أمس”.

وشدّد على أنّ “هناك تضليلاً للرأي العام ومخاطبة كاذبة، إذ أنّ الطعن هو تضليل للرأي العام وهو موجة شعبوية لا تتطلي على أحد. لننتظر ماذا سيقرر المجلس الدستوري في هذا الموضوع”، مشيراً إلى أنّ “ما يجري اليوم في الاغتراب والانتشار لا يتعلق بالقانون، بل بمزاج لبناني لحماية لبنان وتحريره وإنقاذه. وإذا مدّد تاريخ الانتخاب إلى شهر أيار، فهذا جزء من معركة الرأي العام لتمديد مهلة التسجيل، وأعتقد أنه هنا سيكون الاشتباك الأساسي مع قوى المنظومة”.

واعتبر أنّ “كل لبناني سيادي شريك في هذه المعركة، وعلينا الآن التوحّد حول القضية اللبنانية، وكل كلام خارج هذا السياق هو تدميري، والرأي العام هو من سيفرز ويفصل بين من يريد لبنان ومن لا يريده”، لافتاً إلى أنّ “هناك تشاركاً في الرأي بين من سافر من فترة قصيرة وبين من سافر منذ سنوات، إذ أنّ الجميع يعتبر أنه تم اغتيال لبنان”.

وأكد أنّ “هناك تغييراً جدياً في الذهنية لدى المنتشرين والمغتربين، والمهم كيف يمكن إيجاد القوة المحلية الرافعة والمتعاونة مع المنتشرين والمغتربين في العملية الانتخابية”، مشيراً إلى أنه في سنة 2018 كان هناك 80 ألف مغترب مسجّلاً، واليوم الأرقام أكثر بكثير”.

ووجّه الصائغ كلمة إلى المنتشرين والمغتربين، قال فيها: “نحن وإياكم في معركة واحدة لإعادة الوهج للقضية اللبنانية وتحرير الهوية من خاطفيها وإعادة هيكلتها على قاعدة المصالح المشتركة، لكن في الأساس الهوية المشتركة، وهي لبنان العيش الواحد السيد الحرّ المستقل المستقر المزدهر”.

شارك المقال