ترحيبٌ فلسطينيّ بقرار وزير العمل: توّاقون للحرية ولا للتوطين

إسراء ديب
إسراء ديب

يُبدي سكّان المخيّمات الفلسطينية التي يبلغ عددها 12 مخيمًا في لبنان والفصائل الفلسطينية، ترحيبًا وفرحًا كبيرًا بقرار وزير العمل مصطفى بيرم الذي أثار الجدل وقسم الرأي العام اللبنانيّ بين مؤيّد ومعارض على ملف لم يتفق اللبنانيون عليه يومًا لأسباب مختلفة، قد تكون طائفية وانتخابية أحيانًا خوفًا من “التوطين”، أو مرتبطة بصورة الفلسطينيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين السبعينات والثمانينات… وغيرها من الأسباب التي ترى أنّ هذا القرار غير ملائم في الفترة الحالية التي يواجه فيها اللبنانيون نسبًا مرتفعة من البطالة وهجرة الأدمغة.

وكان وزير العمل أصدر منذ أيّام قرارًا يسمح للاجئين الفلسطينيين بمزاولة المهن المحصورة باللبنانيين فقط، إذ يسمح هذا القرار للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، والمسجلّين بشكلٍ رسمي في سجلات وزارة الداخلية والبلديات العمل في مهنٍ كانت محظورة عليهم مسبقًا، بعد منع آلاف الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان منذ النكبة الفلسطينية، من العمل في 72 مهنة.

ويمكن القول، أنّ هذا القرار قانونيًا، وما زال يحتاج إلى تفصيل أكثر ودراسة لتُقارن بين النقص الذي تواجهه السوق اللبنانية وما تحتاجه سوق العمل فعليًا، وعلى الرغم من اتفاق القوى السياسية عمومًا على رفض التوطين، رأت بعض الأطراف السياسية في البلاد أنّ خطوة الوزير كانت “توطينًا مقنّعًا” وتعدٍّ على القانون اللبناني، بينما يرى الفلسطينيون بكلّ فعالياتهم أنّ هذا القرار يجب أن يرافقه تقديم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهم، لتنفيس حجم الغضب والخوف لدى هذه الفئة التي تعيش وتتأقلم مع كلّ ما يعايشه الشعب اللبناني. كما يرون أنّ قرار الوزير جاء إنسانيًا وردًا على وزراء سابقين حظروا عملهم في بعض المهن بالأنظمة والمراسيم، لكنّ القانون الذي منع عمل الفلسطينيين في المهن الحرة لم يتغيّر أبدًا. 

الواقع الاقتصادي

ليْست خافية الظروف البائسة والقاهرة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، وهي اشتدّت كثيرًا مع اللجوء السوريّ إلى البلاد منذ عام 2011 ممّا فاقم الأزمات المعيشية بشكلٍ أكبر، ليرفع أهالي المخيّمات، لا سيما سكّان مخيّم البداوي شمالًا، صوتهم رفضًا لهذه الأوضاع السيئة، بخاصّة أنّ القوانين اللبنانية لم تنصف هذه الفئة الموجودة في لبنان منذ 73 عامًا والتي باتت جزءًا لا يتجزأ من المجتمع اللبناني. فالكثير منهم ولدوا، وترعرعوا وتوفوا ودفنوا في لبنان، ولم يبد يومًا حقدًا على هذه الأرض، بل جميعهم كانوا وما زالوا على استعداد دائم للعودة إلى أراضيهم المحتلة حين تسمح لهم الفرصة.

ووفق معطيات “لبنان الكبير” فإنّ مخيم البداوي الذي شارك فيه الأهالي منذ أيّام باعتصام جماهيري للمطالبة بخطّة طوارئ اقتصادية شاملة وذلك تزامنًا مع زيارة المفوض العام للأونروا إلى لبنان، كان يُبدي بشكلٍ دائم وبكلّ التصريحات الإعلامية المتوافرة امتعاض أهله من التضييق الذي كانت تُمارسه وزارة العمل، وكان يتمّ تكثيف الدعوات فيه لتنظيم اعتصامات احتجاجية تُشارك فيها فعاليات سياسية وشعبية، أمّا اليوم فينتظر الأهالي “ما ستؤول إليه الأوضاع بعد اتخاذ الوزير القرار والتوضيحات التي قدّمها للرأي العام اللبناني…”.

ويؤّكّد أهالي سكّان مخيّم البداوي أنّهم لا يُريدون تملّك العقارات ولا التوطين، “بل نحتاج إلى حقوق اجتماعية واقتصادية نفيد فيها الخزينة اللبنانية أيضًا”، ومن هذا المنطلق، يشير القيادي في “الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” أركان بدر إلى أنّ الأموال تدخل إلى المخيّم من بوابات أربع: الأونروا التي تُقدّم مساعدات وبرامج مختلفة، منظمة التحرير التي تُقدّم 7 ملايين دولار شهريًا، مؤسسات عاملة بالحقّ الفلسطيني، إضافة إلى أموال المغتربين… “لكن تبقى الأوضاع المعيشية في هذا المخيّم صعبة للغاية”.

وعلى الرّغم من “التضييق الاقتصادي الذي مارسته حكومات لبنان السابقة” وفق ما يصف الفلسطينيون في مخيّم البداوي، إلا أنّهم كانوا ينتظرون “فرجًا” قريبًا يومًا ما في هذه البلاد، مما دفعهم إلى دراسة اختصاصات علمية يُمنعون أساسًا من ممارستها والانتساب إلى نقابتها، كالطبّ والمحاماة وغيرهما من المهن.

ويصف بدر هذه الرغبة، بـ”العناد الإيجابي” الذي يكمن سرّه في أهمّية الحفاظ على التفوّق العلمي مهما بلغت الصعوبات، كما بالرغبة في الحصول على تسهيلات ومنح جامعية من دول عدّة أبرزها كوبا وفنزويلا، إضافة إلى ارتباط الفلسطينيين الكبير بمهنة الطبّ للانضمام إلى الهلال الأحمر الفلسطيني وهو ارتباط له بعد وطنيّ ويبقى الاختصاص الطبّي في لبنان أقلّ كلفة من مهن واختصاصات أخرى كالهندسة مثلًا. 

لتصويب القرارات الظالمة

ويعتبر بدر أنّ صدى قرار وزير العمل كان مهمًّا جدًا في مخيّم البداوي، كما غيره من المخيّمات، وهي خطوة لتصويب القرارات الظالمة التي تقرّها وزارات عدّة لا سيما وزارة العمل بحقّ اللاجئين.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “الفلسطينيون لهم خصوصية في لبنان، فهم شعب توّاق للحرية والعودة، ولم يكن يومًا يُريد التوطين وهو يرفض مشاريع التهجير، والوزير بيرم قرأ واقعنا بشيء من العدالة والإنصاف والجرأة، لكنّنا ندعو الدّولة بحكومتها لمعالجة ما ليس من صلاحيات وزير العمل وإصدار تشريعات تُعدّل القوانين، كقانون منع التملّك الذي يمنع نقل الملكية إلى الأبناء أو مستحقّيها مما يمنع إجراء “حصر الإرث” أو أيّ إجراءات قانونية، بخاصّة بعد تحويل هذه الملكية عند وفاة الشخص مثلًا إلى دائرة الأوقاف الإسلامية، مما يعني أنّ الملكية تبقى لجهة أخرى حتّى لو سمحت بعيش أبناء هذا الإنسان في العقار عينه مما يحرمنا من الحقّ في الميراث، وغيرها من القوانين التي نتطلّع إلى تحسينها وتقديمها لمجلس النواب…”.

شارك المقال