الحكمة ليست في الخيار العسكري ضد إيران

حسناء بو حرفوش

في وقت تكثر فيه التحليلات حول مفاوضات فيينا وتصفها بـ”غير الواعدة”، يزيد الضغط على إدراة الرئيس الأميركي جو بايدن للتوجه نحو الخيار العسكري ضد إيران بحسب قراءة في موقع “Responsible Statecraft”. ولئن المحادثات في فيينا لم تسفر عن أي تقدم يذكر، قد يؤشر ذلك إلى نوع من الفشل في تعاطي كل من الولايات المتحدة و(إسرائيل) مع إيران. فالاعتقاد السائد هو أن اعتماد الضغط الأكبر والمزيد من العدوان سيجبران طهران على الاستسلام، بينما تترجم النتيجة الأكثر احتمالاً بإثارة ردود فعل متشددة.

وتكرر (إسرائيل) التأكيد على تعرضها لتهديد خطير بشكل متزايد، والتلويح بأنها ستتخذ الخطوات اللازمة لحماية نفسها (…) ومع ذلك، لما وُجد الطرفان في هذا الموقف لو بقي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الصفقة، أو لو انضم بايدن بسرعة للاتفاقية بمجرد توليه منصبه (…) وقد قوضت (إسرائيل)، كما بدا من خلال تصريح الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بن إسرائيل حول الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه نتنياهو من خلال إقناعه إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، أمنها وأمن الولايات المتحدة معاً (…) ويتبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت الموقف عينه من إيران على غرار منافسه السياسي وسلفه بنيامين نتنياهو.

أما السؤال الذي يجب أخذه في عين الاعتبار فهو الآتي: في حال أخذت إدارة بايدن بنصيحة (إسرائيل)، أو ربما إذا شنت هذه الأخيرة على الأرجح، هجمات تثير رد فعل إيراني، وانجرفت واشنطن إلى الصراع، فما الذي سيحدث؟ من المرجح أن تستدرج الضربة الإسرائيلية ضد إيران صراعاً يسحب البلدان المجاورة من كلا الجانبين، وقد ينضم إليه “حزب الله” وحماس بالإضافة إلى شركاء إيران في العراق واليمن (…) كما قد يجد الأردن نفسه في مأزق، بالنظر إلى الضغط الشعبي الهائل لكسر معاهدة السلام مع (إسرائيل) وسترتفع أسعار النفط بشكل كبير.

وفي حال تصاعدت الحرب، قد تشعر الولايات المتحدة بأنها مضطرة للدخول في عملية غزو ومحاولة السيطرة على الأراضي الإيرانية. وفي هذا السياق، يقارن الخبير الإقليمي كينيث بولاك بين حرب العراق وأي حرب محتملة في إيران، ويسطر الفارق في عدد السكان حيث يتخطى عدد سكان إيران العدد في العراق في العام 2003 بثلاث مرات، كما أن تضاريس إيران جبلية أكثر، وبالتالي سيصعب السيطرة عليها. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى جذور القومية الإيرانية، تطرح أسئلة حول احتمال انقسام الهوية الوطنية على غرار ما حصل في العراق. وبينما قد يتخيل البعض أن الإيرانيين يرحبون بسقوط حكومتهم الاستبدادية، تذكر التجارب في العراق وأفغانستان والصومال وفيتنام وسواها بالترحيب النادر بالغزاة الأجانب. كما أن إيران خسرت نصف مليون شخص في العراق في الثمانينيات، فيما يؤمن الإيرانيون بأن الحرب تهدف لتدمير ثورتهم.

كما عانت إيران من عقود من العقوبات الأميركية، بما في ذلك السنوات الثلاث الماضية التي مارست فيها واشنطن استراتيجية “الضغط الأقصى” التي أدت إلى إمساك المتشددين بزمام السلطة بدلاً من إثارة انتفاضة شعبية ضد الحكومة. ويرجع ذلك في جزء كبير إلى التصور السائد أن استعداد الرئيس روحاني آنذاك للثقة في حفاظ الأميركيين على التزاماتهم بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 كان ساذجاً. وفي الواقع، خيّبت آمال الإيرانيين حتى قبل انسحاب ترامب من الصفقة، إذ لم يحصل انتعاش اقتصادي بعد العقوبات وبقيت العديد من العقوبات سارية مع إضافة المزيد منها. وليست هذه المرة الأولى يتصاعد التوتر والتي تعرب فيها إسرائيل عن الشعور بالتهديد أو تلوح بالمواجهة العسكرية. وإسرائيل ليست في خطر وجودي من إيران، وتدرك طهران ما تمتلكه في ترسانتها النووية الخاصة. وقد اقترح مسؤولون إسرائيليون كانوا متعاقدين في الأمن القومي الحاجة إلى نهج مختلف. وعلى الرغم من أنهم ربما شعروا بعدم الرضا عن الصفقة في ذلك الوقت، يعتبرون الآن إن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت الإجراء الوحيد الذي نجح. كما أن مدير المخابرات المركزية وليام بيرنز قال إنه لا يوجد دليل على أن إيران شرعت في تسليح برنامجها النووي، وأن محاولة القيام بذلك ستستغرق من عام إلى عامين.

ويحتاج المسؤولون الأميركيون لتجنب الوصول إلى طريق مسدود حيث لا يبقى سوى خيار عدم القيام بشيء أو الذهاب إلى الحرب. ولا تخدم المصالح الأميركية إلا بالانخراط في مناقشة عقلانية للقضايا التي تفصل الولايات المتحدة عن إيران بدلاً من إصدار التهديدات بالعواقب الوخيمة في حال لم تمتثل طهران للاتفاق. كما يجب أن توضح واشنطن لتل أبيب تداعيات أي هجوم إسرائيلي ضد أهداف إيرانية، خصوصا على مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن خلال الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة بتشجيع من نتنياهو، تعرض الحوار الأميركي الناشئ مع إيران للخطر بالإضافة إلى زعزعة الجهود المبذولة لتهدئة التوترات في المنطقة ومنح إيران ذريعة لإعادة تفعيل أجزاء من برنامجها النووي، عدا عن إثارة مخاوف بشأن نزاهة الالتزامات الأميركية. وبما أن عواقب هذا الانتهاك تعود لمطاردة إدارة بايدن، حان الوقت لإجراء مناقشات صادقة ومدروسة في الداخل الأميركي ومع الشركاء، بدلا من الغوص في التهديدات التي ستترك نتائج خطيرة”.

شارك المقال