2022 عام الاستحقاقات… والانهيارات المغمّسة بالتمنيات

هيام طوق
هيام طوق

لم تشأ سنة 2021 أن تمرّ من دون أن تقدم لكل اللبنانيين صفعة على طبق مطعّم بكل أنواع الأزمات التي حفرت آثارها في عقولهم وقلوبهم ونفوسهم مدى العمر. صفعة سيحرص الكبار على نقل أوجاعها الى الأجيال اللاحقة، وسيكتب المؤرخون عنوانها بخط أسود عريض: سنة جهنم والجهنميين، في قصة تأتي حبكتها مليئة بمرارة تفاصيل أبشع وأقوى من أيام حرب ارتضوا أن تتحول الى ذكرى وعبرة. السنة الثقيلة التي أرادوا رحيلها بغير رجعة، تمنوا أن يسقطوها من كتاب حياتهم، وأن يتناسوا ذكراها الفارغة حتى من العبرة.

في سنة 2021، فتح المسؤولون أبواب جهنم أمام شعبهم على مصراعيها، فاستحقت عن جدارة ان تكون سنة الاحباط واليأس على المستويات كافة، وأتت صفعتها أكثر تأثيرا في المواطن الذي يدفع فاتورة الكيديات والتناحر السياسي باهظا، اذ ثابرت السلطة بإجراءاتها المصلحية على سحب الأنفاس حتى الرمق الأخير. فاختفت الأدوية التي تضاعفت أسعارها عشرات المرات، وتحولت المستشفيات الى فنادق خمس نجوم يدخلها الأغنياء فقط، وعانى الناس في أكثر من محطة حتى من رغيف الخبز الذي بات يتطلب ميزانية لعائلة كبيرة، من دون أن ننسى طوابير البنزين وارتفاع أسعار المحروقات الجنوني بالتزامن مع تحليق الدولار الذي وصل الى عتبة الثلاثين ألفا، وأحرقت فاتورة المولدات الكهربائية الجيوب وأتلفت الأعصاب في وقت شهدت المواد الاستهلاكية التي أُسقط الكثير منها من اللائحة الغذائية، ارتفاعا خياليا في الاسعار. كل ذلك غيض من فيض إذ اجتهدت السلطة لإذلال الناس بكل أنواع الذل، فاستحقت عن جدارة جائزة نوبل في التجويع والتحقير والتعذيب.

ومن ضفة المآسي المعيشية الى ضفة الأزمات السياسية المتلاحقة التي أحرقت الأخضر واليابس اذ يمكن اعتبار سنة 2021 سنة الفبركات والفزلكات من دون منازع إذ أمعنت السلطة على مدى 365 يوما في التكليف والتشكيل والتعطيل، وما رافقها من شد حبال وتناحر وانتكاسات سياسية بين مختلف الجهات. ولعل أبرزها الأزمة مع دول الخليج خصوصا السعودية بسبب التصريحات والمواقف النارية والهجومية تجاهها، وتراشق الاتهامات بين الجهات السياسية على خلفية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت وما نتج عنها من تداعيات على الصعيد الحكومي وعرقلة انعقاد مجلس الوزراء إذ أصبحت حكومة الانقاذ بحاجة الى عناية فائقة لانقاذها ورئيسها معتكف وهو مستمر في تدوير الزوايا وفكفكة العقد “المعقدة” مرورا بامتعاض التيار الوطني الحر من قانون الانتخاب وتقديمه طعنا أمام المجلس الدستوري الذي خلص الى “اللاقرار” وتم تحديد موعد الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، والمهدد بعدم الاجراء لألف سبب وسبب، والتصعيد غير المسبوق بين ” التيار الوطني الحر” و”حزب الله” والذي اعتبره البعض يشكل تهديدا لاتفاق مار مخايل في حين لم يرَه البعض الآخر سوى فقاعات صابون بأهداف شعبوية على أبواب الانتخابات النيابية من دون أن نغفل حوادث الطيونة التي رأى فيها البعض “ميني” حرب أهلية.

ومع اطلالة سنة 2022 المثقلة برزمة أزمات 2021 كما برزمة استحقاقات كبرى، يبقى الأمل أن تحمل معها بصيص نور يضيء النفق المظلم الذي يعتبر عدد كبير من المحللين ان ساعة الخروج منه لم تدق بعد، وان عبوره ليس بالأمر السهل. وعلى الرغم من تلك السوداوية، لا بد من جملة أسئلة: هل ستلاحق تداعيات أزمات 2021 سنة 2022 وتكون أشد وطأة على اللبنانيين؟ وهل ستتم الاستحقاقات من الانتخابات النيابية الى الرئاسية على خير؟ وماذا يعني انتخاب رئيس جمهورية وبرلمان في ظل نقمة الناس على السلطة التي أوصلت البلد الى قعر جهنم؟.

علامة: تبعات الترقيع ستكون كبيرة وخطيرة

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة :”أزمات 2021 ستكون تداعياتها كبيرة جدا على سنة 2022 التي قد تشهد انفجار كل المشاكل التي كانت مستترة أو حاولوا ابقائها بعيدا عن الضوء. في 2022 هناك استحقاقات كبيرة جدا تتعلق بمؤسسات الدولة ككل أي القطاع العام. والمؤسسات التي تلاشت في الـ2021 قد تشهد في السنة المقبلة تفككا اذا لم يتم تدارك الامور واتخاذ قرارات انقاذية”.

وأشار الى “اننا قد نشهد أيضا مزيدا من الاشتباك السياسي بين المكونات التي لم يعد باستطاعتها العمل ضمن النظام اللبناني القائم. الوضع المالي والاقتصادي والذي تم ترقيعه في السنة المنصرمة والتعاميم التي صدرت عن مصرف لبنان في الشهرين الاخيرين خاصة بعد عجز السلطة السياسية عن اقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول وقانون استعادة الاموال المحولة والاموال المهدورة، كلها مؤشرات الى ان العام المقبل سيشهد عجزا كليا في ترقيع الامور، والتبعات ستكون كبيرة وخطيرة”.

واعتبر ان “بداية الحل في اجراء الاستحقاقات الدستورية في موعدها سواء الانتخابات النيابية او الرئاسية او البلدية، لكن نتيجة التعقيدات التي تراكمت على مدى 5 سنوات من قبل السلطة وطريقة ادارتها للحكم، أعتقد انهم سيعملون بشتى الطرق على تطيير الاستحقاقات، وبالتالي، فتح باب المغامرة لادخال لبنان في المجهول خاصة ان البعض لديه نوايا يبدو انها أبعد بكثير من الاستحقاقات وأبعد بكثير من الابقاء على لبنان بصيغته الحالية”.

وتابع علامة: “في كل مجتمع تحصل تعقيدات كما حصل في لبنان، وتعتبر الانتخابات بداية لاعادة تشكيل السلطة من خلال العودة الى الشعب الذي هو مصدر السلطات.ا لانتخابات ينتج عنها تكوين سلطة جديدة قادرة على ادارة الحكم بمعزل عن كل التعقيدات التي كانت سابقا، وبعيدا عن المواقف التي اتخذها الفرقاء السياسيون. ننتظر من هذه الاستحقاقات التي باتت مطلبا داخليا وخارجيا ان تكون بداية لاعادة تكوين السلطة للذهاب نحو اعادة بناء الدولة وتطبيق الدستور وتعزيز واقع المؤسسات، وبالتالي اعادة ترتيب الوضع الداخلي ليتنفس اللبنانيون الصعداء، مشددا على ان تطيير او فركشة الاستحقاقات قد تكون مؤشرا الى زوال الكيان اللبناني او فتح باب المغامرة باتجاه طرح صيغ جديدة”.

أيوبي: سنذهب الى أزمة أعمق وأكبر

ورأى رئيس مركز “إستراتيجيا للدراسات والأبحاث” مروان أيوبي “اننا في العام 2022 لن نعاني فقط من تداعيات الـ2021 انما سنذهب الى أزمة أعمق وأكبر على المستوى الاقتصادي والانهيار المالي لأننا في ظل حكومة مكبلة ومعطلة منذ تأليفها، ولا بوادر لأي حل. والحكومة لن تستطيع ايجاد حلول حقيقية طالما لا تعقد جلساتها لاتخاذ القرارات. أما القدرة الشرائية، فالى مزيد من الانعدام، ولن تستطيع البطاقة التمويلية ان تشكل فارقا في حياة المواطنين الأكثر فقرا، كما اننا امام انهيار لليرة أكثر فأكثر”.

وأضاف: “على المستوى السياسي، السنة الجديدة ستشكل استمرارا لمنظومة السلطة التي أوصلت البلد الى هذا الانهيار. الخلاف السياسي بغض النظر عن حيثياته هو خلاف على المحاصصة اذ ان كل الاطراف تحتاج لتظهير الخلاف على قاعدة اعادة شد عصب كل طرف لجمهوره عشية الاستحقاق النيابي. سوف نسمع المزيد من الخطابات بسقوف عالية وأكثر حدة بين أهل المنظومة لأن الكل يريد تجييش شعبيته. وبالتالي، هم يحاولون التخفيف من حجم التغيير الذي قد يحصل وتأثيره في حجم الكتل النيابية الموجودة حاليا”.

ورأى ان “احتمال تطيير الانتحابات النيابية أصبح ضيقا لأن حجم الضغط الدولي والعربي كبير، وليس لدى السلطة أي حجة للتطيير إلا في حال حصلت فوضى أمنية كبيرة، وهذا مستبعد لأن ذلك سيضع موضوع سلاح حزب الله والسلاح غير الشرعي على طاولة النقاش. إذا، سيحاولون تمرير الانتخابات من خلال شد العصب الطائفي والمذهبي كي يأتي حجم التغيير في البرلمان بسيطا”.

وتابع: “انتخاب مجلس نيابي جديد هو خطوة تفيد بأن في البلد حد أدنى من الديموقراطية. وبعد انكفاء انتفاضة 17 تشرين، أصبحت السلطة أكثر ثقة بإعادة تعويم حضورها بأقل ضرر ممكن، لذلك ستذهب باتجاه اجراء الانتخابات. وفي حال شعرت بأن الانتخابات ستؤدي الى تغيير كبير، من الأكيد أنها ستعمل على تطييرها”.

وختم أيوبي: “على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية، ربما سنشهد فراغا على هذا المستوى في ظل الانقسام الحاصل بانتظار حلحلة ما ظروفها غير متوافرة حاليا، الا اذا نتج شيء ما عن مؤتمر فيينا في السنة المقبلة، وهذا مستبعد حتى اللحظة في ان يكون هناك تغييرا على مستوى المنطقة”.

الدر: تضاعف حدة الأزمات

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسن الدر أن “لا شيء يدعو إلى التفاؤل في عام ٢٠٢٢ بل على العكس، من المرجح أن تتضاعف الازمة الاقتصادية وتزداد حدّتها على المواطنين مع توقع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في غياب حلول جذرية اقتصاديا وسياسيا”.

ورأى انه “من المتوقع ارتفاع منسوب المواقف الحادّة على الصعيد السياسي مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في ظلّ تخوّف جهات كثيرة من عدم حصولها لأسباب داخلية تتعلق بحسابات بعض القوى السياسية خصوصا بعد قرار المجلس الدستوري الذي شكّل ضربة تحت الحزام للتيار الوطني الحرّ الذي كان يراهن على قبول الطعن لتجنب الصوت الاغترابي الذي قد يقفل باب المجلس أمامه”.

وأضاف:”يربط بعض المتابعين الاستحقاق الانتخابي بالعامل الخارجي خصوصا مسار مفاوضات فيينا، فإذا تعثر الوصول الى اتفاق بين ايران واميركا يصبح مصير الانتخابات في مهبّ الحسابات الاقليمية المعقّدة”.
وتابع: “كما يبقى الهاجس الامني حاضرًا بقوة في الاشهر المقبلة، ونحن في بلد مخلّع الأبواب أمام وكالات الاستخبارات المختلفة وخلايا التنظيمات النائمة وكلّ مصطاد في ماء السياسة العكرة”.

وشدد الدر على أن “أخطر وأسوأ السيناريوات أن نغرق في فراغ مؤسساتيّ شامل، في حال طارت الانتخابات النيابية من دون تجديد أو تمديد ولاية المجلس، فذلك سينسحب على رئاسة الجمهورية والحكومة أيضًا. لم يشهد لبنان مثل هذا السيناريو سابقا، على الرغم من كل ازماته وتعقيداته، واذا وصلنا إلى هذه الحالة، وهي مستبعدة، فذلك سيأخذنا حكمًا نحو صدام كبير قد يأتي بصيغة جديدة بعد سنوات من الاقتتال والخراب”.

شارك المقال