طعن بالاحتلال

زاهر أبو حمدة

صباح غائم. إنها الذكرى الـ34 لانتفاضة الحجارة (1987 – 1994). فتاة فلسطينية لم تكمل عامها الـ15، تطعن مستوطنة وتفر من حي الشيخ جراح المقدسي. اسمها نفوذ جاد عارف. عائلتها من ضمن المهددين بالتهجير من بيوتهم في الحي الأشهر حالياً في العاصمة المقدسة. ضربت بسكينها المنظومة الأمنية وانسحبت من المكان قبل اعتقالها. في هذه العملية، يجب تفنيد ملاحظتين أساسيتين: سن المنفذة وواقع عائلتها ومكان اقامتها.

في عمرها، يذهب الفتيان والفتيات إلى المدرسة وأحلامهم ككل أطفال العالم. لكن مكان الولادة والإقامة يضطلع بالدور الأبرز في تكوين الشخصية وتحويل الدوافع الى وقائع. غيرها من الأطفال لديهم هوايات مفضلة وطموحات تعليمية وربما فارس أحلام يزور خلدها كأي فتاة تدخل مراهقتها بكامل أنوثتها. لكنها قررت الرد على تهجير عائلتها والتنكيل بأصدقائها وتدنيس مقدساتها. لم يعد لديها خيارات سوى المواجهة ومهما كانت التكاليف والنتائج. هكذا فعل لا يكون عبثياً إنما في قيمته رفض صريح للاحتلال وشرطته وجيشه ومستوطنيه. هي كانت تعرف أنها ربما تفارق الحياة أو تقضي أجمل سنوات عمرها في الزنازين، ومع ذلك اتخذت قرارها ونفذته. هذا ليس “طيش شباب” إنما حكمة مُجرب وثقة فردية تنزع الانانية نحو تكامل الجماعة.

صحيح أن المقاومة عمل جماعي يجمع قطاعات عديدة، إلا أن العمليات الفردية تعبير ضمني لرفض الواقع بأشكاله كافة. هذا رفض للاحتلال وكذلك رفض للسبات الشعبي ومحاولات تثبيت الأمر الواقع في الضفة والقدس. حين تعجز الأجنحة العسكرية تتقدم فتاة لتغير الوعي العام. والأهم أن العمليات الفردية تجعل المُحتلين في قلق دائم، فكيف يمكن التعرّف إلى نية شخص ما قرّر وحده تنفيذ عملية؟ وحتى الان لم يستطع الاحتلال الدخول إلى النوايا ليتصرف على أساسها، إنما فرص أن تحصل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على معلومات حول خطط التنظيمات أكبر، مما يسهل مهمة إحباطها. لذلك تكمن أهمية العمليات الفدائية الفردية، في إرباك أجهزة مخابرات الاحتلال، لا سيما وأن عامل المفاجأة حاضر من دون الوصول إلى معلومات مسبقة ليتوقعها. هكذا تستمر جذوة المقاومة على الرغم من كل محاولات قمعها واخمادها. وبالتالي عملية الطعن ليس مفعولها قتل مستوطن أو جندي، إنما الطعن بالاحتلال وسياسته وأجهزته وأهدافه ومشروعه كله.

شارك المقال