تنظيم سلاح المخيمات

زاهر أبو حمدة

هدأ الهجوم على المخيمات. لم تكن التصريحات والاتهامات مجرد تزامن مع أحداث مخيم البرج الشمالي وقرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم، إنما استغلال أكبر لظرف حصل وتمهيد لما سيحصل في لاحق الأيام. علت الأصوات المطالبة بسحب سلاح المخيمات الفلسطينية، ولا ضير بذلك إن كان لصالح اللاجئين والدولة المضيفة والشعب اللبناني المحتضن للاجئين منذ أكثر من 70 عاماً. لكن الأمر تعدى النقد والمطالبات، ليصل إلى بيان من وزارة الخارجية الأميركية تقول فيه: “ظلّ 12 مخيّمًا للاجئين الفلسطينيين في لبنان خارج سيطرة قوّات الأمن اللبنانية إلى حدّ كبير، وتشكّل تهديدًا أمنيًّا”. وهنا، لم يوضح المُهدّد من المخيمات، بينما علّل البيان التهديد الأمني “بسبب احتمال تجنيد المقاتلين وتسلّل الإرهابيّين”. وأشار إلى أن “العديد من الأفراد المدرجين على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي للمطلوبين أو المدرجين من قبل وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة، باعتبارهم إرهابيّين عالميّين محدّدين بشكل خاص، بقوا في لبنان”. وطالما لم يذكر البيان أسماء محددة، أو ما يعنيه بالإرهابيين، فالأمور تصبح واضحة أن التهديد المقصود يخص إسرائيل. ولا بد من استحضار الحرب السورية في خلال عشرة أعوام وما تبعها من تفجيرات في لبنان، أن المخيمات بقيت محافظة على “الحياد الإيجابي”، بضمان الاستقرار والتعاون الأمني مع الأجهزة اللبنانية، وهذا ما تشهد به الأحزاب والقوى وقادة الأجهزة. ويتذكر اللبنانيون ولا سيما أهل طرابلس الشاب الفلسطيني صابر مراد، حين فدى المدينة بنفسه حين واجه داعشي حاول تفجير نفسه في حزيران 2019. إضافة إلى أن مخيم نهر البارد دفع فاتورة كبيرة عبر تدميره عام 2007 لرفضه إيواء جماعة مصنفة إرهابية.

ولعل الأخطر في البيان أنه ذكر حزب الله وأنشطته في سوريا والعراق واليمن، وكأنه يربط بين السلاحين والساحات المختلفة. وهذا ظلم كبير لأهالي المخيمات وقضيتهم، وهذا كلام صريح حول تنفيذ القرار 1559 القاضي بسحب سلاح المخيمات والحزب. يظن من يقرأ البيانات الأميركية والقرار الدولي ويستمع لتصريحات جهات معروفة أن سلاح المخيمات من النوع الثقيل والمهدد لأمن الشرق الأوسط. وهو لا يتعدى سلاحاً قديماً فردياً بغالبيته والسلاح المتوسط لا يتجاوز “الآر بي جي”. هكذا تصبح المخيمات “بعبعاً” مخيفاً للمحيط اللبناني، وهذا افتراء كبير ولا سيما أن الفلسطينيين تعلموا من الماضي وجنحوا إلى الانصهار شبه التام مع جوارهم. في المقابل، هناك أطراف لبنانية بقيت تعيش في التاريخ وذكرى الحرب الاهلية. ويجب معرفة أن الفلسطيني ليس ضد تسليم السلاح ولو كان فردياً، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، قالها أكثر من مرة إنه مع دخول الجيش اللبناني إلى كل المخيمات. لكن الرفض كان لبنانياً داخلياً من دون إبراز الأسباب.

إذا كان جزء من اللبنانيين يخشى الفلسطينيين ويريد لعب ورقة المخيمات في البازار الداخلي والتفاعلات الخارجية، عليه إدراك أن أبناء المخيمات لا تعجبهم أوضاعهم ويريدون حلولاً جذرية مستندة للحوار المشترك وليس إلى التنازع. يريد الفلسطيني حياة كريمة وحقوق إنسانية، بعيداً عن مسألة السلاح. وإذا كان لا بد من ذكر السلاح، وجب ذكر الضمانات للفلسطيني بأن لا تحصل مجزرة كصبرا وشاتيلا مرة أخرى، ولا سيما أن التهديدات الإسرائيلية مستمرة للبنان.

يدرك الساسة اللبنانيون كما الفلسطينيون، أن سلاح المخيمات ليس قضية ثنائية فقط، إنما مسألة إقليمية ودولية. ولذلك نجد بيان الخارجية الأميركية، يفصل بمسألة المخيمات. ولا يجب نسيان كلام دونالد ترامب، عند اعلان صفقة القرن وفرض التوطين على الدول المضيفة ومنها لبنان. الفلسطينيون يمانعون التوطين وكذلك يعارضون سحب السلاح من دون ضمانات. فالمطلوب هو تنفيذ ما اتفق عليه لبنانياً في طاولة الحوار عام 2006 بتنظيم سلاح المخيمات بأليات حقوقية وقانونية لسحب هذه الملف من التجاذب الحزبي. ويعرف قادة الأمن اللبنانيون أن المطلوبين للعدالة تسلمهم القوى الأمنية المشتركة داخل المخيمات، فالعلاقة الأمنية تعتبر جيدة لكن العلاقة السياسية والخدماتية بين السلطات والمخيمات غير واضحة، لا بل غير موجودة.

حاول الفلسطينيون خلال عشرين عاماً طمأنة اللبنانيين بكل توجهاتهم، لكن من يطمئنهم ويقدم لهم حلولاً لأوضاعهم القانونية والإنسانية؟ ومعروف أن العلاقة تكون بين طرفين، هنا الطرف الأول قدم كل ما يملك لمسح تداعيات الحرب الاهلية، لكن جزءا كبيرا من الطرف الثاني تتحكم به الذاكرة من دون النظر الى الحاضر والمستقبل.

شارك المقال