“مار مخايل” يستحضر غدراس ويقطع الرؤوس!

أنطوني جعجع
- Advertisement -

إنه الخناق يشتد تدريجياً حول عنق إيران و”حزب الله”، وينقلهما من خانة “المرسل” الى خانة “المتلقي”، من دون ان يعني ذلك في الضرورة ان الفريقين على وشك السقوط او الاستسلام، او ان الفريق الآخر يتجه نحو نصر مضمون لا يتضمن أي خسائر او تنازلات.

ويكاد لا يختلف اثنان من متابعي الكباش الايراني – الدولي والاقليمي، على ان ايران ليست بالقوة التي توحي بها، وان وضعها في الداخل المأزوم ليس افضل حالاً من الخارج المتأهب، وأن “حزب الله” لم يعد ذاك “الفاتح” الذي اعاد الى العرب والمسلمين امجادا غابرة، ولا ذاك التنظيم القادر على الانفلاش حيث يشاء وكيفما يشاء من دون مراقبة لصيقة أو محاسبة مباشرة.

ويرى هؤلاء المتابعون أيضاً ان ايران لم تعد قادرة على حمل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة في جيبها والتوجه بحمولتها الى فيينا، وان “حزب الله” لم يعد في وضع يسمح له بلعب دور “المنقذ” او “الرافد” او “الممول” في وقت اقدمت نحو ستين دولة على تفكيك خلاياه الأمنية والمالية والتعبوية وطرد مفاتيحه العقائدية التي تساهم في تشكيل جسور تواصل بين أقبية الضاحية ومخازن الغرب.

وفي قراءة خاطفة للمشهد العام في الخريطة الايرانية، نجد ان طهران ارخت قبضتها في العراق بعد انتقال الغالبية النيابية من يدها الى أنصار مقتدى الصدر وعلي السيستاني، وفشلت في اسقاط جبهة مأرب في اليمن، وعجزت عن تثبيت موقع قدم آمن في سوريا، وعن تحويل صواريخ غزة ورقة ضغط فاعل على المجتمع العسكري الاسرائيلي، وبدأت في لبنان مرحلة مواجهة مباشرة ودقيقة مع كل من الولايات المتحدة والغالبية العربية، ومع المعارضة الشعبية المتراكمة عشية انتخابات نيابية لا تحمل في طياتها ما يبشر بعهد جديد لمحور الممانعة في المعادلة اللبنانية.

ولا يعني هذا العرض القاتم ان ايران و”حزب الله” يتجهان الى التسليم حكماً بما يملى عليهما او الاستسلام لما يعرض عليهما، بل يعني ان هناك ما يشبه العد العكسي الذي بدأ يطل برأسه في الارتباكات الايرانية حيال التشدد الاميركي المستجد والتهديدات الاسرائيلية المتراكمة، وفي إطلالات حسن نصرالله الذي انتقل من سياسة الحروب الكبرى الى سياسة الزواريب الصغرى.

ويدرك “حزب الله”، انه بات امام عهد جديد من التحديات، وان ما كان فاعلاً ومؤثراً في الأمس، لم يعد كذلك اليوم، وان ما كان لزوم ما لا يلزم في الامس لم يعد عملاً عابراً اليوم يمكن الاستخفاف به او التغاضي عنه. والواقع ان حسن نصرالله، الذي يراقب جيداً ما تواجهه ايران من ضغوط وتحديات واستحقاقات، كشف ما يضمره في الخفاء، بعدما عجز الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر، عن الحلول محله في مقاربة الملفات المسيحية المحرجة، وعن الاحتفاظ بالغالبية التي كانت تغطي استراتيجيته العقائدية والعسكرية، وانطلق في حملة شعواء لا توفر أحداً ولا تساير أحداً، في محاولة منه للإمساك بمفاصل اللعبة السياسية والأمنية قبل ان تفلت من بين يديه.

والواقع ايضا، ان نصرالله يدرك انه لم يعد تلك الشخصية الجذابة الخالية من اي شوائب او عيوب ، وان السحر الذي كان يصطاد به القسم الكبير من الرأي العام المسيحي قد انقلب عليه لا سيما بعد تفجير الرابع من آب. ومن يراقب نصرالله هذه الايام يدرك ان الرجل، ينشط على جبهتين:

– نسف التحقيق في مجزرة المرفأ علناً ومجاهرة وبأي ثمن ومن دون اي مراعاة لمشاعر أهل الضحايا، ومن دون اي اعتبار للجسم القضائي في لبنان.

– السعي لخوض الانتخابات النيابية المقبلة بطريقة تضمن له ولحلفائه الغالبية التي تضخ المزيد من الاوكسيجين في مشروعه الأكبر، الا وهو السيطرة تماما على كل مفاصل الدولة والالتحاق بالهلال الايراني بالوسائل الديبلوماسية والسياسية ومن دون ضربة كف.

وهنا يمكن الإضاءة على سلاحين في ترسانة نصرالله، الاول الوصول الى صناديق الاقتراع من دون طارق البيطار وما يمكن ان يكشفه من اسرار لا يهضمها الحزب، والثاني إبقاء السيف مصلتاً على رأس سمير جعجع من خلال تحريك ملف الطيونة ومواصلة التحريض على القوات اللبنانية التي تتقدم في ما يبدو على سواها في عدد من المناطق المسيحية الى جانب المجتمع المدني الذي يتجه الى تحقيق نتائج قد تقلب التوازنات اللبنانية رأساً على عقب.

والاخطر في كل ذلك، تركيز نصرالله على اختباء عناصر من حزب “القوات اللبنانية” في معراب، في إشارة توحي بوجود اتجاه لتكرار تجربة غدراس عام 1994، وهي التجربة التي انتهت باقتحام قلعة “القوات اللبنانية” واعتقال سمير جعجع.

ويتّبع نصرالله في هذه الجولة، الاستراتيجية عينها التي اتّبعها الرئيس الراحل حافظ الأسد، أي تكديس الملفات واتخاذ قرار خلف الكواليس وتكليف الاجهزة الامنية اللبنانية تنفيذه تماما كم حدث في عملية الانقضاض على جعجع ومعقله قبل ربع قرن.

وهنا لا بد من سؤالين: هل يخضع القضاء لضغوط نصرالله بحيث يصدر من القرارات والاستنابات ما يكفي لملاحقة جعجع، او ما يطيح البيطار ويرمي ملف المرفأ في البحر؟ وهل يخضع الجيش اللبناني لأوامر نصرالله، بحيث يحرك دباباته في اتجاه معراب؟ وهل ينصاع جعجع لمن يتقدم منه لسوقه الى التحقيق؟ وهل يكتفي عناصره بالتفرج على ما يجري كما فعلوا في السابق؟

حتى الآن ، لا تبدو رغبات نصرالله اوامر الزامية، في ظل وجود ضغوط اميركية – دولية معاكسة، ولا يبدو التيار الوطني الحر في موقع شعبي مريح يوفر له غطاء يعتد به في الحملة على البيطار، او في الحملة العسكرية “المأمولة” على معراب، في وقت بدأ الرأي العام المسيحي والسني يسأل “حزب الله” عن قتلة رفيق الحريري، ويسأل العهد عما اصاب لبنان من انهيارات ونكسات، ويتجه على الارجح مع وليد جنبلاط الى صناديق الاقتراع تحت عنوان: استعادة المبادرة ولملمة ما تبقى من زخم “الرابع عشر من آذار”.

شيء واحد لا يزال في قبضة نصرالله، وهو قرار المغامرة الذي يشبه ما سبق حرب تموز و”السابع من ايار”، فهل يقدم هذه المرة على عمل انتحاري يخرج منه غالبا او مغلوبا، وهل يدخل انتشاره العسكري في عيون السيمان في اطار التلويح بغزو ما او الاستعداد لتنفيذه في ساعة الصفر؟

في الانتظار، ها هو “حزب الله” يتصالح مع عرب خلدة من باب تقليص أعداد الأعداء، ويعدّ العدة لفك “زواج القوة” مع نبيه بري الرافض لأي عملية تأتي بجبران باسيل رئيساً للجمهورية، واخراج سمير جعجع من المعادلة السياسية، وطارق البيطار من المعادلة القضائية، والذهاب الى صناديق الاقتراع خالياً من اي حمولة زائدة تضاف الى خياراته التي اخرجت لبنان من الخريطة العربية والدولية وحولته الى دولة فاشلة غير معلنة.

وليس من قبيل المصادفة أن يخرج باسيل فجأة ليدافع عن “حزب الله”، قبل اسابيع من الانتخابات النيابية المصيرية، نافياً ان يكون لبنان تحت الاحتلال الايراني، في موقف يقوم على حصد الاصوات الانتخابية الشيعية في جبيل وبعبدا وجزين والبقاع في مقابل تنشيط الغطاء المسيحي المنسدل تدريجياً.

وليس من قبيل المصادفة ايضا ان يتمظهر نوع من توزيع الأدوار بين الفريقين يتولى فيه “حزب الله” مسألة الانقضاض على جعجع ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، وسحبهما من دائرة المرشحين الرئاسيين، على ان يتولى باسيل الانقضاض على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وسحبه من الدائرة عينها.

انه في اختصار اتكاء أعرج على اعرج مماثل في وقت لا يتوقع المراقبون تصاعد الدخان الابيض من أروقة فيينا، وفي وقت لم تعد طرق الممانعة معبدة كما كانت الحال يوم أظهر ميشال عون نفسه “قديساً” وحسن نصرالله “إماماً”.

شارك المقال