عون باقٍ… هل يتكرر “١٣ تشرين؟”!

أنطوني جعجع

عندما اعلن النائب ماريو عون، المعروف تقليديا بعفوية فجة، ان العهد ماض نحو التمديد، لم يكن في حال تمنٍ او مزاح، بل في حال تمهيد لم يجرؤ احد في القصر الجمهوري على تأكيده او التلميح اليه…

امس، خرج الرئيس ميشال عون من الغرف المغلقة، ليكشف انه لن يغادر القصر إذا سقطت البلاد في الفراغ، وهو امر لم يقدم عليه اي رئيس لبناني بعد انتهاء ولايته، حتى في عز الحرب اللبنانية وفي ظل الاحتلال السوري، وتحديدا الرئيسان اميل لحود وميشال سليمان، مما ادى الى فراغ مقصود لم يلق اي اعتراض او قلق او حرص وطني او شخصي من الجنرال عون الذي يجيز لنفسه اليوم ما لم يجزه لسواه في الأمس.

ومن يعرف ميشال عون، يعرف ان الفراغ بالنسبة اليه، هو المكان الذي لا يتواجد فيه او الموقع الذي لا يحتله، او المهمة التي لا يتولاها، وأن الحضور الحقيقي والشرعي والفاعل والمؤثر لا يكتمل من دونه او في غيابه.

وليس في هذا الرأي اي تجريح شخصي، بل اضاءة، من مراقبين كثر، يضعون عون في خانة الرجال “الخارقين” الذين لا يشبهون احدا ولا يشبههم أحد، وان ما يحق له لا يحق لسواه، وما يليق به لا يليق بسواه، وما ينسحب عليه لا ينسحب على الآخرين، وان التضحيات التي تبذل في سبيله هي واجب الجندي حيال بلاده وواجب المؤمن حيال خالقه.

وليس في هذا الامر أيضا، ما ينافي وقائع عدة ترتبط بمسيرة الرجل، وبمحطات عدة تثبت ان لا شيء لديه يُحال الى التقاعد، ولا شيء تنتهي مدة صلاحيته او فترة ولايته سواء كان ذلك منافيا للدساتير والاعراف والتسويات او متماهيا معها، معتبرا أن اي شيء يقع في يديه يصبح ملكا ابديا لا يسقط الا بفعل الموت او القوة العنفية، تماما كما اصابه عندما كان رئيسا للحكومة العسكرية الانتقالية.

من هنا يمكن فهم ما قصده عون في اطلالته الاخيرة التي اراد منها توجيه رسائل عدة لمن يقرأ بين السطور: الأولى ان اي انتخابات لا تحتفظ بالغالبية الحالية في مجلس النواب لن تجرى، وان اي انتخابات لا تجرى ستعني ان اي انتخابات رئاسية لن تجرى، الأمر الذي سيجعله مضطرا للبقاء في موقعه لملء الفراغ، وأهم من كل ذلك، انه ليس من الذين يتركون “فريستهم” حتى لو كانت هذه الفريسة شعبا او وطنا.

وفي اضاءة على الخلفيات الاخرى الكامنة وراء “قنبلة” عون، يتبين ان الرجل تلقى من مصادر حزب الله وبعض الاستقصاءات على الارض، تقارير شبه متطابقة تشكك في قدرة محور الممانعة على استنساخ البرلمان الحالي، وبالتالي التحكم بهوية الرئيس المقبل، وأن الأمر يحتاج الى بعض الوقت ريثما تلتقط ايران انفاسها حيال الضغوط الاسرائيلية والعربية والدولية، وذلك من خلال اسلحة دستورية وقانونية لتعطيل الانتخابات في مرحلة اولى، وربما اسلحة نارية في مرحلة ثانية اذا احتاج الامر الى توترات أمنية تجعل الانتخابات قنبلة موقوتة تنفجر بمن يدوس عليها او حتى بمن يقترب منها.

وما يجري الآن، من طعن بقرارات مجلس النواب الاخيرة لدى المجلس الدستوري، وما يحكى عن طعن رئاسي لاحق يلوح به عون، يصبان في خانة المرحلة الاولى، اي السلاح المدني، وما المح اليه في الاطلالة الاخيرة، يصب في خانة المرحلة الثانية، أي سلاح القوة والانقلاب على الدستور مستندا الى القوة النارية التي يملكها حزب الله الخائف من طوقين، طوق الحصار الاميركي – العربي في الخارج، وطوق النقمة الشعبية المتصاعدة في الداخل .

وما زاد الطين بلة في حسابات حزب الله والتيار الوطني الحر وتحديدا النائب جبران باسيل، هو الحماسة التي ابداها المغتربون حيال الانتخابات، خصوصا ان الاستقصاءات التي وردت من السفراء المقربين من العهد، كشفت ان الغالبية العظمى من هؤلاء هم من المغتربين الجدد الذين لا يزالون على تواصل مباشر مع اركان ثورة السابع عشر من تشرين، ومع المجتمع المدني، والفاعليات السيادية، مما يعني ان هؤلاء يشكلون بيضة القبان في ترجيح كفة التيار الشعبي الذي يدور في فلك مستقل لا يمكن تجييره او التحكم به.

واضافت التقارير ان معظم هؤلاء هم من الدفعات التي تركت البلاد بعد تفجير الرابع من آب، وبعد وصول البلاد الى هاوية يعتبرونها نتيجة التحالف القائم بين عهد فاسد وحزب مرتهن ساهما معا في نسف مقومات لبنان التاريخية ونقله الى وطن منبوذ او مشبوه او مرفوض او حتى ملعون.

وذهبت التقارير بعيدا الى حد القول ان الضربة التي يتوقعها حلف حزب الله – التيار الوطني الحر، ستأتي من مكان لا يملك فيه ما يمكن ان يشكل ترهيبا او ترغيبا يشبه ما يمكن ان يفعله في الداخل، وهو امر يجعله عاجزا امام موجة شعبية ناقمة مهاجرة وموجة شعبية مقيمة متراجعة، ويشكل بالنسبة اليه دعوة الى معركة غير متكافئة او غير مضمونة النتائج على الأقل.

وليس من قبيل المصادفة ان يخرج النائب محمد رعد بعد الرئيس عون، ليعلن ان اي اكثرية برلمانية جديدة لن تستطيع ان تحكم، في ما يشبه الاقرار المبكر بالهزيمة المرتقبة والتحذير المبكر أيضا من اي رهانات او محاولات لتغيير الواقع الايراني على الارض، او ما يشبه العمل لترهيب الداخل وحمله على التخلي عن اي مسار يمكن ان يحد من سلطة حزب الله وحلفائه او ان يجعله مكشوفا امام اي حملة قد يتعرض لها من الداخل والخارج معا.

وانطلاقا من هذا المشهد، يسعى حزب الله ومن خلال “العطش السلطوي” لدى ميشال عون، الى خلق ارضية تبقيه في القصر فترة اخرى كافية لرصد التطورات المحلية والاقليمية والبناء عليها، معتبرا ان اي انتكاسة في بيروت تشبه انتكاسة ايران في بغداد ستعني العد العكسي لمحور الممانعة المحاصر ايضا في طهران والملتهب في اليمن والمشرذم في دمشق.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يدرك الرئيس ميشال عون، ان الدنيا لا تدور حوله، وان التاريخ يعيد نفسه في مرات كثيرة، وان هناك اكثر من ١٣ تشرين آخر، سواء كان عسكريا او شعبيا او دستوريا، وان هناك مجتمعا دوليا يمارس اقصى الضغوط الممكنة لاجراء انتخابات نيابية تحول دون وقوع لبنان نهائيا في القبضة الايرانية.

وهل يدرك انه اخذ اكثر من فرصة لاثبات “تفوقه” في المجالات العسكرية والسياسية والقيادية ولم ينجح في أي منها، وجل ما فعله ان لبنان الذي قاده قائدا للجيش ثم وزيرا اولا ثم نائبا ثم رئيس حزب ثم رئيس تيار ثم رئيس جمهورية، لم يعد في خير، وأن هيبته وسط جمهوره لم تعد في خير، وانه، هو شخصيا، لم يعد وسط عائلته ومحيطه في خير.

ويبقى ان يعترف الرجل أيضا بأن لا شيء في عهده مر على خير، وان اي ولاية جديدة لن تعوض ما خربته ولاية الأنفاس الاخيرة، وان اي مكابرة لن تنزع عن عهده علامة السقوط الذريع في كل الامتحانات الصعبة والسهلة معا.

ويبقى ايضا ان يدرك حزب الله ان عون الغد لن يكون قادرا على اكمال ما بدأه عون الأمس، وان جبران باسيل لن يكون، في ظل ظروف كهذه، الحصان المنشود ولن يكون هو نفسه الفارس الوحيد.

شارك المقال