سليمان لـ”لبنان الكبير”: لا يمكن الاتكاء على امل للانتصار على حزب الله

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أسئلة كثيرة مطروحة اليوم، حول استمرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وحصول الانتخابات النيابية والرئاسية، ومصير لبنان واللبنانيين في ظل هيمنة حزب الله، وفساد الحكم والأزمات المعيشية المتوالية وانعدام الحلول، وآخرها فشل الصفقة لتمرير جلسة حكومية، وتفشي الخلافات بين اركان السلطة، وسط تضاؤل الآمال بحل قريب، على الرغم من زيارات أهل الخارج وجهود تُبذل لاخراج البلد من الجحيم.

والسؤال الى أين؟ وما هو الدور الذي ستلعبه البيئة الحاضنة للثنائية الشيعية في إحداث تغيير مرتكز الى حسابات وطنية، وليس على حفظ المصالح الإيرانية؟

يرى الاكاديمي والكاتب السياسي الدكتور حارث سليمان، في حديث الى “لبنان الكبير”، أنه “لم يكن هناك محاولة ضغط على ميقاتي، بل هو كان يشعر نفسه قويا، بزيارة الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فنقل تفاصيل صفقة حاول باسيل فرضها، تضمنت الدعوة لاجتماع مجلس الوزراء، فرُفِضَتْ وانهارت. الصفقةُ هي اجراءُ تعديلات بالمناصب القضائية، وقبع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، وتغيير المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم وبعض القضاة، وتمرير الطعن في المجلس الدستوري، بما يحصر تأثير المغتربين بستة مقاعد عن طريق تمرير الدائرة 16، وهي دائرة غير شرعية وغير دستورية. طبعا باسيل حاول ان يربط الصفقة بهذه المسألة، لأن لديه مشكلة كبيرة، في حال صوَّت 240 الف مغترب في ١٥ دائرة، فسيضاف غضبهم الى غضب الشعب اللبناني الذي تعرض لنكبة اقتصادية، وسينخفض عدد نواب التيار الحر الى الثلث”.

ويوضح سليمان: “كان هناك محاولة من الرئيس عون وباسيل لاجراء تغييرات بالقضاء وفي مصرف لبنان وتطيير الانتخابات النيابية او اللعب بقانون الانتخاب، مقابل محاصرة تحقيق القاضي طارق البيطار، وابعاده عن مساءلة الرؤساء والوزراء والنواب، واجراء تغيير في مجلس القضاء الأعلى لدفن التحقيق في جريمة المرفأ. طبعا بري لم يقبل، وسبب ذلك يعود لانقسام واضح داخل السلطة، فباسيل يريد الضغط على الثنائي حزب الله وأمل لكي ينال منهما تبنياً لترشيحه لرئاسة الجمهورية، في وقت يميل بري الى تأييد سليمان فرنجية، لذلك لا يريد رئيس أمل ان يسهل لباسيل توسيع نفوذه او تمكينه من الاستمرار في جني اوراق في معركته الانتخابية، وهو يحاول وضع حد لطموحات باسيل بالتغييرات القضائية او في مصرف لبنان. إن وجود الحكومة الحالية قد أوقف اعمال الدعم التي صرفت 18 مليار دولار، واستفادت منها مافيات التهريب الى سوريا، وتم تقليص الهدر. وهم يريدون من الحكومة تنفيذ اجندات خاصة، ورحيلها امر يناسب باسيل وحزب الله، ويمكنهما من لي ذراع حاكم مصرف لبنان وإجباره على تمويل التهريب واستعمال ما تبقى من ودائع لصالحهما، الخلاف داخل سلطة المافيا أولا تتفق على السرقة ثم تختلف على الغلة، واذا رحلت الحكومة لن تحدث الانتخابات وهذا أمر يريده بري وباسيل على السواء”.

يعترض سليمان على “تعبير البيئة الحاضنة للثنائي الشيعي، مؤكدا انه لا تصحُ تسميةَ الشيعة اللبنانيين انطلاقا من حزب الله، الحزب جزء من كلَّ الطائفة وهذه حقيقة، لكن الكُلَّ لا يصحُ تعريفُه بجزء منه، الشيعة لا يُعَرَّفون بحزب الله وليسوا ملحقين به، فهذا التعبير مرره حزب الله وجماعته وتبنته حتى الأصوات المعارضة له واستخدمت لغته، اما تعبير الثنائي الشيعي المتداول في الحياة السياسية فهو غير دقيق”.

ويعتبر سليمان ان “المواطنين اللبنانيين الشيعة هم كبقية اللبنانيين يتعرضون لظلم كبير، ويعانون من الازمة التي تعصف بلبنان، وتطال كل مناحي حياتهم اليومية، وكل العنتريات التي اعلنها حسن نصر الله من أن الازمة ستطال اللبنانيين جميعا ما عدا ما يسميه بيئته، ظهرت انها كلام لا يعكس الواقع، اما مخازن النور التي أعلن عنها، فضلا عن بطاقات السجاد، فقد ثبت انها لم تلبّ حاجات كل الشيعة وانما لبّت حاجات بعض المنتسبين، فالشيعة تعدادهم حوالي المليون نسمة، وحزب الله قادر عمليا على تأمين حاجات 25 الف عائلة على الاكثر، اما العائلات الاخرى والتي تزيد عن 250 الف عائلة فهي تتعرض لنفس الازمة التي تطال كل اللبنانيين”.

ويشير الى ان “اللبنانيين الشيعة عبّروا عن رفضهم لواقعهم، تارة بالانتساب الى حراك 17 تشرين، وشاركوا في ساحات المدن كصور وبعلبك والنبطية وبنت جبيل، وفي ساحة الشهداء كانت نسبة مشاركة المواطنين الشيعة عالية، وبرزت أسماء كثيرين من النخب الشيعية. كما عبروا عن ذلك بوسائل التواصل المختلفة وبتعداد حالات الانتحار بسبب الظروف المعيشية”.

وإذ يعترض على “المفاضلة بين أمل وحزب الله، يرى أنَّ تخريبَ كيان الدولة اللبنانية واداراتها، قامت به المنظومة السياسية مجتمعة، لكن الطرف الرئيسي في هدمها هي امل، ولو لم يتم هذا لما استطاع حزب الله السيطرة على الدولة واستتباع حطامها الى المحور الإيراني”.

من هنا، لا يوافق سليمان على “مراهنات الخلاف بين الثنائي او القول ان امل قد تعطي أوراق بيضاء في الانتخابات تكون لمصلحة المعارضة، مشيرا الى انه لا يمكن الاتكاء على امل حتى يتم الانتصار على حزب الله. ويعتبر ذلك رهان خاطئ يقع فيه الكثير من الأطراف اللبنانية، وعلى رأسهم وليد جنبلاط، الذي يمارس نوعأ من التمادي في الالتصاق ببري والتحالف معه. الحصة التي يعطيها حزب الله لأمل أكبرُ من حجمها، وتوازن القوى بينهما لا يسمح لها بان تستقل عنه”.

ويستعيدُ سليمان أثر العامل الاقليمي في الخلاف الذي جرى سابقا بين أمل وحزب الله في حرب اقليم التفاح: “كان حزب الله مدعوما من ايران وامل مدعومة من سوريا بشكل قوي، اليوم سوريا ليست قوية وبري لا يتمتع بدعمها، وبالتالي لا امكانية مطلقا، ولا قدرة، ولا رغبة، لدى أمل في الاستقلال عن حزب الله، ولا سيما ان بري اليوم على مشارف الستة وثمانين عاما، وهناك صراع داخل بيته على حصر ارثه، وبالتالي أمل ليست بوارد لا تكبير حصتها ولا فتح صراع مع الحزب، وانما تحاول تمرير الاستحقاقات باقل خسائر ممكنة”.

وإزاء القول ان المعارضة الشيعية لم تتمكن من ان تقوم بعمل ينهي سيطرة حزب الله، يعلق: “في هذا الكلام وهمان، الوهم الاول انه يمكن انهاء حزب الله بضربة واحدة، فالحزب بنيان تم بناؤه خلال اربعين سنة مضت، ومن يتوهم انه يستطيع تفكيكه وهدمه خلال معركة انتخابية او في ظرف سياسي محدد، فهو اما منافق او جاهل بالسياسة وبابجدية الاستراتيجيات! الوهم الثاني هو ان لا مواجهة لحزب الله من دون استراتيجية مربعة الاضلاع: المبتدأ فيها المعارضة الشيعية، والثاني فيها جهد وطني عابر للطوائف في لبنان، والثالث مشروع عربي يحفظ مصالح العرب، والرابع توجه دولي باستعادة دور لبنان ودولته. فالحزب يملك طاقات هائلة، ولقد تمتع بحوالي سبعين مليون دولار كميزانية شهرية، وقد تصل الى مليار دولار سنويا، وعلى مدى اربعين عاما، فماذا قدمت القوى الدولية والعربية واللبنانية من دعم للشيعة المعارضين لحزب الله خلال اربعين سنة، لا شيء، صفر، لم يقدم اي دعم لاي عنوان سياسي جدي وفعال داخل الطائفة الشيعية لمواجهة حزب الله. فكيف يريد هؤلاء ان ينتصروا على حزب الله، هذا الثنائي الحزبي يستولي على موارد الدولة والبلديات ومنافع السلطة ومغانمها. المواطنون الشيعة في اي قرية او مدينة يعانون ككل لبناني، كيف لاي عنوان سياسي بديل عن الثنائي ان يتعامل معهم؟ كيف يستطيع ان يخدمهم في حاجاتهم، اذا كانت كلها بيد الثنائي الحزبي ويتحكم بمفاصلها”.

ويتوقف سليمان امام “التجربة التي خاضتها المعارضة في انتخابات 2018، مشيرا الى ان الخرق الذي حصل في بعلبك – الهرمل، لم يكن خرقا قواتيا او مستقبليا، على الرغم من ان المقعدين ذهبا للقوات والمستقبل، فالمعارضة الشيعية جمعت ١٤ الف صوت فيما اقترع ١١ الف مسيحي وعشرة آلاف سني وتم الاعتراف للائحة المعارضة بـ٣٦ الف صوت بعد عمليات تزوير واسعة هدفت الى اسقاط رئيس لائحة المعارضة الشيعية يحيى شمص. ولولا التزوير الفاضح لكان الخرق بثلاثة وليس بإثنين، وقد جرى تجاهل دور المعارضة الشيعية من قبل الجميع. الحلفاء قبل الاعداء”.

وعن توقعاته لنتائج الانتخابات المقبلة، اعرب عن اعتقاده انه سيكون لحراك 17 تشرين شأن، متوقعا حصوله على حوالي العشرين نائبا، وسيفقد حزب الله الاكثرية النيابية، فقانون الانتخاب الذي وضعه باسيل وجورج عدوان مكّن الجنرال قاسم سليماني من ان يقول ان لديه اكثرية نيابية في لبنان. وحسب هذا القانون واذا جرت الانتخابات من دون أي تزوير، وبرقابة دولية حقيقية وليس رقابة سياحية، كالرقابة الاوروبية في المرة الماضية، اعتقد ان حزب الله وتحالف 8 آذار لن ينالا اكثرية، ولذلك سيكون للقوى المناهضة لمشروع حزب الله الاكثرية النيابية، على اختلافها وسيئاتها وحسناتها وإيجابياتها وسلبياتها، وهنا يطرح سؤال جوهري: هل ستلجأ الاكثرية الجديدة الى حكومة وحدة وطنية؟ اذا كان الأمر كذلك، فالعوض بسلامتك!. فما اهمية انتصارها اذا لم تلجأ الى الانفصال عن سياسة ثبت فشلها، وقادت الى تشكيل تغطية سياسية وشرعية وقانونية ودولية لحزب الله ولمشروع الهيمنة الإيرانية؟”.

وإعتبر سليمان ان “مواجهة حزب الله تبدأ برفض حكومة وحدة وطنية، وذلك عبر تشكيل حكومة كفاءات مستقلة كالتي كان يريدها السفير مصطفى اديب وعلى القوى التي تدعي مناهضة الهيمنة الايرانية السير بحكومة من دون حزب الله، وثانيا التأكيد على قرار عدم انتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس، وعليه يتوجب هندسة المواجهة لوصول أكثر من شيعي مستقل الى مجلس النواب، وهذا امر متاح في دوائر انتخابية عدة، وهو امر اذا تم سيعزز فرص مواجهة حزب الله وفرض تنازلات عليه”.

وختم سليمان: “ثم تأتي المواجهة الثالثة على مستوى رئاسة الجمهورية وذلك برفض اي حليف لحزب الله في رئاسة الجمهورية. فاذا تم اتخاذ هذه القرارات في 3 محطات رئيسية تصبح مواجهة حزب الله والوصاية الايرانية مواجهة حقيقية. اما اذا لم يحصل ذلك، فالمعنى ان الكل يريد ان يبيع ويشتري”.

شارك المقال