روسيا بمواجهة الحرب الباردة الثالثة؟

حسناء بو حرفوش

تواجه روسيا حربا باردة جديدة لا يمكن فصلها عن “الحروب الباردة” السابقة أو عن الدروس التي لا بد من استقائها منها، حسب قراءة لفلاديسلاف إينوزيمتسيف على موقع “موسكو تايمز” (The Moscow Times). ووفقا للمقال، “في الوقت الذي يكبر فيه الجدل وينشغل فيه المتابعون على مواقع التواصل، بنتائج المحادثات الأخيرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن، واقتراح الإعلام أن الكرملين “تفوّق” مجددا على خصمه من خلال إجبار البيت الأبيض على طمأنة العالم بالتزامه بما يسمى باتفاقيات “مينسك” والموافقة على تجميد المساعدة العسكرية لأوكرانيا، يبدو أن روسيا قد دخلت بالفعل في حرب باردة جديدة مع الغرب، في صراع لا تقتصر أوجه التشابه فيه على الحرب الباردة الكبرى ما بين 1947 و1986 فحسب، ولكن أيضا على الحرب الصغرى ما بين عامي 1830 و1856.

ويمكن لحظ عدد من أوجه التشابه بين أحداث اليوم وسيناريوهات الماضي. وفي الحالتين، اعتمدت روسيا استراتيجية تخيل التفوق الأخلاقي ورفع شعارات الدفاع عن الأسس، تماما مثلما دافعت منذ نحو 200 عام، حين ادعت خوض معركة الحفاظ على الأصل وعلى الأنظمة الملكية في أوروبا بمواجهة كل أنواع العدميين. وتكرر هذا الخطاب بعد الحرب العالمية الثانية، حين تحدثت روسيا عن انتصار الشيوعية باعتبارها النظام الاجتماعي الأكثر تقدمًا. والآن، يكرر الكرملين فكرة وقوف روسيا في مواجهة “الغرب الخبيث وغير الأخلاقي”، لتظهر روسيا مجددا كالمدافع عن القيم التقليدية التي قد يدنّسها الغرب. وفي كل مرة، كانت المواجهة تندلع عندما تبدأ روسيا ترهيب الوكلاء الغربيين.

وفي الحرب الباردة الأولى، اشتمل هذا على قمع روسيا للانتفاضة في بولندا عام 1830، والثورة في المجر عام 1848، والإنذار النهائي لتركيا عام 1853 لمنح الحماية على الأراضي التي يقطن فيها الروس الأرثوذكس في الأصل. واندلعت الحرب الباردة الثانية الأكبر مع الدول السوفياتية التي رفضت المشاركة في خطة مارشال وحصار برلين الغربية، عام 1947.

وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة التوترات مع ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 وتقويضها وحدة أراضي أوكرانيا من خلال التدخل العسكري في منطقة دونباس ما بين 2014 و2015. وفي كل مرة لم تتصاعد الأحداث لتبلغ الحرب “الساخنة” أو إطلاق نار مباشر. وبدلا من ذلك، اقتصرت الصراعات على المسرح المحيطي للعمليات، مثل حملة القرم في خمسينيات القرن التاسع عشر. وزادت التوترات في كل مكان في العالم تعارضت فيه مصالح الأطراف المتحاربة، كما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين أو اختُصرت كما يحدث حاليا، بأنشطة التشكيلات شبه العسكرية وبأنواع مختلفة من الأعمال الإرهابية.

ولم تفتقر روسيا أو الاتحاد السوفياتي في كل مرة، للقوة الاقتصادية والتكنولوجية التي قد تضمن التفوق في أي مواجهة محتملة تاليا. وعلى الرغم من أن موسكو تمتلك منذ تطويرها أسلحة نووية منتصف القرن العشرين، القدرة على القضاء على أعدائها، إلا أن هذه القوة كانت لتتسبب بالقضاء عليها أيضا، وبالتالي أفقدها ذلك القدرة على الفوز في أي من هذه “الحروب الباردة”، وانتهت كل هزائمها بأزمة خطيرة للنموذج الاجتماعي بأكمله لكل من الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي. ومهما بدت هذه التشابهات واضحة، لا شك أن روسيا ارتكبت الأخطاء عينها في كل مرة.

أولا، اكتسبت روسيا في أوروبا والغرب سمعة باعتبارها “إمبراطورية شريرة”، سواء من خلال الأعمال العدائية العلنية، أو من خلال السياسات المحلية والتطلعات الإيديولوجية.

ثانيا، في كل من هذه “الحروب الباردة”، وجدت روسيا نفسها إما بمفردها أو مدعومة من قبل دول تابعة ولكن غير مهمة استراتيجيا، في حين دخلت بمواجهة مع تحالف من الدول القوية والمؤثرة، وبالتالي حددت مسبقا النتيجة المؤسفة للنضال.

ثالثا، ترجمت ردود الفعل الروسية على كل “حرب باردة” من خلال تضييق الخناق على السياسات الداخلية وتقليص الحريات وقيادة المجتمع، وبنوع من الذهول الذي لم يتلاشَ إلا بفقدان السلطات الفيدرالية السلطة خلال حلقة لاحقة من المواجهة مع الغرب.

رابعًا، في نقطة تستكمل جزئيًا النقطة السابقة… فقدت السلطات الروسية مع تعمق الصراع، بشكل متزايد الاتصال بالواقع، مما دفعها إلى ارتكاب الأخطاء التي “قصمت ظهر البعير” مثل احتلال مولدوفا عام 1853 وأفغانستان عام 1979.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل ما يحدث الآن عن “الحروب الباردة” السابقة أو الدروس الواضحة التي يمكن تعلمها منها. لقد تصرفت روسيا مرارا وتكرارا بنفاد صبر وعدوانية، في حين أن الغرب، الذي يتهمه العديد من الليبراليين الروس الآن بالانهزامية والمصالحة، نظر من البداية إلى تلك المواجهات مع سانت بطرسبورغ وموسكو على أنها عملية طويلة ستنتصر فيها مجتمعاته النامية في حينها حتما على الروس أو على السوفياتية”.

شارك المقال