إردوغان بمواجهة مأزق كبير؟

حسناء بو حرفوش

مع ارتفاع دعوات المعارضة التركية لإجراء انتخابات مبكرة واستمرار تدهور الليرة مقابل الدولار، نشر موقع “فورين بوليسي” الأميركي مقالاً اعتبر أن الرئيس رجب طيب إردوغان قد يواجه مأزقاً غير مسبوق. ووفقاً للمقال، “اختبر إردوغان وحزب العدالة والتنمية بضعة شهور صعبة، فتركيا معزولة دولياً واقتصادها مستمر في التدهور عدا عن التساؤلات حول صحة إردوغان نفسه والأرقام غير المبشرة لاستطلاعات الرأي، علاوة على ترقب بعض المراقبين والمعارضة التركية لشرخ محتمل داخل الحزب الحاكم”.

ويبني حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح (حزب Iyi) وآخرون على هذه التوقعات القاتمة للدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، كما يضعون خططًا للتخلي عن رئاسة إردوغان التنفيذية وإعادة تركيا إلى نظامها الرئاسي البرلماني الهجين، علما أن ذلك قد يكون سابقاً لأوانه في ضوء القانون الذي يمنع استبعاد إردوغان. أما أخطر المآزق التي تواجه الزعيم التركي، فهو الوضع الاقتصادي المتدهور مع فقدان الليرة قيمتها مقابل الدولار (…) وصحيح أن الاقتصاد التركي تحدى الصعاب والوباء العالمي ونما بنسبة 1.8% عام 2020، إلا أن الصورة الاقتصادية العامة غير مبشرة للأتراك العاديين خصوصاً مع ارتفاع معدلات التضخم واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وإغلاق عدد من البنوك لعملياتها مع انهيار الليرة وخروج الناس إلى الشوارع للاحتجاج في أجزاء من أنقرة واسطنبول مما ينذر باتساع رقعة المظاهرات.

وسعى إردوغان أخيراً لتحسين علاقات تركيا مع جيرانها في محاولة لتعديل الكفة السياسية كما حصل عام 2020 حين عمل لإخراج تركيا من عزلتها وحسّن علاقاته الثنائية مع الحكومتين السعودية والإماراتية من خلال المكالمات الهاتفية والزيارات الديبلوماسية، على الرغم من فقدان الود الواضح. وسعى الأتراك أيضاً لتحسين علاقتهم مع (إسرائيل) لكن الثقة ليست موجودة بين الاثنين بعد اتهام سائحين (إسرائيليين) مؤخراً بالتجسس (…) ومن ثم هناك العلاقات مع مصر (…) وأوروبا حيث يقال إن الأوروبيين كانوا ليفرضوا عقوبات على تركيا بسبب مجموعة متنوعة من التجاوزات، بما في ذلك العمليات العسكرية في سوريا والتنقيب عن الغاز بالقرب من قبرص والتهديد بدفع المهاجرين نحو اليونان، لولا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

كما أن القضية الأخيرة ترتبط بالعلاقات المشحونة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ففي عام 2016، بدأ الاتحاد الأوروبي دفع الأموال لأنقرة من أجل إبقاء السوريين اليائسين في تركيا وعدم السماح لهم بشق طريقهم إلى أوروبا. وعلى الرغم من هذه الصفقة، يهدد الأتراك بشكل دوري بالسماح للسوريين وسواهم بالمرور، مما يخلق أزمة لاجئين جديدة وقد يتسبب بزعزعة الاستقرار. كما تتهم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المحاكم التركية بتحديها بشكل قد يؤدي إما إلى تعليق حقوق التصويت لتركيا في مجلس أوروبا أو إبعادها عنه.

أميركياً، لم ينتج من الصفقة حول الاجتماع الثنائي بين إردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن في قمة مجموعة العشرين، تغيير كبير في العلاقات. وبالتالي، بقيت عملية شراء ونشر منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية “أس-400” معلقة، ويدور خلاف بين واشنطن وأنقرة حول الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب في سوريا (…) وكانت القيادة التركية قد اقتنعت بأن صفقات الطائرات الجديدة من طراز “أف -16″ ستتم، لكن جواب إدارة بايدن لم يفصح عن الكثير. وليس من الواضح مدى تأثير التحسن في مكانة تركيا الدولية في مساعدة الاقتصاد التركي، خصوصا أن إردوغان لم يقدم أي مؤشر الى إعادة النظر في المشاكل الاقتصادية (…) ويلوم البعض إردوغان على المعاناة الاقتصادية، من خلال الإشارة على وجه الخصوص، لتقويضه استقلال البنك المركزي بالضغوط السياسية من أجل الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة على الرغم من المنطق الاقتصادي، مما أدى لانخفاض حاد في قيمة الليرة، وارتفاع الأسعار وضرب ميزانيات الشركات التركية التي يتعين عليها سداد القروض المقومة بالدولار.

وإلى مشكلات السياسات الخارجية المدمرة لتركيا وتحدياتها الاقتصادية، تضاف أسئلة حول صحة إردوغان الذي لم يبدُ على ما يرام أخيراً (…) عدا عن الفجوة المتنامية بين تصريحات الحكومة، ليس فقط حول صحة الرئيس لكن أيضا حول الديموقراطية والازدهار، والواقع الموضوعي (…) إذ يواصل المسؤولون الحكوميون والصحافيون تقديم روايات لا تتوافق مع ما يعيشه الناس، مما يطرح المزيد من الأسئلة حول إردوغان وقيادة الحزب، وهي أسئلة قد تؤدي إلى المزيد من الاعتقالات (…) فضلا عن التدهور التدريجي في الأرقام حول أداء إردوغان والموقف السياسي لحزب العدالة والتنمية. وهذا ما برز في الاستطلاعات الأخيرة، والتي توقعت خسارة إردوغان السباق الرئاسي أمام رئيسي بلديات أنقرة أو اسطنبول، وتوقع فوز زعيم الحزب الصالح أيضاً. وفي ظل ارتفاع آمال المعارضة (…) يصعب بطبيعة الحال تخيل أن مجموعة المشاكل التي تعانيها تركيا، وخصوصا مشاكلها الاقتصادية في حال استمرت، لن تؤثر في الآفاق الانتخابية لحزب العدالة والتنمية. وفي الوقت عينه، يصعب أيضا تخيل أن إردوغان مستعد لخسارة الانتخابات بهذه البساطة”.

المصدر: foreign policy

شارك المقال