السودان ورحلة الدفاع عن التطلّعات الديموقراطية

حسناء بو حرفوش

لم يُفضِ اتفاق تقاسم السلطة في السودان قبل الانقلاب إلى إرساء الديموقراطية وفق قراءة في موقع معهد “نيوز لاين” (News Line) الأميركي للاستراتيجية والسياسة. وإذ سطرت القراءة أهمية وجود حكومة مدنية في الخرطوم لحل التوترات الإقليمية، ذكرت بأن “الانقلاب العسكري السوداني شكّل تطوّراً مقلقاً في بلد يمثّل أحد العناصر الأساسية لاستقرار منطقة القرن الأفريقي.

ويدخل السودان ضمن نزاعات عدة في المنطقة، بما في ذلك النزاع مع إثيوبيا حول سد النهضة الكبير، بالإضافة إلى قطاع من الأراضي المتنازع عليه في شرق البلاد. وقد تؤدي الاضطرابات لامتداد رقعة عدم الاستقرار وصولاً إلى مصر (…). ويبدو أنّ المجلس العسكري أكثر اهتماماً بالحفاظ على مزاياه الاقتصادية واسترضاء رعاته الإقليميين أكثر مما يركز على حل هذه النزاعات (…)، وبالتالي على القوة الغربية الطامحة لتخفيف التوترات الإقليمية المساعدة على استعادة الحكم المدني الحقيقي من خلال تقليص سلطة المجلس العسكري.

(…) وفقاً للميثاق الانتقالي الذي يحكم الشراكة، أنشئ مجلس السيادة للإشراف على حكومة مدنية كان من المفترض أن تتولّى زمام الحكم، لكن البرهان وحلفاءه الأمنيين غالبا ما يقوّضون قوى الحرية والتغيير في محاولة للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية السياسية. وقد قاوم الجيش محاولات الخضوع لقيادة مدنية خشية فقدان نفوذه المهيمن في البلاد (…). ومن أجل تفكيك المجلس العسكري، لا بد لواشنطن وشركائها دعم المتظاهرين من خلال التهديد بفرض عقوبات على الأصول الاقتصادية للجيش. ويتمتع الزعماء الغربيون بالنفوذ لأنّ الفريق الأول عبد الفتاح البرهان وحميدتي يعجزان عن إدارة الدولة أو الحفاظ على قواعد الدعم من دون تأمين مليارات الدولارات لتخفيف الديون ودعم التنمية. ومن المفترض أن تشكل هذه الاستراتيجية جزءاً من جهد شامل لاستعادة صدقية واشنطن وشركائها ضمن حركة المجتمع المدني الواسعة وغير المتجانسة في السودان. هذه مهمة ضخمة، لأن لجان المقاومة وتجمّع المهنيين السودانيين والنقابات العمالية فقدوا الثقة في الجهود الغربية بسبب إصرار المجتمع الدولي على استعادة اتفاقية تقاسم السلطة التي تعود إلى ما قبل الانقلاب، وهو حل لن يؤدي إلا إلى تأخير الجيش لأي انتزاع مقبل للسلطة.

ومن ضمن التوصيات، يمكن لواشنطن البدء بتعيين سفير داخل البلاد إيفاء بوعد وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، مايك بومبيو قبل عامين. وسيسمح وجود سفير على الأرض بالتقليل من عجز الولايات المتحدة المعرفي حول السودان وبناء الثقة تدريجياً مع لجان المقاومة. ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية جزءا من التزام طويل الأمد يهدف إلى بث الثقة في جاهزية الولايات المتحدة للتصرف بحُسن نية. وبمجرد اكتساب مستوى كافٍ من الثقة والمعرفة، تستكشف واشنطن طرق الدعم للجان المقاومة مالياً بالتزامن مع رعاية المنتديات التي تشجّع الحوار بين النشطاء في الأحياء الحضرية في السودان والأطراف. ويجب أن توجه سياسة الولايات المتحدة بشكل أساسي نحو دعم الهياكل الديموقراطية من القاعدة إلى القمة.

ومن الضروري بذل جهد موازٍ للضغط من أجل إصلاح قطاع الأمن. وسيشمل ذلك استخدام التهديد أو فرض العقوبات لإقناع البرهان بالتنحّي عن منصبه (…). كما يمكن لواشنطن النظر في قانون “ماغنيتسكي” لتجميد أصول الأشخاص الأجانب ومنعهم من دخول الولايات المتحدة لارتكابهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو لتورطهم في تهم فساد. وسيمنع ذلك البرهان وشركاءه من الحفاظ على نظامهم من خلال الأرباح من الشركات المملوكة للجيش أو بيع الذهب بطريقة غير مشروعة، أو تأجير المرتزقة لروسيا. كما أنّ تقديم حوافز مثل الوعود بزيادة التمويل وتوفير التدريب لإضفاء الطابع المهني على الجيش قد يسمح للبرهان بحفظ ماء الوجه بعد الانسحاب من السياسة والتخلّي عن السيطرة على القطاعات الاقتصادية المدنية. ويجب على الحكومات الغربية رصد قادة الجيش ​​القادرين على استبدال الحرس القديم وتخيّل دور جديد وبناء للجيش. ولعل هؤلاء القادة أكثر استعداداً لتقديم تنازلات، إذا اعتقدوا أنّ الجيش ليس مهدداً بأن يصبح قوة ثانوية في السودان.

(…) ولكن قبل اللجوء لأي إجراءات عقابية، لا بد من بذل محاولات لإقناع حميدتي بدمج قواته في الجيش من خلال وعده بالشرعية وبالتدريب كجزء من جهد أكبر لإصلاح قوات الأمن. ويكمن الحل في مساعدة حميدتي على تقديم نفسه على أنه منتصر لقواته، وكذلك باعتباره وطنياً على خلفية تقديمه تنازلات كبيرة.

ويتطلب أي إجراء لكبح جماح قوات الدعم السريع (…)، تحقيق تحالف أوثق مع الجماعات المتمردة التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام عام 2019. وهذا يشمل التأكد من تأمين التمثيل للقادة المتمردين وناخبيهم في الحكومة من دون تنحية أصوات المجتمع المدني، وإلا قد يصف حميدتي أي تحرّك ضدّه على أنه محاولة لتهميش الأطراف، وهذا ما سيجذب الانتهازيين ويساعد على تشكيل تحالفات قد تؤدي بشكل محتمل لتجدد الصراع وإفساد الانتقال. وهذه نتيجة محتملة بالنظر إلى كيفية عسكرة دارفور وحدها على مدى العقدين الماضيين.

(…) ومن المهم بالقدر عينه أن يدفع البيت الأبيض حلفاءه الإقليميين لفهم أن الحكم العسكري لا يحمي مصالحهم في القرن الأفريقي على المدى الطويل (…)، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال تسليط الضوء على التحالف غير المستقر بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي قد يصبح غير قابل للإدارة مع الوقت (…). ومع ذلك، ستظهر هذه الجهود كغير مجدية إذا قامت واشنطن وشركاؤها بتهميش الحركة الاحتجاجية لفرض هذه المبادرات. أما السبيل الوحيد للمضي قدماً، فيقضي بدعم وليس بتقويض الشبكات الشعبية التي تمثل خط الدفاع الأخير عن التطلعات الديموقراطية للسودان”.

شارك المقال