باسيل يراهن على حاجة “المقاومة” لشريك مسيحي ولو سيء

رواند بو ضرغم

حتى في غيابه، يبقى الرئيس سعد الحريري كابوسا في حياة النائب جبران باسيل. فبعد حفلات التخوين وتقاذف مسؤوليات تعطيل المؤسسات، جرّاء سقوط الطعن في حفرة “لا قرار” المجلس الدستوري، بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تنقل أوساط التيار كلاما عن باسيل يقول خلاله انه “لم يصدّق أن من عيّنه الرئيس الحريري في المجلس الدستوري، صوّت لمصلحة قبول الطعن وعدم دستورية النصاب الذي اعتُمد في جلسة مجلس النواب، في حين أن حليفه حزب الله لم يصوت الى جانبه فجاءت النتيجة ستة أصوات لقبول الطعن، مقابل أربعة أصوات لمصلحة رفض الطعن”.

يعتبر باسيل أنه كان من المفترض على حزب الله أن “يمون” على أحد القضاة في المجلس الدستوري لكي يسير الطعن على خط القبول، لكن حزب الله كالعادة وقف الى جانب الرئيس نبيه بري، الذي يقف حائلا (وفق باسيل) دون إجراء الاصلاحات الضرورية في البلاد ودون مكافحة الفساد، وهذه ليست المرة الاولى يفضّل الحزب شريكه الشيعي على حليفه المسيحي والمصلحة الوطنية.

ومن هذا المنطلق، شعر باسيل بأن الرئيس الحريري لا يميل عن النقاش الدستوري والمبادئ المؤسساتية، خصوصا أن الحريري الذي بات الخصم اللدود لرئيس التيار الوطني الحر، كان باستطاعته أن يصوت الى جانب الثنائي الشيعي ويقتص من باسيل، الا أنه صوت الى جانب الدستور مستبعدا مصلحته السياسية.

هذه الخلاصة التي وصل اليها باسيل متأخرا، خسر جراءها كل شيء، وبقي الحريري رجل المؤسسات والحريص على الدستور والوفاق الوطني.

فعل الندامة لا ينفع بعد الحروب السياسية الحاقدة التي خاضها باسيل ضد الرئيس سعد الحريري. فاعتكف الحريري وارتاح من طواحين العهد الهوائية، ووصول حال البلاد الى ما وصلت اليه، وتعمق الانقسام السياسي نتيجة سياسات العهد الكيدية، فرمى باسيل المسؤولية على حزب الله تحديدا، الا أن التواصل بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر لم ينقطع على الرغم من الاستياء المتبادل، وأوصل حزب الله وجهة نظر الثنائي الشيعي الى باسيل بأن موقفهما نابع من قراءتهما الدستورية، فيمكن أن تكون صائبة ويمكن أن تكون خاطئة، الا أن القاسم المشترك بين الثنائي الشيعي وباسيل هو استشعارهما بأن الرئيس نجيب ميقاتي لا يريد أن تجتمع الحكومة وغير متحمس لعودة انعقاد مجلس الوزراء.

موقف الثنائي الشيعي لم يتبدّل بخصوص مقاطعة مجلس الوزراء الى حين فصل مسار التحقيقات، ونقل حزب الله لباسيل أن موقف بري منطلق من تمسكه بصلاحيات مجلس النواب، فأجابه باسيل بأنه لا يستقيم الحفاظ على صلاحيات مجلس النواب من دون الحفاظ على الدستور بما يتعلق في موضوع النصاب واحتساب اصوات النواب وفقا للمادة 57 من الدستور… الا أن الحليفين لم يتوصلا الى نقاط مشتركة في النقاش، ليتسرب من بعده التسجيل المصور للنائب باسيل يهاجم خلاله حزب الله، وهذا ما أدى الى استياء الحزب.

استياء باسيل غير محصور بالثنائي الشيعي فقط، بل هو أيضا يتهم الرئيس ميقاتي أنه بالتكافل والتضامن مع الرئيس بري خططا لمسرحية كانت ملعبها على أرض عين التينة، والذي انسحب منها ميقاتي بصورة الغاضب. ويعتبر باسيل أن ميقاتي وجّه نصيحة لبري بأن لا يقبل بالتسوية القائمة على تطيير القضاة، لأن لا ميقاتي ولا بري يستطيعان تحمل هذه الخطوة أمام المجتمع الدولي. وينقل باسيل لأوساطه أن بري وافق مع ميقاتي، وطلب منه أن يخرج من عين التينة غاضبا وأن يبلغ الفرنسيين والاميركيين بأنه لم يكن موافقا على التسوية. وما يعزز هواجس باسيل أن التواصل لم ينقطع بين الرئيسين بري وميقاتي، الذي أوفد غير مرة معاونه السياسي الوزير السابق علي حسن خليل الى البلاتينوم.

فوسط كل هذه السيناريوات الباسيلية والتعقيدات السياسية، يبقى السؤال الأبرز: الى أين ذاهبون بالبلاد؟ الثابتة الاساسية هي أن حزب الله لا يفك تحالفه مع الرئيس بري وهذا أمر لا نقاش فيه، لذلك فإن الخاسر الأكبر في هذه المعركة السياسية هو باسيل، وسينعكس هذا الواقع على الصعيد الانتخابي خصوصا أن نسبة المسجّلين في الاغتراب بلغت ذروتها في الشمال الذي فاق الثمانية وعشرين ألفا، بينهم أكثر من ثمانية آلاف في دائرة باسيل تحديدا البترون، وهذا ما يؤكد أنه لن ينال الحاصل الذي يعيده الى مجلس النواب في حال ترشحه.

وهنا يعوّل رئيس التيار على مجموعة أسئلة يمتلك حزب الله إجاباتها فقط: هل يكتفي الثنائي الشيعي بالحصول على مقاعده النيابية ويترك المقاعد المسيحية تحت مجهر القوات والمجتمع المدني؟ هل تكشف المقاومة ظهرها بفكّ حلفها مع التيار الوطني الحر وتصبح شيعية شيعة بحتة؟ أليس حزب الله بحاجة الى حليف مسيحي حتى ولو كان مضرا للمقاومة أو يسيء إدارة البلاد؟ تستبعد المصادر المطّلعة على أجواء الثنائي الشيعي أن تصل التوترات السياسية الى حد القطيعة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، علما أن الحزب يحمّل باسيل مسؤولية ما وصلت اليه البلاد من أزمات سياسية جراء إدارته السيئة. لكن المصلحة المشتركة تحتم العضّ على الجرح والسكوت.

وعليه، فإن أقصى ما يمكن أن يفعله باسيل هو أن تتقدم كتلته النيابية باقتراح قانون يتعلق بالمقاعد الستة للاغتراب، وهذا ما يُعد مصلحة مشتركة بين حلفاء حزب الله وخصوصا المسيحيين منهم، لأن الحزب مقتنع بأن مؤامرة دولية تحاك ضده لتقليص حجم حلفائه في المجلس النيابي، وبأن أصوات المغتربين ستكون موجهة وفق مصالح المجتمع الدولي. وتقول المصادر: كيف لمجموعة من المغتربين الذين يزورون لبنان أن يحددوا مصير كل اللبنانيين المقيمين؟ هذا النقاش هو الذي يسيطر على حزب الله وحلفائه، والبحث جار بين الحلفاء من دون الوصول الى نتيجة حتى الساعة.

شارك المقال