الاستقلال… من عروض الوسط إلى وزارة الدفاع

نور فياض
نور فياض

يصادف يوم 22 تشرين الثاني من كل عام عيد استقلال لبنان الذي تم تحقيقه عام 1943، حين تحقّق الانتصار وتم إعلان الاستقلال التام للجمهورية اللبنانية وإعلان مدينة بيروت عاصمة لها، وذلك بعد الإفراج عن رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وعدد من النواب والوزراء الذين كانوا معتقلين من سلطات الانتداب ومحتجزين في قلعة راشيا.

ثم تشكّلت حكومة لبنان الحرّ التي ضمّت الأمير مجيد أرسلان وصبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا، واتخذت من بلدة بشامون مقرًّا لها. وصل رجال الاستقلال إلى البلدة حيث استقبلهم الأهالي في منزل المختار الشيخ ضاهر عيد، وهناك جرى البحث عن مقرّ للحكومة لا يستطيع الفرنسيون الوصول إليه. وقف الشيخ حسين الحلبي ودعاهم إلى المكوث في بيته. وعندما نبّهه الرجال إلى مدى خطورة الأمر أجابهم: “اللّي عمّرو بيعمّر غيره… المهمّ يبقى لبنان”. ومن بعدها أُعلن الاستقلال.

ويحتفل الشعب اللبناني كل عام بهذه الذكرى التي استكملت بانسحاب الدولة المنتدبة وانتصار القوات المحلية عليها بدستور وحدود محدّدين. ويتم الاحتفال عبر العروض العسكرية ورفع العلم اللبناني عالياً في الكثير من المنشآت الحكومية، وتعم الإجازة احتفالاً.

تم تنظيم أول عرض عسكري في وزارة الدفاع آنذاك في المتحف عام 1946. والحدث الأبرز الذي طبع الاحتفال مقدّماً نكهة مميزة هو وجود عنزة قُدّمت خلال الاستعداد لهذا الاستعراض من أحد الفلاحين كهدية لفوج القناصة الأول، فاقترح رئيس الفوج في حينه جوزف حرب وضعها في مقدّمة الفوج خلال العرض العسكري، وذلك طبعاً بعد إلباسها ثياباً مناسبة.

وشاركت العنزة، المعروفة بصعوبة مراسها وعنادها، في التدريبات وتقدّمت الحفل وسط تصفيق الرسميين والناس. وتكرّر هذا التقليد لسنوات بعد أن كان شعبياً يحضره النّاس ولا يقتصر على المسؤولين فقط.

توالت الاحتفالات بعيد الاستقلال على مدى سنوات، إلا أنّها توقفت في فترة الحرب أي سنة 1975، وفق المؤرخ حسان حلاق الذي أوضح لـ”لبنان الكبير” أنّ العروض الأولى بدأت من المتحف إلى كورنيش المزرعة، لتنتقل بعدها من قصقص إلى بشارة الخوري، وذلك قبل سنوات قليلة من حرب الـ1975. وتوقفت العروض ما بين 15 إلى 16 سنة ثم عادت واستؤنفت عام 1991 لتتوقّف مجدداً في سنوات كورونا.

الاحتفال الضخم كان يجري في جادة شفيق الوزان ويحضره الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى حشد من المسؤولين والديبلوماسيين، وتتخلله عروض عسكرية لمختلف أفواج وألوية الجيش إلى جانب عروض للآليات. أمّا في الظروف الصعبة التي تتزامن مع الأحداث المتشابكة التي يشهدها لبنان، وفي وقت تستمر فيه أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، يفاقمها انعدام الخدمات الأساسيّة للمواطن، وتفشي كورونا، كل ذلك أدّى الى إلغاء الاحتفالات الكبيرة. فانتقل الاحتفال إلى وزارة الدفاع ليصبح رمزياً ومقتصراً على عرض رمزيّ.

الدولة اللبنانية المتحلّلة في كلّ القطاعات لم يبقَ لها إلا الجيش الوطني الجامع، الذي هو الأمل الوحيد للشعب اللبناني، والحامي لأرض الوطن من الشمال إلى الجنوب، على أمل أن لا ينال اليأس من مؤسّسة الجيش.

شارك المقال