سوء تفاهم مار مخايل

عاصم عبد الرحمن

منذ دخول اتفاق مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر حيز التنفيذ عام 2006، تشهد سماؤه تقلبات في أحواله الجوية سرعان ما يتحول طقسه إلى مشمس كلياً يتنشق جمهور الفريقين رياحين ربيع الإتفاق الذي توج بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016.

ومما لا شك فيه أن الكثير من الخلافات التي وقعت بين جناحَيْ التفاهم كانت على شكل عراضات فنية تستهدف تمرير صفقات سياسية – سلطوية معينة بنكهة تجييرية – تعويمية لدى الرأي العام لكِلَا الفريقين، إلا أن اختلافات كثيرة في وجهات النظر لا بل في الأداء السياسي للحزب شكَّلت محط خلاف مع التيار أبرزها العلاقة المقدسة مع الرئيس نبيه بري، التمسك الدائم بالرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة لأسباب مذهبية والحفاظ على متانة العلاقة بالمرشح الرئاسي سليمان فرنجية، أما ما تبقى من خلافات واختلافات فهي بلا شك لا تعدو كونها تحاصصية.

ولكن هل العلاقة بين التيار والحزب قبل فرض العقوبات الأميركية على باسيل غير تلك التي بعدها؟ وما هي كلمة السر التي تبقي مار مخايل حياً أو تميته؟

لم يعد الكلام عن حاجة حزب الله للتيار الوطني الحر لتأمين الغطاء المسيحي لسلاحه مقابل تحقيق أهداف التيار السلطوية مهماً فقد أصبح من المسلمات بين الفريقين، فالأول يريد منبراً ديبلوماسياً يشرّع سلاح الحزب في المحافل الدولية، ورئيسا قويا يضع خطوطاً حمرا حول سلاح في الداخل لطالما شنَّ عليه معارك سياسية وديبلوماسية كان أبرزها الدور الذي لعبه في استيلاد القرار رقم 1559، أما الآخر فكان له ما يريد من الرئاسة إلى الكتل النيابية والوزارية الوازنة بالإضافة إلى هيمنة شبه مطلقة على الحصص المسيحية في التعيينات كافة.

إلا أن العقوبات الأميركية التي طالت الوريث الوحيد لرئيس الجمهورية والتي حمَّل جبران باسيل مسؤوليتها الكاملة لعلاقته مع الحزب، كانت المحطة الفاصلة التي أخرجت كل خلاف أو اختلاف بينهما إلى العلن تديره غرفة عمليات باسيلية نيابية وإعلامية مقابل هدوء وتفهم حزبي ومراعاة واستيعاب مطلق يعالج هواجسه بحكمة مسؤول الإرتباط والتنسيق وفيق صفا على قاعدة أن الحزب يتحمل مسؤولية العقوبات التي تركت آثاراً سلبية في السياسة والمال في التيار وقواعده وكوادره في الداخل والخارج.

وكانت آخر الفصول الجنونية بين التيار والحزب ما أسفرت عنه نتيجة اللا قرار من المجلس الدستوري وما دار حوله من تسويات وصفقات تعيد الحياة إلى مجلس الوزراء وتطيح القاضي طارق بيطار على وقع مهرجان تعيينات لم يبلغ باسيل احتفاله به، وعلى الرغم مما أطلقه من صواريخ تجاه الضاحية وعين التينة عبر تحميلهما مسؤولية خراب البصرة إلا أنه ضرب موعداً لمؤتمر صحافي في 2 كانون الثاني 2022 ليفجّر ما تبقى في جعبته من ذخائر.

وحول ما إذا كان الخلاف المستجد بين التيار الوطني الحر وحزب الله جدياً أم مسرحية لشد العصب المسيحي على أبواب الاستحقاق الانتخابي، اعتبر النائب طوني فرنجية في حديث لـ”لبنان الكبير” أنه لا يوجد أي خلاف بينهما بل علاقتهما جيدة. وأشار إلى أن “انتقاد باسيل لحزب الله إنما يخدم القوات اللبنانية بإعطائها الحق في معارضتها للحزب وهذا ما لا يريده؛ لا بل يرتد سلباً عليه في الشارع المسيحي، وعليه لا وجود لأي خلاف بين التيار والحزب”.

وفي السياق عينه، يقول مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور في حديث لـ”لبنان الكبير”: “التباين بين التيار والحزب هو جدي وليس مسرحية لكن يجب التأكيد على أن هذا التباين ليس كالخلاف بين الحزب والقوى السيادية إذ إن الخلاف هنا قائم على أن الحزب يخطف الدولة اللبنانية، ويحول دون تطبيق الدستور، ويمنع اعتماد حياد لبنان، ويسيء إلى العلاقات اللبنانية – الخارجية ويأتمر من إيران التي يؤمن بإيديولوجيتها، أما الخلاف المستجد بين التيار والحزب فهو ليس حول هذه العناوين بل هو خلاف ذو طبيعة سلطوية وليست سيادية، هو خلاف جدي لأن قاعدة التحالف قائمة على الآتي: يؤمن التيار الغطاء للحزب والسلاح مقابل توفيره الرافعة لمواقعه السلطوية، من هنا يعتبر التيار أن الحزب قد أخلَّ بهذه المعادلة”.

ويضيف جبور “أن رقعة الخلاف بين التيار والحزب ستكبر وتتوسع مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية ميشال عون الذي وفر غطاءً ما بعده غطاء للحزب وسلاحه عبر رئاسة الجمهورية وكتلة نيابية ووزارية وازنة، ما لم يتبنَّ حزب الله ترشيح جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، على اعتبار أن التيار قد وفر غطاء لا يحلم به الحزب”.

وإذا كانت الخلافات المستفحلة بين التيار والحزب تحلّ عبر لقاء منمق بين النائب جبران باسيل والسيد حسن نصر الله الذي غازل مؤخراً وفاء الحليف الزغرتاوي كرسالة واضحة للتيار عن استعداده لمنح وعد رئاسي صادق، يبدو اليوم أن هكذا خلافاً لن يجدي نفعاً مع التيار حتى وإن وعده الحزب بمنحه ما استطاع من أصوات شيعية حيث أمكن لتعويم بضعة مقاعد نيابية في الدوائر المختلطة، لأن ذلك دونه عقبات استراتيجية تتعلق بالعلاقة مع نبيه بري في دوائر عديدة، كذلك سليمان فرنجية الذي وصف كلام السيد بسيد الكلام لا يزال بانتظار التزام الحزب بوعده يوم كاد يدخل قصر بعبدا ثم تراجع إرضاءً لقيادة حزب الله وساعده في الوفاء بوعده لميشال عون.

وعليه لا بد أن خطاب باسيل في اليوم الثاني من العام الجديد والذي استبقه داعماً رئيس الجمهورية بإطلالة شاملة حول مختلف الملفات المتعلقة بالوضع العام والتي أُعطيت هالةً إعلاميةً كبيرة لم تكن بمستوى القنبلة الموعودة، سيشهد تصعيداً إعلامياً وإطلاقَ رصاصٍ خلبيٍ تجاه الضاحية مستغلاً استيعاب الحزب لثورته وتفهمه لهواجسه، لا بل ستنحو العلاقة بينهما إلى المزيد من التوتر الكلامي الفارغ وسيرافقها بركان متفجر يشعل فتيله ذباب إلكتروني وربما سيتم الإعتماد على نواب حاليين غير مرشحين للإنتخابات المقبلة منعاً لأي إحراج في مستقبل العلاقة بينهما، ذلك أن مياه البياضة ستعود إلى مجاري الضاحية عند عتبة وعد رئاسي منتظر على اعتبار أن هكذا وعد يشكل خشبة الخلاص التي ستبقي تفاهم مار مخايل على قيد الحياة، لكن إذا ما هبت رياح الوعود الإلهية عكس ما تشتهيه سفينة جبران باسيل فلا شك أن مفتاح قصر بعبدا سيقفل باب مخايل وتفاهمه وقداسته وسيطوي أكثر من 16 عاماً من التفاهم حول بازار المصالح المتبادلة.

شارك المقال