إستقلال لبنان مصاب بالفيروس البرتقالي

محمد شمس الدين

إنها ذكرى الاستقلال مجددا، الذكرى التي يجب أن يفتخر بها أي بلد تعرض للاستعمار، لكن على وقع الأزمات التي يعيشها اللبنانيون، وهج الذكرى خافت جدا، فمن يمكنه أن يفرح وهو بالكاد يؤمن قوت يومه؟ أي فرح يمكن الشعور به في العتمة بسبب عدم وجود كهرباء؟ أي بهجة هي تلك التي استبدلت الدواء بالدعاء؟ وهل يتباهى اللبنانيون بوزن ربطة الخبز التي تقترب من أن تصبح رغيفا واحدا؟

كل هذا وأكثر، إضافة إلى تحول لبنان إلى صندوق بريد الرسائل الإقليمية، لا يسمح بالاحتفال بانجاز تاريخي كالاستقلال، لأن ما أصاب لبنان وما زال ينخر فيه هو أشد من استعمار، وأقسى من احتلال، والمصيبة أن مصدر مصائب البلد اليوم هي منه وفيه، من الموقع الأول في الجمهورية.

الاحتلال الفيروسي العوني

لطالما طمعت الامبراطوريات والدول بلبنان، ربما أصبحت الفكرة “كليشيه” اليوم، لكن موقعه الجغرافي كان دائما محط جذب للمحتلين، من الرومان والأشوريين والعثمانيين إلى الفرنسيين والاسرائيليين. لكن أرض هذا البلد تلفظ المحتل، لذلك مهما طال الزمان، لن يستطيع أي احتلال الصمود.

إلا أن اليوم المحتل ليس غريبا، ليس من امبراطورية، ولا من مستعمر، ولا حتى العدو الصهيوني، المحتل هو فيروس محلي الصنع، استطاع أن يقبض على البلد بالتسلل خلف دفاعات التراب الرافض لأي احتلال، هو المحتل العوني، الذي استغل التناقضات في الإقليم كي يسيطر على البلد. هذا الفيروس استطاع أن يقوم بما عجزت عنه امبراطوريات، هو فيروس أسوأ من الجيوش الرومانية والمدافع الفرنسية، بل أسوأ من صواريخ نيو جيرزي ورشقات الأباتشي، فكل القوى العسكرية تقتل جسد البلد فقط، أما الفيروس العوني فقد أصاب روحه بالصميم، فقتل السيادة، ودمر المدنية، وأحرق التعايش، وجعل من لبنان جهنم مصلحته الخاصة.

وتعرّف اللبنانيون الى مصطلحات جديدة، فأضحت كرسي الجمهورية تعطيلية، والعدالة فبركات جريصاتية، والطاقة تعبئة جيوب باسيلية، والاقتصاد سلة دعم برتقالية، بينما فقد الشعب قدرته الشرائية، وأصبح يتسول “بطاقة تموينية”.

أبو باسيل

كان العونيون يلقبون الراحل البطريرك صفير بـ”أبو سمير” لأنه كان يحب رئيس حزب القوات سمير جعجع، لكن ماذا عن أبو باسيل؟ ألم يتخطى “أبو سمير” بأشواط؟ “لعيون صهر الجنرال ما تتألف الحكومة” هذا ما اتسم به عهد ساكن قصر بعد، ولم يقتصر الأمر على الحكومات فقط، بل أصبح هو القاعدة في الحياة السياسية اللبنانية، بل حتى في الادارة والمؤسسات، فواجب أي وزير مسيحي مرشح أن يقسم الولاء للصهر في ميرنا الشالوحي قبل أن يقبل به، وأي مدير عام يجب أن ينتقيه الأخير بنفسه، أما القضاة فيتم اختيارهم في جلسات خاصة بين جريصاتي وباسيل، وإن اعترض الأطراف الآخرون في البلد، تتعطل الحكومات والمؤسسات، حتى لو كانت ذات أهمية كبرى كالأمنية والقضائية.

ولم تنتهِ الأمور هنا، بل طالت حتى مجلس النواب، حيث ينتهج الصهر المعجزة سياسة الابتزاز واللعب على حافة الوقت الضيق، فمثلا حين تم إقرار قانون الانتخابات عام ٢٠١٧، أصرّ التيار الوطني الحر على موضوع ٦ نواب للمغتربين، وكاد يفشل القانون بسبب هذا الأمر لذلك تم تمرير هذا البند كي يسري لأول مرة قانون يعتمد النسبية في لبنان.

يبرع صهر الجنرال في حرف الأنظار، يتحجج بحق المغتربين بستة نواب، على الرغم من عدم وجود عاقل في العالم يفهم لماذا يجب حصر الصوت الاغترابي بعدد معين من النواب، عدا عن المشكلة في التقسيمة الطائفية للدوائر التي ستفرض نفسها عند إقرار هذا البند. أما عن البطاقة الممغنطة فقد أعلن جميع المعنيين عدم القدرة على تنفيذها في الوقت الراهن، والأسباب معلومة بغياب التمويل، وبما أنه لا يوجد بطاقة ممغنطة لا يمكن إنشاء “الميغاسنتر” على الرغم من أهميته، ولذلك يمكن الاستنتاج أن كل المهاترات الشعبوية، والادعاءات بالتقدمية هدفها تعطيل الانتخابات من أصلها، كي يصلوا إلى الفبركات الجريصاتية بفرض تمديد عهد جهنم، أو توريث ولي العهد.

78 عاما على الاستقلال من الانتداب الفرنسي، لم تكن كاملة، لم يكن البلد بأحسن أحواله 100%، لكنه لم يصل إلى أسوأ أحواله 1000%، كما وصل في سنوات خمس من عمر العهد… وكما انتفض السيد عبد الحسين شرف الدين ورجالات الاستقلال بوجه الاستعمار، لا بد من انتفاضة مشابهة ضد الاحتلال البرتقالي، إن مرت الانتخابات بسلام، فلتكن انتفاضة في صناديق الاقتراع. أما إذا استطاع الفيروس العوني التعطيل مجددا، فلتكن في ساحة قصر الشعب، ليستطيع اللبنانيون الاحتفال باستقلالهم من الاستعمار، وبتطيهر بلدهم من الفيروس البرتقالي.

شارك المقال