القومية تشتعل تحت الرماد والديموقراطية في ورطة

حسناء بو حرفوش

تشتعل نار القومية العرقية يوماً بعد يوم تحت الرماد من سراييفو إلى واشنطن لتهدد الديموقراطية في العالم أكثر فأكثر، بحسب قراءة في موقع “بوليتيكو” الأميركي، في إشارة للمخاوف المتزايدة من غرق البوسنة وحتى دول البلقان من أعضاء الناتو في اضطرابات جديدة.

ووفقاً للقراءة، “عادة ما تغرق مدينة سراييفو التي تقع في واد بين الجبال، في هذا الوقت من العام بالضباب الدخاني الذي يعيق الرؤية في العاصمة ويستدعي إغلاق المطار والتحذير من القيادة بعد حلول الظلام وبقاء السكان داخل منازلهم (…) لكن هذا العام، لم يقف الضباب الدخاني عائقا أمام تنقلات مجموعة من المبعوثين الأجانب ذهابا وإيابا إلى المدينة، خصوصاً في ظل المخاوف المتزايدة من أن الأزمة السياسية التي طالت البوسنة، بسبب الهيكل المؤسسي المنهك في البلاد واستمرار النزعة القومية العدوانية، قد تؤدي إلى تفككها أو إلى وقوع حرب. ويحاول المبعوثون التفكير مع مواطني البوسنة وتأجيل مشاجراتهم الصغيرة حتى حلول الدورة الانتخابية التالية في المراكز الحضرية في العالم.

ومع ذلك، يدرك جميع هؤلاء الممثلين حق المعرفة أن البوسنة ليست الوحيدة التي تعاني من هذه المشاكل، بل إن الجمر يشتعل في جميع أنحاء البلقان، وقد ارتفعت حدة التوترات في الجبل الأسود (مونتينيغرو) ومقدونيا، أحدث عضوين في الناتو، بينما صربيا وكوسوفو أبعد ما يكون عن اتفاق حول الوضع السيادي لهذه الأخيرة. وحتى دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، كسلوفينيا وكرواتيا ورومانيا وبلغاريا، وبطبيعة الحال، المجر، تتخلى بشكل متزايد عن التظاهر بالشراكة الديموقراطية الوثيقة التي تبحث بروكسل وواشنطن عنها في المنطقة.

غليان قومي عالمي؟

وأثناء وجودهم في سراييفو، يتأهب المبعوثون خشية المزيد من التوترات في البلقان التي تسببت بالفعل بنظرهم بما يكفي من المتاعب للعالم المتحضر. لكن البلقان ليست أصل المشاكل الحالية في العالم. فجمر الدعوات العرقية والعنصرية للقومية يشتعل في القاع مهدداً الديموقراطيات في كل مكان. وهذا لا يستثني الدول التي تتجمع اليوم تقريبًا في قمة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى تحت مظلة الشعار الديموقراطي، حيث سيلقي المشاركون الذين يمثلون 100 نظام ديموقراطي خطبًا يمكن التنبؤ بها في الغالب حول “أسوأ أشكال الحكومة والحاجة إلى الحوار وإلى أن يستمع الحلفاء الديموقراطيون إلى بعضهم البعض”.

وكان من المفترض أن تمثل القمة التي أقرها مديرو حملة بايدن الرئاسية في وقت مبكر من أجل الديموقراطية، مهمة آمنة نسبياً. فقد اتفق الجمهوريون والديموقراطيون في السابق على ضرورة عمل الدول الديموقراطية معًا لتوفير المنافع العامة الدولية. وأعرب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ووزراء الخارجية مادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون بالإضافة إلى السيناتور جون ماكين عن اهتمامهم بـ “رابطة” أو “مجتمع” ديموقراطيات مماثل، تماماً كالذي دعا إليه بعض مستشاري السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما. حتى إن السيناتور بيرني ساندرز دافع عن “حركة ديموقراطية عالمية”.

ومع ذلك، تواجه قمة بايدن حاليا انتقادات عدة، ولا سيما في ما يتعلق بالجهات المدعوة فالبوسنة والهرسك ليست مدرجة على قائمة المشاركين في القمة. وهذا يعني أنها الدولة الوحيدة في غرب البلقان التي استبعدت من القائمة، بينما حظيت دول مثل صربيا وكرواتيا التي حاربت بشدة من أجل الفصل العنصري في البوسنة بترحيب حار. ربما سيروي مندوبوهم، إلى جانب مندوبي بولندا والفيليبين ما تعنيه الديموقراطية حقاً بالنسبة إليهم.

إلى ذلك، يعاني مضيف القمة بشكل حاسم، من الكثير من المشاكل في الداخل. ففي النهاية، تنعقد القمة وتتجمع الدول المدعوة في وقت ينقسم فيه اليمين الأميركي نفسه بشدة حول فوائد الديموقراطية الليبرالية. ويعتقد العديد من المحافظين أن الهوية القومية الأميركية متعددة الأعراق والثقافات هي مجرد وهم يجب تبديده وأن الدستور عقبة يجب التغلب عليها.

وفي مواجهة المد العالمي المتصاعد للاستبداد، يعتمد بايدن النهج التكتيكي المعتاد، أي تجنب المواجهة من أجل الوحدة الظاهرية. هذا نهج ليس خاطئا من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إنه يأتي أيضاً بنتائج عكسية من الناحية السياسية. وما لم يغير بايدن من مساره ويفهم أنه يخوض في الحقيقة معركة لإبقاء الحكم الديموقراطي بين يديه، فإن قمته الثانية من أجل الديموقراطية ستنعقد في بيئة أكثر تحديًا، سواء في الداخل أو في أي مكان ثان.

لقد توافرت لدى الولايات المتحدة وأوروبا قبل 30 عامًا، فرصة لمنع ثم وقف الحرب في يوغوسلافيا والبوسنة والهرسك. لكنهما اختارتا الاحتواء الملائم بدلاً من ذلك، وكان الثمن حينها الإبادة الجماعية. في حال تهتم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فعلا بالديموقراطية وبمستقبلهما، عليهما أن تدركا أن العالم مهيأ لصراع كبير… صراع تعلمت شعوب البلقان، الغارقة بأوهام الديموقراطية الأبدية، الاعتراف بنشوبه، قبل الديبلوماسيين الغربيين المتميزين باحتواء الصراع بوقت طويل. وفي حال أرادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجميع المستعدين للإشادة بالديموقراطية من ضمن الجمهور المختار من الرئيس بايدن ومستشاريه، إظهار جديتهم في هذا السعي على الإطلاق، عليهم دعم القوى الديموقراطية التقدمية بقوة بدءا من الولايات المتحدة والبوسنة وفي كل مكان في هذه المعمورة لأن الساعة تدق والوقت ليس لمصلحة أحد”.

شارك المقال