طرابلس لن تنتفض بعد اليوم إلا إذا…

إسراء ديب
إسراء ديب

بعد دعوات أطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشارع بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، لم يُشارك الطرابلسيون في هذه الاحتجاجات التي أدّت إلى قطع العديد من الطرق الرئيسية والفرعية في المدينة، مما أثار موجة واسعة من الانتقادات اللاذعة التي طالت أهالي الفيحاء من الناشطين الذين كانوا قد استعدّوا ليوم طويل تعبيرًا عن غضبهم، بخاصّة بعد وضع مكبّرات الصوت في ساحة النور، متسائلين عن السبب الذي يدفع فقراء المدينة إلى التزام الصمت في ظلّ كلّ هذه الصعوبات التي طالت المواطنين اللبنانيين من دون استثناء.

لا يُمكن مقارنة وضع المدينة اليوم بما كان عليه منذ عامين أيّ منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، فكلّ الظروف التي طرأت على البلاد في هذه الفترة الزمنية القصيرة كانت كفيلة بتحويل المدينة من جديد إلى مدينة أشباح بلا روح ولا هدف، وقد حاولت مرارًا الخروج من هذه “الهالة” والمسؤولية التي سُلّمت لها بعد إعطائها لقب “عروس الثورة” كثيرًا لكن بلا جدوى، فالمدينة التي قُمع كثير من أبنائها عند كلّ محاولة قاموا بها لإعادة إحياء الاحتجاجات من جديد، كانت تُقابلها تدخل أفراد عاثوا في المدينة تدميرًا وتهميشًا عُرفت بما يُسمّى بـ “أحداث طرابلس”، ولا سيما أنّ كلّ محاولة جديدة لتدمير مرفق أو مؤسسة من مؤسسات طرابلس الحكومية، كانت تزيد من حدّة تهميش أو انعزال طرابلس عن الدّولة التي استبعدتها أساسًا. كما أنّ مشاركة الكثير من شبان المدينة في احتجاجات عدّة خارجها، والتي كانت تُؤدّي إلى وقوع اشتباكات مع القوى الأمنية، أوقعتهم في “شباك” من الاتهامات تربط وجودهم باندلاع هذه المشاكل وأنّ أيّ تصرف غير قانونيّ، يُمكن إلصاقه وبكلّ سهولة بأهالي طرابلس، مما دفعهم إلى الابتعاد عن هذه الأجواء في الآونة الأخيرة.

احتجاجات ضدّ الحكومة قريبًا؟

يُمكن القول، إنّه بعد تشكيل حكومة “الإنقاذ” وما تُواجهه من تعطيل مقصود لأعمالها (لا سيما في ما يتعلّق بانفجار مرفأ بيروت والقاضي طارق البيطار)، لم تتمكّن من إيجاد مخرج للأزمات التي يُواجهها المواطن اللبناني، مما يضعها أيضًا في واجهة الاحتجاجات، إذ يُجمع الناشطون على أنّ الحكومة لم تتمكّن من القيام بمهامها، وأنّها اتخذت قرارات عدّة تزيد الوضع سوءًا، لكن تستبعد مصادر سياسية حصول احتجاجات كبرى ضدّ الحكومة في الوقت الحالي في طرابلس، إلّا إذا قرّرت بعض التيّارات السياسية المشاركة ودفع مناصريها إلى الشارع.

وتُؤكّد هذه المصادر لـ”لبنان الكبير” أنّ أيّ صراع جديد في طرابلس ومهما كان نوعه، لن يكون من السهل تفادي تداعياته وانعكاساته الخطيرة، وذلك بسبب عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية شمالًا، وهي غالبًا ما تدخل في صراعات وخلافات سياسية، كما بسبب بطء مؤسسات الدّولة في اتخاذ القرارات الحكومية المرتبطة بالمدينة، مما قد يضع طرابلس تحت رحمة المسلّحين الخارجين عن القانون…”.

التأقلم سيّد الموقف

يقول أحد الثوار لـ”لبنان الكبير”: “بعد ثورة 17 تشرين، لجأ آلاف الشماليين إلى ساحة النور، لكن في الساعات الأخيرة لم نتمكّن من رؤية 100 شخص في الساحات مما يُؤكّد أنّ ضمير الشعب انتقل إلى عالمٍ آخر، قد يكون عالماً من الملل، أو عالم الخوف من الثوار”.

ويصف هذا الثائر الخوف والقلق من الثوار بأنّه “قلّة عقل” واعتياد على “الابتلاء” من دون أدنى حس بالمسؤولية. ويُضيف: “اعتادت النّاس على الضغوط التي فرضت عليهم، للأسف كانت طرابلس المدينة الأولى التي تلجأ للشارع عند غلاء كيس الطحين أو الأرز، لكن ما يحدث لا يمتّ لطرابلس وأهلها الشرفاء بصلة، أمّا من يخاف من الثوار فهو محقّ بسبب كثرة الأقاويل إعلاميًا وشعبيًا، لكن الهدف الرئيسي الذي يستهدفه الثائر هو الاحتجاج ضدّ السلطة، وهو ما يُمكن أن يجمعه مع كلّ الشرفاء”.

ووفق بعض المرجعيات الشعبية، فإنّه لم يعد يحمل أي من الطرابلسيين الطاقة عينها التي سبق أن فجّروها في احتجاجات سابقة، كما ترى مراجع أخرى أنّ الاحتجاجات لن تُغيّر المسار الذي اتخذته السلطات والأحزاب الحاكمة التي يرونها أنّها ترغب في تدمير لبنان ومؤسساته لتتحكّم به أكثر، “وحين تتّبع بعض الجهات في طرابلس توجهات وأجندات سياسية مختلفة عن طبيعة هذه المدينة، ستكون النتيجة إحداث الخراب، أمّا حين يُعبّر كلّ مواطن عن ألمه، فلا يُلام على حرق إطار من هنا وقطع طريق من هناك، لأنّه يرى أنّ هذه الوسيلة هي الأنسب لإيصال صوته”، وفق أحد المراجع لـ”لبنان الكبير”.

شارك المقال