عون وميقاتي يتداولان “حلولاً مغلقة” بفعل الفيتو “الميثاقي” الشيعي

رواند بو ضرغم

صعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خالي الوفاض من الحلول إلى قصر بعبدا، فاستقبله رئيس الجمهورية ميشال عون مستمعاً منه إلى أنّ كل محاولاته لتقريب وجهات النظر أو لتدوير الزوايا باءت بالفشل.

اشتكى ميقاتي لعون رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري كل الطروحات المتعلقة بحضور الوزراء الشيعة الجلسة، ما لم يتمّ التوصّل إلى حل قضية الصلاحية العائدة لمجلس النواب في محاكمة الرؤساء والوزراء عبر مجلسه الأعلى. أبواب الحلول المغلقة، أعادت اقتراح إنشاء الهيئة الاتهامية للمحقق العدلي عبر إقرار قانون خاص بإنشائها في مجلس النواب، إلا أنّ هذا الطرح جوبه برفض قاطع من الرئيس بري.

فكرة هذه الهيئة مبنية على قاعدة أنّ على رأس كل قاضي تحقيق هيئة اتهامية تنظر بقراراته في القضايا العادية. أما في قضية المحقق العدلي طارق بيطار، فجرى اقتراح إنشاء هيئة اتهامية حتى لا يبقى حاكماً بأمره ولتنظر بقراراته فتوافق عليها أو ترفضها، إلا أنّ هذه الخطوة غير منصوص عنها بالدستور ولا بالقانون، لذلك تتطلّب تعديلاً قانونياً لإنشائها. لذلك رفضها الرئيس بري حتى لا يُقحم مجلس النواب في آتون اتهامه بحماية الوزراء المدّعى عليهم، والأهم من ذلك لأنه مقتنع بصلاحية المجلس في محاكمة الرؤساء والوزراء، كما أنّ الرئيسين عون وميقاتي قالا له أنهما مقتنعان أيضاً. فكل ما يدعو إليه رئيس المجلس هو احترام الدستور وتطبيق القانون من دون أي اجتهادات ولا فتاوى أو التفاف، من خلال استحضار هيئة فوق المحقق العدلي لتقول أن لا صلاحية له في التحقيق مع الرؤساء والوزراء، في حين أنّ الطريق الأسهل والأسلم هو أن يقول المسؤولون عنه لهذا القاضي أنه يخالف الدستور والقانون.

وعلى الرغم من أنّ الرئيسين عون وميقاتي مقتنعان في مطالعة الرئيس بري الدستورية حول الصلاحية، وخصوصاً أنّ الوزراء يلاحقون على خلفية إجراءات كان يجب أن يتّخذوها  كوزراء، وهذا يعني من ضمن عملهم الوزاري وليس لإفادتهم الشخصية، وبالتالي ليس هناك جرم خارج عن إطار الوظيفة، وعليه يعود أمر محاكمتهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء… إلا أنّ وجهة نظر الرئيسين عون وميقاتي أنّ الحل يجب أن يأتي من السلطة القضائية لا السياسية، عملاً بمبدأ فصل السلطات… وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن الركون إلى السلطة القضائية المتّهمة أصلاً جراء تصرفات رئيسها القاضي سهيل عبود بأنها تسعى إلى “غاية في نفس يعقوب” لتوريط السياسيين بناءً على توجيهات خارجية، لاستخدام هذا الملف في الانتخابات النيابية المقبلة.

وفق معلومات موقع “لبنان الكبير”، فإنّ الفرنسيين يقومون باتصالات حثيثة مع الجهة اللبنانية، وذلك استباقاً للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ويطلب الفرنسيون من السلطة السياسية اللبنانية انعقاد مجلس الوزراء لحل أزمة الوزير جورج قرداحي، إلا أنّ استقالته لا تزال بعيدة المنال، والأطراف السياسية الثلاثة الداعمة له (“حزب الله” وحركة “أمل” و”المردة”) مستمرة في إعطائه حرية الاستقالة أو عدمها، ولا يزال قرداحي يردد تساؤله: لماذا أتقدّم باستقالتي طالما أنّ الدولة اللبنانية لن تستفيد منها، ولا مصلحة للبنان من تقديمها؟ ويغمز الجميع من قناة “حزب الله” بإبقائه على موقفه.

في المحصّلة، لا دعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء تفادياً لمقاطعة الثنائي الشيعي لها، ولا دعوة أيضاً لمجلس الوزراء لحلّ الأزمة الديبلوماسية مع الخليج من خلال استقالة قرداحي. ولكن وصل إلى الثنائي الشيعي جوٌ سياسي يقول إنّ الرئيس ميقاتي سيدعو إلى جلسة تُعقد الأسبوع المقبل بموافقة ضمنية من الرئيس عون، وهنا تسأل مصادر شيعية مطلعة: إلى أي مدى ستنجح هذه الجلسة في ظل مقاطعة الثنائي الشيعي؟ وهل الهدف منها فقط الدعوة إلى إقالة قرداحي؟ والأهم من كل ذلك، هل يقبل رئيس الجمهورية أن يسير في الجلسة من دون موافقة حليفه “حزب الله” وبغياب المكوّن الشيعي منها؟ وهو الوحيد الذي أقسم على احترام الدستور وصونه! فهل إن غياب مكوّن وطني متمثلاً بالطائفة الشيعية عن جلسة مجلس الوزراء تراعي الميثاقية؟ وهل هكذا يحافظ عون على الدستور؟ إنّ غداً لناظره قريب، ولا ريب في أن تتكرر تجربة الرئيس فؤاد السنيورة بأن تعقد الحكومة من دون الطائفة الشيعية، ولكن هذه المرة في عهد الرئيسين عون وميقاتي!

إلا أنّ الواقعية السياسية التي يتمتّع بها المكوّن الشيعي، تؤكد أنه حتى لو اتُخذت هذه الخطوة اللاميثاقية، وعُقدت جلسة على الرغم من غيابه عنها، فهذا الموضوع لن يؤدّي إلى ردّ فعل قاسية على شاكلة استقالتهم من الحكومة، ولكن معركتهم مستمرة وستبقى مفتوحة لفرض احترام الدستور على منتهكيه، وموقفهم ثابت من عدم حضور أي جلسة إلا بعد اتباع المسار الدستوري في قضية انفجار المرفأ… ولكن الثنائي الشيعي يفسّر إعلان الرئيس ميقاتي عن تريّثه في الدعوة إلى عقد جلسة للمجلس، على أنه حريص على أن لا يُقدم على هذه الخطوة بوجه “حزب الله” تحديداً.

أما مصادر بعبدا فتقول لموقع “لبنان الكبير” إنّ الاتجاه إلى استقالة قرداحي أصبح جدياً، إنما أزمة القاضي بيطار والمقايضات، لا الرئيس ميقاتي في مثل هذا الجو، ولا الرئيس عون أيضاً، والأنظار كلها متّجهة إلى مجلس النواب بانتظار المسار الذي سيتبعه في موضوع لجنة التحقيق وما يسبقها حكماً من عريضة الاتهام وفق الأصول. وتقول هذه المصادر المقرّبة من الرئيس عون إنه من غير المعروف حتى هذه اللحظة ما إذا كان مجلس النواب سوف يُقدم على ذلك بتأمين النصاب والأكثرية المطلوبين. أما ما يراه قصر بعبدا فهو أنّ الأحكام القضائية التي صدرت تُثبت أكثر فأكثر وجود بيطار وتحفظ موقعه، إلا أنّ جلسة مجلس الوزراء لا تزال أمامها عقبات، تحديداً عقبة المحقق العدلي والملاحقات. وختم مصدر بعبدا سائلاً: هل يُقدم مجلس النواب على الملاحقة؟ وهل يُنشئ ما يسمى الصلاحية المزاحمة وفقاً للمادة 70 من الدستور، فهنا لا نزال في المنطقة الرمادية!

شارك المقال