كما على مستوى معظم الدوائر الانتخابية، كذلك هي الحال في البقاع الغربي، فالكل ينتظر موقف الرئيس سعد الحريري من المعركة الانتخابية المنتظرة ليبنى على الشيء مقتضاه، إن لجهة التحالفات أم لجهة الترشيحات وتشغيل الماكينة الانتخابية للتيار الأزرق، ووفق مصادر متابعة للشان الانتخابي في هذه المنطقة أن “هذا الانتظار لن يطول، والمحطة الحاسمة ستكون في الأيام الأخيرة من هذا الشهر، إذ ستتضح الصورة كاملة، ولن يكون هناك فراغ متروك بسبب غياب “المستقبل” تستفيد منه بعض الشخصيات السنّية الممانعة أو تلك الطامحة لدور سياسي أكبر من إمكاناتها وقدراتها على محاولات كسب جمهور السنّة الى جانبها، الذي على الرغم مما قيل ويقال ما يزال مرتبطا عاطفيا بالحريرية السياسية، وبالتالي فإن تخمين البعض بأن السنّة في هذه المنطقة قد يذهبون نحو مقاطعة طوعية أمر مستبعد، فالصورة الانتخابية لدى تيار المستقبل ستتضح قريبا ولن تخيب انتظاراتهم”.
المعروف ان منطقة البقاع الغربي تتميز بتنوع كبير، والصراع الانتخابي فيها كان يجري دوما على مقعد او مقعدين في كل طائفة من الطوائف، وكما يبدو بات النائب الشيعي محسوما لصالح حركة “امل”، في إطار توافق ضمني بين القوى السياسية على تقديم المقعد النيابي لها، وبدا واضحا من مسارعة الرئيس نبيه بري المبكرة في التحرك للترويج لمرشح جديد من الحركة هو قبلان قبلان الذي استقال من منصبه في رئاسة مجلس الجنوب، ليخلف النائب الحالي محمد نصر الله، وبدأ نشاطه الانتخابي بجولات على قرى المنطقة.
كما ان المقعد الدرزي شبه محسوم لصالح النائب وائل أبو فاعور المعروف بنشاطه وهو من الشخصيات المحسوم أمر ترشحها على قوائم الجنبلاطيين.
وعلى الخط عينه، بدا التنسيق بين حزب “القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي” قائما، عبّر عنه جنبلاط بالإشارة الى خوض هذا التحالف المعركة المقبلة سياسيا وانتخابيا.
وبالنسبة للمقعد الارذوكسي يسعى النائب ايلي الفرزلي للحفاظ عليه، عبر الترويج للمواقف التي اتخذها أخيرا وتظهر ابتعاده عن سياسات “التيار الوطني الحر” طمعا بالتأهل للسباق الانتخابي، ويقف اليوم المرشح جورج عبدو في تنافس على هذا المقعد.
وتدلّ التوجهات على أن المقعد الماروني سيكون من نصيب القوات، بسبب اخفاق الوطني الحر في المنطقة، ولكون مرشح القوات سيكون في لائحة مدعومة من جنبلاط وربما حركة امل التي قد تعطي بعض الأصوات الى الاشتراكي وحليفه، وسط وضوح موقف القوات انها لن تعطي أصواتا لاي مرشح قريب من حزب الله او أي حليف وصديق للنظام السوري.
ويلعب العامل السنّي دورا أساسيا في هذه المنطقة فهناك نائبان سنّيان. في انتخابات 2018 بعد التسوية التي أتت بميشال عون رئيسا للجمهورية، حصل “المستقبل” على مقعد سني لصالح النائب محمد القرعاوي وخسر المقعد الثاني، الذي فاز به عبد الرحيم مراد، ووفق متابعبن “الخسارة جاءت نتيجة عدم التنسيق والتوافق ما بين التقدمي والقوات والمستقبل، فهذه الأطراف الثلاثة خسرت هذه المنطقة بدخول ثلاثة نواب، الفرزلي ومراد وهنري شديد الذي لا يسمع صوته خاصة انه يعيش في غيبوبة، وهم من الشخصيات والقوى الداعمة لحزب الله. كما فاز مرشح امل بالطبع عن المقعد الشيعي، قاطفا المقعد من النائب أمين وهبي الذي قاطعته أحزاب يسارية بتهمة انه من السلطة وكذلك قاطعت هذه الأحزاب ابوفاعور على الرغم من تقديمه الكثير من الخدمات، وهو أمر ناتج عن الخلافات وعدم وجود لائحة موحدة من القوى المعارضة سابقا ممأ أدى الى اختراق اللائحة، وجرى حينها لملمة الجراح على مضض تحت عنوان الكل ربح”.
انتخابات 2018 لم تشهد تحالفا سنّيا قادرا على حصد الموقعين لصالح المستقبل، فالخرق الذي احدثه مراد اظهر ان بعض البيوتات البقاعية ملتفة حوله نتيجة الخدمات التي يقدمها تعليميا واجتماعيا، علما ان مراد تم تقديمه كنائب من قبل النظام السوري. كما تم تقديم الدرزي فيصل الداوود الذي اطاحه أبو فاعور، إذ من المعروف ان المخابرات السورية كانت تلعب دورا كبيرا في تقديم نواب يعملون لصالحها. ونتيجة الخلافات في القاعدة السنّية الناتجة عن الموقف من التسوية الرئاسية المبرمة، حاول اللواء اشرف ريفي بناء قاعدة له في المنطقة لكنها كانت مخترقة، ولأن الخلاف داخل البيت الواحد تشعبت الأصوات وتفرقت. كما أن “الجماعة الإسلامية” أعطت أصواتا للتيار الوطني الحر ولـ عبد الرحيم مراد، ولم تصوّت لصالح مرشحي المستقبل.
أما اليوم فوفق مصادر متابعة “يختلف وضع السنّة، فحركة الاعتراض في البقاع الغربي منذ 2019 واضحة، سنّة هذه المنطقة يعيشون فيها أما التواجد المسيحي فشبه غائب، والدروز لم يدخلوا المعركة، والارذوكس بعد السنّة منحازون الى الثورة كحركة اعتراضية على ممارسات منظومة حزب الله، وكثيرون من أبناء المنطقة السنّة يتحدثون عن الاجحاف بحق الطائفة ويرون انه لا يجب تحميل “تيار المستقبل” مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي تفاقم بعد استقالة الحريري”.
على الرغم من هذا التعاطف، ترى المصادر ان “الاعتراض هو على اتيان المستقبل بمرشحين غير ناجحين وعليه لا بد من التغيير في التمثيل”.
وتوضح ان “مراد يسعى لتوريث المنصب النيابي لابنه الوزير حسن مراد ويجهد لأن يكون في لائحة الحريري، لكي تكون وراثة مقبولة ومرضي عنها”.
الجديد في الصورة محاولة الوزير السابق نهاد المشنوق توجيه نشاطه نحو المنطقة، عبر مفاتيح وشخصيات ساخطة على السلطة وتعاني من الإهمال والحرمان، مستفيدا من الفراغ الذي أحدثه غياب الحريري، اذ تعامل المشنوق مع شخصيات بعيدة عن المنطقة وعن همومها، و”هذه العوامل تؤدي الى عدم إيجاد مرشحين سنّة أقوياء قادرين على الوقوف في وجه السلطة وحزب الله في المجلس النيابي العتيد ومن هنا لا بد من ترشيح شخصيات سنّية من الصقور وليس من الحمائم يعملون على إعادة الاعتبار الى منطقتهم”.
وفي قراءتها لأرضية الواقع تشير المصادر المتابعة الى “وجود أمور خلافية حول طريقة التعامل معها، مثل الشخصيات والقوى التي بقيت في حالة تبعية للمخابرات السورية. إذ ان الفراغ الناتج عن عدم حماسة المستقبل للانتخابات اربك مؤيديه على الأرض ولا سيما ان الناس تريد التصويت لصالح التيار الازرق وترغب في تقديمه بدائل مقبولة سنيا وغير مرتبطة بالنظام السوري وحليفة لحزب الله”.
ماذا عن مجموعات الثورة؟
الصورة هنا مغايرة للوضع في الدوائر الأخرى، حيث يجري العمل على بلورة مرشحين يتبنون شعارات الثورة ويعملون وفق برنامج موحد، فمعظم المجموعات في هذه المنطقة غير منظمة وتتخذ طوابع مختلفة، منها ما يخضع لمفاهيم ناصرية ولا يزال يخابط ما بين الوقوف في وجه الفساد وهو مع تحرير فلسطين وما الى ذلك من شعارات تجعلها عمليا تحت سطوة حزب الله.
وظهرت شخصيات لها باع طويل في المقارعة، الا إنها ضعيفة وليس لها قاعدة تستند اليها، و”برز إسما محمد ياسين وعماد قزعون كشخصيتين من المعارضة يحاولان تقديم نفسيهما ضد فساد الدولة، الا ان الرؤية السياسية ضعيفة”.
وتشير المصادر الى “ضعف الرؤية السياسية لدى شباب مجموعات الثورة التي تحاول مدّ الجسور والتشبيك الا إنها تعاني من حالة غياب البرنامج الواضح وعكس مطالب هذه المنطقة وكيفية نسج العلاقات التحالفية، بالطبع هناك عامل مساعد للمعارضين من قبل حزب الكتائب الذي قد يقدم اصواتا تصب في خانة مرشحين سيواجهون حزب الله والتيار العوني، ولن يكون للكتائب مرشحا لان وضعه ضعيف جدا، والحزب لن يقدم جهودا ليسجل انه موجود فقط، أما النقطة التي تشكل قوة فهي التحالف المعلن بين جنبلاط والقوات وبالتالي المرشحان المسيحيان قد يكونا للقوات، في حال تم التوافق الدرزي – المسيحي لصالح هذا التحالف وتم توحيد الرؤية مع المستقبل فهذا عامل قوة لان السنّة عامل أساسي ومغير”.
وتلفت هذه المصادر الى “الموقف الشيعي الذي يبني تحالفه الانتخابي من تحت الطاولة، تحت شعار عدم الدخول في مواجهة مع نبيه بري وعلى السنّة التحالف معه كي لا يعطي المكان لحزب الله وبالتالي يضعف العامل الشيعي المعتدل”.
والسؤال هل ينجح المشنوق في إيجاد أرضية تصويتية لصالحه عبر مفاتيح إنتخابية؟ والاجابة قد تكون معقدة، فحسب المطلعين ان “تجربة ريفي في انتخابات 2018 لم تكن ناجحة، ولا سيما ان الأهالي يتطلعون الى مرشحين لهم دور مميز في المنطقة”.
أما بالنسبة لمجموعات المعارضة، فترى أن “الأغلبية السنّية قد لا يكون لها حضور في حال تم التوافق على التيار الأزرق عبر تقديم شخصيات جديدة تساعد البقاعيين وتلبي مزاجهم وطموحاتهم وقد يتفق مع المعارضة على تقديم شخصيات مستقلة لها قدرات عالية غير مستفزة تجذب العديد من الناخبين الذين يرغبون في التخلص من ودائع النظام السوري وحزب الله”.