مداهمات في طرابلس واعتراض من الأهالي: الدّولة ظالمة!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم ينم الطرابلسيون ليلة رأس السنة بسبب كثافة الرصاص الذي زيّن بـ “عشوائية” سماء المدينة، مسببًا الكثير من الأذى طال شرفات المنازل وسيّارات المواطنين العاجزين عن تصليح “مسمار” واحد حتّى فيها، إذْ لم تعمّ أجواء الفرح والبهجة في المدينة بقدر ما سادت أجواء الخوف من الرصاص الطائش الذي ضرب كلّ الأحياء والأزقة المعروفة بحاجتها المستمرّة إلى الدّعم المادّي والمالي، في ظلّ أزمة اقتصادية لا تسمح لأحد بتأمين ثمن رصاصة واحدة أطلقت في هذه الليلة.

ولم يكتف البعض احتفاءً بهذه المناسبة بإطلاق الرصاص الذي حوّل لون السماء إلى الأحمر، بل أُطلقت القنابل أيضًا في بعض المناطق ليحدث “هرج ومرج” في ليْلة كانت من المفترض أن تكون ساعات مخصّصة لـ “إعادة الحسابات”، أو على الأقلّ ليلة للصلاة عسى ولعلّ تخرج البلاد من أزماتها الكبيرة.

ولم تنفع البيانات الرسمية التي تُعادي هذا الأسلوب المتكرّر سنويًا، ولم يسمع أحد لفتوى كانت قد أصدرتها “دار الفتوى في طرابلس والشمال” بتحريم إطلاق الرصاص في الهواء، وحسب هذا البيان فإنّ: “فاعله آثم ومرتكب للمعصية، وكلّ ما ينتج عن هذا العمل من قتل إنسان أو جرحه أو إضرار بالممتلكات أو ترويع للناس يتحمّل إثمه ومسؤوليته عند الله كلّ من أطلق الرصاص في حينه ووقته…”، لكن لا حياة لمن تُنادي ولا حياء من دين أو من إنسانية تُشفق على مواطنين تعرّضوا للأذى بسبب طيش البعض وعدم تحمّله لمسؤوليته كإنسان قبل أن يكون مواطنًا أو ملتزمًا.

مداهمات واعتراضات

تُشير بعض المعطيات إلى أنّ القوى الأمنية والعسكرية في طرابلس وغيرها من المناطق أيضًا، كانت قد اتخذت بعض الإجراءات الأمنية كالحواجز المتنقلة التي تُدقّق بهويات المارّة، مع قيامها بالتدخل لا سيما بعد مطالبة الأهالي عند إطلاق القنابل بضرورة هذا التدخل، محاولة الحدّ من الحوادث التي تحصل في رأس السنة، وهي إجراءات كانت عرضة لجملة من الاعتراضات الشعبية أبزرها: عدم سرعة الأجهزة في التدخل للحدّ سريعًا من إطلاق النّار أو القنابل، وذلك عبر إلقاء القبض مباشرة على كلّ من يُخلّ بالأمن والتحقيق معه لمعرفة مصدر أسلحته ومموّلها، كما أنّ الاعتراض جاء لينتقد قيامها بحواجز في منطقة الضمّ والفرز ما رآه البعض أنّه غير مجدٍ على الإطلاق لأنّ هذه المنطقة تحديدًا، لا تُعدّ شعبية ولا يتمّ إطلاق الرصاص من شوارعها بل من شوارع أخرى معروفة.

وبعد قيام مخابرات الجيش بتنفيذ مداهمات في طرابلس وتحديدًا في الزاهرية، تمّ توقيف عدد من الشبان بتهمة إطلاق النّار في هذه الليلة، مما دفع الأهالي والمقرّبين منهم إلى قطع دوار نهر أبو علي في طرابلس احتجاجًا، وعلى الرّغم من توجيه أصابع الاتهام إلى مطلقي النّار، إلا أنّ الأهالي اعتبروا أنّ الدّولة ظالمة ومجحفة بحقّهم بسبب الأسلوب الذي اعتمد أثناء تنفيذ هذه المداهمات.

ويُعبّر الأهالي لا سيما من النّساء عن غضبهنّ من الطريقة التي تمّت فيها المداهمات، إذ أشارت إحدى الأمّهات إلى أنّ العسكريين “داهموا منزلها قبل ارتدائها للحجاب، ودخلوا إلى منزلها عنوة وأشهروا السلاح في وجهها قبل إلقائهم القبض على ابنها، معتبرة أنّ الأهالي ليسوا ضدّ الدوّلة لكنّهم ضدّ الأسلوب ليس أكثر، أمّا والدة شاب آخر فقد اعترضت أيضًا على أنّ طفلها قاصر وأنّه يجب على هذه القوى مداهمة بيوت الكبار لا الصغار في هذه الدّولة الظالمة”.

وبعد نقل وجهة نظر الأهالي إلى مصدر عسكريّ، يقول لـ “لبنان الكبير” :”إنّ القوى العسكرية أو الأمنية تقوم بواجبها الذي تفرضه القيادات المسؤولة، وهي أوامر يجب تنفيذها لتقديم تقارير رسمية، فعليْها وبكلّ الحالات القيام بعملها المطلوب منها هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ مداهمة عسكرية لا تعني أبدًا طرق الأبواب أو الدخول إلى المنازل بالورود والزغاريد، فهم من المطلوبين ويجب العثور عليهم لأنّهم خالفوا التعليمات، فإذا تمّت هذه العملية ستتمّ بجدارة ومنها سنتمكّن من منع المتهمين من الهروب أو الاختباء بشكل مفاجئ، وبالتالي لن يُسمح لأيّ فرد بتعطيل هذه المهمّة”.

ويُضيف: “كلام السيّدات مرفوض تمامًا، بخاصّة حين يُريدون توجيهنا وإعلامنا عن كيفية العمل والقيام بمداهمات، فإذا رأوا أنّ الدّولة ظالمة، هذا من حقّهم اقتصاديًا وسياسيًا إن أرادوا إقناع الجميع، لكن من الجهة العسكرية فهذه القوى ما تزال صامدة حتّى هذه اللحظة في موجة من الفقر والذل تدقّ باب كلّ عسكريّ دخل إلى هذا السلك”، مشدّدًا على أنّ التحقيقات ستُثبت براءة أبنائهم من تورطهم في هذه الأحداث.

شارك المقال