عدم إقرار الحكومة الاتفاق مع الصندوق قبل الانتخابات يؤجله سنة

وليد شقير
وليد شقير

“لا يحق للقادة اللبنانيين أن يكونوا منقسمين وبالتالي أن يشلوا البلد”. عبارة رددها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خمس مرات بطريقة أو بأخرى أو باستعمال مرادفات لما تتضمنه من كلمات كانت أقرب إلى تأنيب المسؤولين في السلطة الحاكمة على استمرار الخلافات التي تعطل اجتماع مجلس الوزراء وتمنع اتخاذ القرارات اللازمة في شأن معالجة الوضع المعيشي المتردي. وهو اختتم بها زيارته ليل الثلاثاء الماضي في مؤتمره الصحافي الذي أجمل فيه كافة المواضيع التي تناولها حلال زيارته على مدى نيف وثلاثة أيام.

إلا أن غوتيريش أقرن تلك العبارة في مؤتمره الصحافي عشية مغادرته، بالتشديد على “الحاجة الملحة للانتقال إلى المحادثات الرسمية من أجل إنهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومن دون أي تأخير إضافي”.

خلف هذا الموقف العلني المكرر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الذي استبق فيه وصوله في “رسالة التضامن” عشية الزيارة، إدراك تفاصيل الوضع السياسي المعقد الذي تمر فيه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والخلاف الذي حال دون اجتماعها منذ 12 تشرين الأول الماضي جراء الانقسام الكبير حول التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت والشرط الذي يضعه الثنائي الشيعي كي يقبل بالتجاوب مع دعوة ميقاتي لها إلى الاجتماع.

لدى المسؤول الدولي، معرفة بعواقب بقاء الشلل في السلطة التنفيذية، مثل سائر الدول المعنية بمساعدة لبنان ومنع انهياره الكامل. فالخطوة الرئيسية المطلوبة من المجتمع الدولي هي إنجاز الحكومة الاتفاق مع صندوق النقد، وعلى الأقل اتفاق الإطار على عناوين الإصلاحات وخطة التعافي، الذي من دونه يستحيل الحؤول دون الارتطام الكبير في الوضع اللبناني الذي تتخوف الجهات الدولية كافة من الفوضى التي سيخلفها، وتسعى إلى تجنبها بأي ثمن.

وفي ما يخص التفاصيل تشير المصادر الرسمية التي رافقت محادثات غوتيريش إلى رغبة الأمم المتحدة بتجنب السيناريو الآتي:

– إذا طالت المفاوضات مع صندوق النقد ولم يتم توقيع اتفاق واضح معه، فإن الانتخابات النيابية المنتظرة ستداهم الحكومة وكل الفرقاء المعنيين في الخارج، لتنغمس البلاد في الحملات الانتخابية.

– ان تأجيل إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد إلى ما بعد الانتخابات النيابية لا جدوى منه، لأن قناعة الأوساط المحلية والدولية المتابعة لتفاصيل الأزمة اللبنانية، بأن الحكومة ستعتبر مستقيلة حكماً وفق الدستور عند انتخاب المجلس النيابي الجديد.

– إن مستوى الخلافات الحالي بين أركان السلطة سيبقي حكومة الرئيس ميقاتي بصفة تصريف الأعمال حتى تجري الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الأول المقبل، لأن هذه الخلافات يرجح أن تحول دون تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحية للتوقيع على اتفاق مع صندوق النقد، بعد الانتخابات النيابية. ولأن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على التوقيع على الاتفاق مع الصندوق، فإن الأمر قد يؤجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، إذا جرت في موعدها ولم يحصل أي فراغ، مما يعني انتظار سنة على الأقل من الآن حتى تتشكل حكومة جديدة. وهو أمر قد يستغرق شهرين في الحد الأدنى. وهذا التأخير في توقيع الاتفاق يعني إقحام لبنان في وضع خطير على الأصعدة الاقتصادية والمالية والحياتية وربما الأمنية. وهناك قوى سياسية محلية تخشى أن يكون الهدف إبقاء الاتفاق مع الصندوق معلقاً على المحادثات الدولية مع إيران حول النووي وما بعد النووي، أي الأزمات الإقليمية وبرنامج طهران للصواريخ الباليستية.

هذا السيناريو دفع غوتيريش إلى طرح وجوب اجتماع الحكومة التي يقر ميقاتي، على الرغم من قوله إن “الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي”، بأن ما تقوم به الحكومة بالمفرق، أي في اجتماعات اللجان الوزارية المختصة، وفي المهام التي ينفذها الوزراء في شكل إفرادي، سواء بالتفاوض مع صندوق النقد، أو بالتحضير لهذا التفاوض، سيحتاج إلى إقراره في مجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي لن يكون له أي مفعول على إقبال المجتمع الدولي على تقديم المساعدات.

عبّر عن ذلك كلام لنائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، الذي يرأس الفريق الوزاري الاستشاري المولج بالتفاوض مع الصندوق في الساعات الماضية بقوله: “عندما ننتهي من وضع خطة التعافي الاقتصادي والمالي ونتفق مبدئيا على الخطوط العريضة مع صندوق النقد الدولي، حينها نحن بحاجة لأن تجتمع الحكومة لاقرار الخطة والا فلن يكون باستطاعتنا ان نقوم بالاصلاحات الضرورية والملحة، لذلك اقترحت مؤخرا، انه عندما تكون لدينا خلافات على مواضيع محددة، نضع هذه الخلافات جانبا ونجتمع في مجلس الوزراء على برنامج عمل محصور بالامور الاقتصادية والمعيشية التي تهم الناس بالتوازي مع الجهود المبذولة من الجميع لحلحلة المواضيع الاخرى”.

ويطمح الشامي إلى أن “يتم الاتفاق بين أواخر كانون الثاني ومنتصف شباط المقبل، وبعدھا يرسل البرنامج الى مجلس ادارة الصندوق لاقراره، وهذا الأمر قد يأخذ وقتا يراوح ما بين اسبوعين وثلاثة اسابيع، لكن اذا كنا قد اتفقنا مع بعثة الصندوق على البرنامج عندھا ستكون موافقة مجلس الادارة سهلة المنال”.

يتوافق ما قاله الشامي مع الترتيب الزمني الذي تخشى الأمم المتحدة والدول التي تستعجل إقرار الاتفاق من قبل الحكومة قبل دخول البلد في المرحلة الانتخابية.

في الاجتماعات الثنائية التي عقدها غوتيريش مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ومع ميقاتي، أثار ضرورة اجتماع الحكومة، مستعجلاً وضع الخلافات التي تحول دون ذلك جانباً، من أجل إقرار الاتفاق مع صندوق النقد، خصوصاً أن موازنة الدولة للعام المقبل يجب أن تكون جزءاً منه. بقيت المداولات الثنائية بينه وبين الرؤساء الثلاثة طي الكتمان بالنسبة إلى هذه القضية وبالنسبة إلى المحادثات غير المباشرة المرتقبة في شأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيما تناولت المحادثات الموسعة مع كل من الرؤساء الثلاثة والوزراء والمستشارين الذين التقاهم غير ذي أهمية، باستثناء الاجتماع الموسع في السراي الحكومي مع المنظمات الدولية المتخصصة في شأن المساعدات.

لكن المعطيات المتسربة أفادت بأن غوتيريش حضّ على ضرورة اجتماع الحكومة ونصائحه التي ساقها خلال لقاءاته وعكسها في تصريحاته العلنية، لم تنجح وغادر خائباً من أن مساعيه في هذا الجانب لم تلقَ الاستجابة المطلوبة. ولم يفعل تحذير المسؤول الدولي العلني وفي الاجتماعات المغلقة من أن الاستجابة الدولية للمناشدة التي سبق للأمانة العامة للأمم المتحدة أن أطلقتها قبل أشهر لتقديم المساعدات للبنان لم تتجاوز الـ11 في المئة، لأن الدول كافة أبلغت بأنها لن تقدم المساعدات من دون أن تلمس الإصلاحات وتطبيق الدستور في عمل المؤسسات. ولم يفعل كلامه عن أن “الوقت ليس لمصلحتكم” فعله في التأثير في أبطال المسرح السياسي.

شارك المقال