تجريب متلازمة “الثورة والتخوين” بعد فشل الترهيب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“الثورة – التخوين”، متلازمة رافقت مسيرة أغلب الثورات في العالم، من الثورة الفرنسية إلى الروسية، إلى الثورة الإيرانية. وأخيرا في ثورات الربيع العربي، وصولا إلى الثورة اللبنانية، إذ بدا واضحا أن “الثورة تأكل أبناءها” نتيجة حملات التخوين التي تشن، لإحداث الشرخ بين الثوار، من خلال حقن الخلافات وتوتير الأجواء طائفيا ومذهبيا وحزبيا، وزرع الانقسامات وتوجيه الاتهامات، مما أضعف جسم الثورة وهدّ بنيانها، حتى بات الحديث عنها حالة سوريالية، مع شيطنة الثوار بعضهم لبعض، مما هدم جسور الثقة وبات من الصعب إعادة الأمور إلى سابق عهدها.

والواضح أن وصفة التخوين كانت جاهزة للقضاء على الثورة وإطلاق صفة العمالة للسفارات، مرتبة لكل من ينتقد تفلت السلاح ونظام الدويلة، وهي وصفة كفيلة بإبقاء حكم الفساد وإنجاح خطط التهرب من العدالة، والهيمنة على السلطة وضرب الديموقراطية، وإنعاش المشاريع التقسيمة، وضرب أي حلم بالتغيير أو تحقيق مطالب الشعب الرازح تحت عبء هموم الحياة المختلفة والذي بات على هامش الهامش.

لم تنج “منى.ع.” من الاتهامات المريبة في البداية، قيل إنها من حركة أمل وزوجها أيضا، ثم اتهمت إنها “بشيرية” وإنها “تقبض من السفارة الأميركية”، وإنها مع فارس سعيد، في حين أن وضعها العائلي وانتماءها معروف للجميع، إذ كانت منتسبة للحزب الشيوعي، ثم انفصلت عنه لكون هذا الحزب حسب قولها “حاطط اجر بالفلاحة وإجر بالبور”. وهي كانت ناشطة في جبهة المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، ونجدها حاليا تشارك في كل نشاطات الثورة على الأرض، ولها مبادرات مختلفة في تنشيط المجموعات والنقاشات، ولا سيما في القضايا الحساسة منها، أي سلاح حزب الله والدور الإيراني ومفهوم السيادة، وأهمية فرض سلطة الدولة لا سلطة الأحزاب والطوائف.

تقول منى: “نحن منذ فترة نناقش موضوع التخوين الذي يجري على وسائل التواصل الاجتماعي حينا، وعلى الأرض أيضا أثناء تنظيم فاعليات أو غيرها. التخوين مسألة خطيرة يمكن أن تشرذم الثوار وتفقدهم الثقة ببعضهم. وهذا التعامل أدى إلى تخفيف التجمعات الكثيفة للثوار”.

وتوضح: “اتهموني بأكثر من تهمة ووزعوا بيانات وضعوا في داخلها أسماء مع انتمائهم الحزبي، يعني لا أعرف ما هي المشكلة هنا إذا كان في شخص مع القوات ونزل مع الثورة، أو أي حزبي آخر، صار البعض إما يخفي هويته الحزبية حتى يتحرك مع الثوار، أو يتوقف عن نشاطه على الأرض، وهذا يضعف نسب المشاركة، ولا سيما أن الكل يجب أن يتحرك من أجل تحقيق المطالب المعيشية”. ومع ذلك، تعترف منى بأن “مجموعات الثورة مخترقة من أحزاب تهدف إلى تخريبها، وهناك أشخاص باتوا معروفين يصنفون الآخرين حسب أهوائهم والمشكلة التي يريدون افتعالها حول قضية أو مسألة يجري نقاشها أو تحرك يخطط له، تخيلي قالوا إني طلعت على “الذوق” وقطعت الطريق، وقالوا في فيديو وأنا لا أعرف المنطقة، حتى الآن أسمع بجل الديب هكذا، أنا دائما كنت في ساحة الشهداء، في قصر العدل، أتواجد حول المجلس أو حول منازل الوزراء أو مكاتبهم في الوزارات”.

وعما إذا كانت عرفت من يصدر البيانات الاتهامية لها ويوزعها بين الثوار، تقول إنها “شعرت بمرارة منها، فهناك ناس يثقون بي، وهم لا يعرفوني شخصيا. لذلك سعيت لمعرفة من يرمي التهم علي، واستطعت أن اصل إلى طرف الخيط، وتقريبا صاروا معروفين، لذلك باتت الصورة واضحة أكثر عند الثوار. فعندما يصدر بيان أو تعليق يتم الاتصال بي من كثيرين يؤكدون لي لا تهتمي معروفين هؤلاء من جماعة حزب الله والثنائي، يعني واضح أن الثنائي يسعى إلى تشويه سمعة الثوار، لا سيما الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعية، هذه مسألة خطيرة لتشويه سمعة الناس، قلت لأحدهم اذهب واسأل عني في بلدتي، ليس الأشخاص الذين يحبوني، بل الذين لا يحبوني. وستعود وتعتذر مني، وساعتها يمكن أن تتعرف الى صفات الثائر”.

لا تخفي منى أن التخوين يصل في مرات عديدة إلى التهديد بالقتل، هددني أحدهم شخصيا على الفيسبوك. وكتب: “انا بفرجيكي وسدي نيعك.. ويا صرماية.. ويا كلبة اذا بعد بتتطاولي على السيد، راح تشوفي شي ما بيعجبك، واذا تطاولتي شوفي شو راح يصير فيكي”.

وتؤكد منى إنها اليوم ناشطة حرة ومستقلة: “لا أنتمي لطرف سياسي، وللأسف التهم الجاهزة من بعض الثوار الذين لا يتركون مجالا لنقاش موضوعي ومنطقي حول مسائل خلافية عادية، وأنا مع شعار “كلن يعني كلن” إلى التحقيق والمحاكمة، ومن كان بريئا حقا منهم فليكن بحكم قضائي، والمحاسبة يجب أن تشمل جميع من في السلطة”.

لــ”أ.ر” حكاية أخرى، إذ تشير إلى أنها عندما نزلت ضد حزب الله “عملوا علي حملة من جماعة الفكر اليساري، وقالوا عني إني طائفية، وصنفوني مع اليمين المتطرف، وقالوا إننا لا نريد أن نهرّب الشيعة من ساحات الثورة، طبعا أسماء هؤلاء معروفون وموجودون بقلب الثورة، من جهة أخرى، أنا نزلت مع الناس الذين يشبهوني أي مع الناس الذين من المفترض إنهم ضد السلاح، عملوا علينا حملة من قبل القوات والأحزاب الخارقين كل غروبات الثوار على “الواتس اب”، والذين يجب أن يكونوا معنا ضد سلاح حزب الله. في البداية لم نكن نعرفهم، اتهموني بأنني قومية، مع إني معروفة بانتمائي العائلي إلى حزب الوطنيين الاحرار، فنحن من عائلة معروفة”.

وتضيف: “عندما لم يتمكنوا من تثبيت تهمة انتمائي للقومي، وأن هدفي إحداث فتنة وتهم بلا طعمة، ذهبوا إلى الحياة الشخصية، وبدأوا برمي الشائعات، واللعب على الوتر الطائفي تارة، وعلى الوتر الشخصي تارة أخرى. واتهموني بأني طائفية ومتعصبة. وفيما بعد فتشنا عن هؤلاء والمصدر الذي يشغّلهم، وعن علاقاتهم بالتحويلات، فتبين لنا أن الأغلبية منتمية إما لحزب الله وإما لأحزاب من سرايا المقاومة، ومن بينهم مجنسون بأسماء وهمية، يدّعون أنهم مسيحيين وهم ليسوا كذلك، دخلوا إلى المجتمع اللبناني وفاتوا بالثورة، وبالنسبة لي اليوم لم يعد هناك ثورة”.

وتنفي نيللي قنديل التي تقول إنها على تواصل مع الكثير من مجموعات الثورة تعرضها للتخوين. وبرأيها إن “كان هناك من يخوّن فهو ليس من المجموعات الثورية، إذ لا مصلحة لأي ثائر على الأرض بتخوين أي ثائر آخر”.

وتشير إلى أنها “موجودة ضمن مجموعات ثورية متنوعة لا تشبه بعضها، وفي حال في مجموعة عم بتخوّن. لا بد من معرفة الهدف من التخوين، بالاحتمال الأقرب، التخوين يحصل عندما يجري الحديث عن السلاح. والمسألة هنا صارت واضحة، الثائر هو ضد السلاح غير الشرعي بالمطلق. إذا كان هناك من يقول بعكس ذلك ويعتبرها خيانة، واضح إنه ينتمي إلى الحزب الذي يحمل السلاح، وكتير من الجهات عندها سلاح وعلى رأسها حزب الله. وأكيد هناك تعاون سياسي أو غير سياسي بين من يحمل السلاح. وحتى أستطيع أن أعرف أنا من هي المجموعات أو الأشخاص الذين يخونون، يجب معرفة لمن يتبعون”.

وترى نيللي أنه “لا يمكن أن يكون هناك إنسان حر، يوجّه التخوين. أكيد أن المُخوِّن تابع لمن هو متضرر من الدعوة لتسليم السلاح غير الشرعي للدولة، وأنا أتحدث عن موضوع السلاح مع أن المواضيع التي تهم الثوار كثيرة، لكن السلاح بالتحديد يحتاج إلى جرأة في إعلان الموقف منه”.

وكان حسين سلوم كما ورد اسمه في مجموعات الثورة يثير غضب رفاقه، فهو جاهز لتوجيه الانتقادات والاتهامات، ولا سيما عندما يكون الموضوع متعلقا بحزب معين أو فئة محددة، ومن هنا كانت هناك مطالبات بمعرفة توجهه السياسي، “إذ لا يمكن لمن يتابع تعليقاته الاستفزازية إلا أن يترك لديه انطباعا انه ينتمي لـحزب الدويلة، وسواء صح ذلك أم لا، فإن حسين اليوم لا يعتبر أن هناك ثورة اليوم”. ويقول: “99% من الذين ما زالوا مستمرين بعد “سقوط” ثورة 17 تشرين، هم كذابون ومأجورون وحزبيون ويعملون مع الأجهزة الأمنية. يعني من كل الأصناف. هناك حزبيٌ يعمل لصالح الأجهزة. هناك من يشتغل مع سفارات. هناك من له مصلحة يبحث عمّن يدفع اكثر ليجني المال”.

ويختم: “ما في ثائر حقيقي، وإذا كان يوجد فالنسبة 1%، هل هناك ثائر أخذ حقه. نحن في 17 تشرين لم يكن قلبنا على البلد، لذلك الثورة سقطت عمليا. الشعب اللبناني لم يعد يؤمن اليوم بهذه الثورة ؟!. الذي قلبه على البلد لازم يفكر يعمل ثورة جديدة وانطلاقة مختلفة، بالمبادئ الوطنية الجامعة عينها التي انطلقت منها 17 تشرين. وغير ذلك انسى الموضوع. الذين ما زالوا مستمرين كاذبون ومنافقون”.

شارك المقال